تشير الأزمة المتصاعدة بين باماكو وباريس والتي كان آخر فصولها طرد السفير الفرنسي في مالي جويل ميير، إلى أن خريطة الصراع الدولي في منطقة الساحل الإفريقي تتجه نحو إعادة التشكيل، مما سيسمح على الأرجح لروسيا بالتمدد.
كما تطرح هذه الأزمة علامات استفهام حول مصير الانتشار العسكري الفرنسي في مالي، وعموم منطقة الساحل والصحراء، إذ صرحت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي أن هناك حدودًا للثمن الذي يمكن لبلادها أن تدفعه للبقاء هناك.
وجاءت تصريحات بارلي في وقت يتصاعد فيه التوتر بين مالي وشركائها الدوليين بعدما تخلف المجلس العسكري عن إجراء الانتخابات في أعقاب الانقلاب.
وقالت بارلي: "ظروف تدخلنا، سواء عسكريًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا، تزداد صعوبة أكثر وأكثر"، وأضافت: "خلاصة القول، لسنا على استعداد لدفع ثمن بلا حدود للبقاء في مالي".
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان اعتبر الأسبوع الماضي، أنّ المواجهة القائمة في مالي مع المجلس العسكري الحاكم لا يمكن أن تستمر، واصفًا في الوقت ذاته المجلس بأنه "خارج عن السيطرة".
وأوضح الوزير الفرنسي أن بلاده تبحث مع الشركاء كيفية تعديل عملياتها لمواصلة التصدي للمسلحين المتشددين.
مخاوف فرنسا من الانسحاب
وفي هذا الإطار، أوضح رئيس تحرير إذاعة مونت كارلو الدولية أندريه مهاوج، أن فرنسا أمام خيارات صعبة، وأن هناك نقاشًا كبيرًا داخل الحكومة الفرنسية وفي الوسط السياسي العام، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن الاستحقاقات المنتظرة ستكون في الأيام المقبلة، خاصة مع انعقاد القمة الأوروبية الإفريقية في الاتحاد الأوروبي في 17 و18 فبراير/ شباط الجاري.
وأضاف في حديث إلى "العربي"، من العاصمة الفرنسية باريس، أن فرنسا تواجه عدة تهديدات، لكنها تحاول إشراك جميع الشركاء معها، ولذلك أعطى وزير الخارجية الفرنسي مهلة 15 يومًا من أجل التشاور مع الحلفاء الأوروبيين والغربيين من أجل اتخاذ القرارات المناسبة وعدم التسرع بالرد على مطالب المجلس العسكري الحاكم بالانسحاب في هذه المنطقة.
ولفت إلى أن مصلحة فرنسا تكمن في حماية مصالحها الأمنية تجنبًا لانهيار المنطقة والحفاظ على جهودها في الحد من الهجرة وتدفق المسلحين، لأنها تخشى أن تنهار هذه الجهود في حال انسحابها.
وأردف مهاوج أن الموضوع الاقتصادي مهم أيضًا بالنسبة إلى فرنسا في ظل حالة التمدد الروسي والصيني الذي يشكل المنافسة الأساسية في هذه المناطق.
وتابع أن ما يهم فرنسا أيضًا نفوذها الحيوي الثقافي ضمن مجموعة الفرنكوفونية أو ما يعرف بالمستعمرات الفرنسية السابقة.
وأكد مهاوج أن أكثر ما يخيف فرنسا هو اتخاذ المجلس العسكري الحالي إجراءات عملية استراتيجية تسير باتجاه معاكس تمامًا لما كانت عليه المنطقة منذ عملية الاستقلال عام 1960، عندما تفككت المستعمرات.
وأشار إلى أن لروسيا استراتيجية لمواجهة تمدد الغرب، بحيث أن موسكو ترغب في أن يكون لديها مجال حيوي يحمي مصالحها ويشكل منطقة نفوذ لها، لأن هذا الأمر سيعطيها أوراق قوة ويساعدها على استعادة موقعها كشريك أساسي على صعيد القرار الدولي في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية.