تهدّد الحرب على أوكرانيا بعودة "الربيع العربي" من جديد، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية على أبواب شهر رمضان المبارك.
وتوقّفت أوكرانيا، المعروفة باسم "سلة الخبز الأوروبية"، عن تصدير المواد الغذائية، في 9 مارس/ آذار، ما أدى إلى تضخّم الأسعار، إذ ارتفع سعر الذرة والشعير والحبوب الأخرى ما رفع أيضًا سعر زيت الطهي.
وتعتمد دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط بشكل كبير على روسيا وأوكرانيا للحصول على القمح، ناهيك عن أن هذه البلدان تعاني من الجفاف.
وذكرت وكالة "بلومبرغ" أن الحرب على أوكرانيا أدت إلى ارتفاع أسعار الخبز، الذي يعد المادة الأساسية في شهر رمضان، ما يهدّد بحصول تذمّر شعبي في البلدان المسلمة والعربية ولا سيما في الشرق الأوسط.
ومع بداية الهجوم في فبراير/ شباط الماضي، ارتفع سعر القمح كون البلدين المتحاربين هما من أهم مصدّري القمح في العالم وموردين أساسيين للمادة في العالم العربي. ونتيجة لذلك، ارتفع سعر الخبز في جميع بلدان الشرق الأوسط.
تحذيرات أممية
وحذّر برنامج الأغذية العالمي من زيادة الجوع في عدد من البلدان، بينما تقول منظمات حقوق الإنسان إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معرّضة للخطر بشكل خاص بسبب نظامها الغذائي الغني بالقمح.
بدوره، حذّر معهد الشرق الأوسط للأبحاث من أنه "إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح" للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، "قد تؤدي الأزمة إلى تظاهرات جديدة وعدم استقرار في دول عدة".
وبالفعل، شهد العراق ولبنان احتجاجات محدودة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخبز.
ويُدرك الحكّام العرب المخاطر السياسية الكامنة جراء تضخّم أسعار الغذاء، إذ كانت الاحتجاجات على سعر الخبز بمثابة إشارة مسبقة لحركة "الربيع العربي" عام 2011 التي أطاحت بالحكّام في تونس ومصر واليمن وليبيا.
منها #تونس و #لبنان.. دول المنطقة العربية تدفع فاتورة الحرب في #أوكرانيا #الحرب_الروسية_الأوكرانية #روسيا تابعوا المزيد عبر البث المباشر للتلفزيون العربي على يوتيوبhttps://t.co/bZpp4a2Xxk pic.twitter.com/63CtQm0XLN
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 12, 2022
ومنذ احتجاجات "الربيع العربي"، تفادت الأنظمة العربية اضطرابات سياسية، لكن الارتفاع الناجم عن الحرب في أوكرانيا هو الأكثر حدة منذ أكثر من عقد من الزمان.
ويأتي ارتفاع سعر الخبز في وقت تشهد فيه دول عربية اضطرابات من غياب برلمانات وحكومات فاعلة في لبنان والعراق، وديمقراطية مهدّدة في تونس، وسط مخاوف من أن ليبيا قد تنزلق مرة أخرى إلى حرب أهلية، بينما يتراجع الجيش السوداني عن وعده بتسليم السلطة للمدنيين.
وذكر الموقع أن الغضب المنتشر من تضخّم الغذاء قد يحوّل الاضطرابات السياسية في العديد من تلك البلدان إلى اشتباكات عنيفة بين الشعوب وحكوماتها.
مصر.. أكبر المتضررين
واعتبر الموقع أن مصر تعد أكثر دولة مثيرة للاهتمام عندما يتعلّق الأمر بهذه الأزمة. ففي المرة الأخيرة التي حاول فيها الرئيس الأسبق الراحل أنور السادات رفع الدعم عن الخبز عام 1977، اندلعت أعمال شغب أدت إلى مقتل عشرات المصريين وجرى إعادة الدعم بسرعة.
وقد تُجبر الحرب على أوكرانيا الرئيس عبد الفتاح السيسي على إنفاق المزيد للحفاظ على الدعم.
ومصر هي أكبر مشترٍ للقمح في العالم، وتستورد 90% من وارداتها من روسيا وأوكرانيا. وحظرت الحكومة تصدير الأغذية الأساسية، وحثّت المصريين على توخّي الحذر، وأعلنت تدابير استثنائية لمنع تضخّم الأسعار، وهددت بفرض عقوبات قاسية على الوسطاء "الجشعين". وتتطلّع القاهرة إلى تعزيز احتياطياتها من القمح بإمدادات من دول أخرى مثل الهند. كما تجري محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم.
واعتبر الموقع أن أكبر مخاوف السيسي ستكون احتمال حدوث اضطرابات سياسية. وبحلول شهر رمضان، ستبقى أجهزته الاستخباراتية والأمنية حذرة جدًا لمواجهة هذا الاحتمال.
تضاعف المجاعة في السودان
أما في السودان، فقد حذّرت الأمم المتحدة من أن عدد السودانيين الذين يعانون من الجوع الشديد، قد يتضاعف بحلول سبتمبر/ أيلول المقبل من نحو 9 ملايين يحتاجون حاليًا إلى المساعدات، إلى أكثر من 18 مليون، نتيجة قلة المحاصيل والأزمة الاقتصادية والصراع الداخلي والحرب على أوكرانيا.
وقال إيدي رو، المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في السودان: "هناك بالفعل علامات مقلقة على عدم قدرة السودانيين على تحمل تكاليف الغداء وتوافره، مما يدفع المزيد من الناس إلى الفقر والجوع".
وارتفع سعر رغيف الخبز من 30 جنيهًا إلى 50 جنيهًا سودانيًا، فيما قد يعرقل ضعف العملة الوطنية محاولات استيراد الحبوب إلى السودان.
واعتمد السودان على حوالي 50% من قمحه من روسيا خلال العام الماضي.
أما في دول شمال إفريقيا، فقرّرت الحكومة المغربية زيادة مخصصات دعم الطحين إلى 350 مليون يورو، وعلّقت الرسوم الجمركية على استيراد القمح.
أما تونس، التي تتزايد ديونها الخارجية مع انخفاض احتياطاتها من العملات الأجنبية، فقد رفضت البواخر، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تفريغ حمولتها من القمح لعدم دفع ثمنها.
وتستورد تونس 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا. ومخزونها يكفي حتى يونيو/ حزيران المقبل فقط.
في المقابل، يكفي مخزون الجزائر، ثاني مستهلك للقمح في أفريقيا وخامس مستورد للحبوب في العالم، ستة أشهر على الأقل.