أقرّت الأمم المتحدة الخامس عشر من مارس/ آذار من كل عام ليكون اليوم العالمي لمكافحة "رهاب الإسلام" أو "الإسلاموفومبيا"، حيث رأت في تنامي الكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين تهديدًا للسلم والتعايش بين الشعوب والحضارات.
وتتصاعد موجات الكراهية ومعاداة الإسلام في الدول الغربية بين حين وآخر، ويتجلى ذلك في أعمال عنف وتحريض ومس بالرموز الدينية للمسلمين.
لماذا أصبح الخوف من الإسلام ظاهرة خطرة؟
ظهر مصطلح الإسلاموفوبيا للمرة الأولى في بدايات القرن العشرين في الكتابات الفرنسية أولًا ثم الإنكليزية، وذلك لوصف ظاهرة معاداة وكراهية الإسلام والمسلم المستشرية في المجتمعات الغربية على شكل اختزالات عقائدية سطحية وصور نمطية دونية عن الأفراد والمجتمعات.
وشهد استخدام المصطلح رواجًا في نهاية تسعينيات القرن الماضي، حيث تجلت هذه الظاهرة في سلوكيات كحرق القرآن الكريم وخط العبارات التحريضية على الجدران والاعتداء جسديًا ولفظيًا على المهاجرين العرب أو غير العرب من المسلمين ولو كانوا مواطنين حيث أصبحت إطالة اللحية أو ارتداء الحجاب مثلًا سببًا للاستهداف.
ويفرق معظم المختصين في ظاهرة معاداة وكراهية الإسلام في الغرب بين الحقبة التي سبقت الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001 والمرحلة التي تلتها، حيث أن الاعتداء على المسلمين ورموزهم ووصمهم بالتطرف والإرهاب وبعدم قابليتهم للتعايش مع الحضارة الغربية وقيمها أخذ يتزايد بعدها.
وأجج ذلك كتابات أكاديمية ظهرت قبل سنوات تحلل الظاهرة بوصفها صراع حضارات بين الشرق والغرب أو الإسلام والمسيحية، وكان أبرزها كتاب "صدام الحضارات" للكاتب الأميركي صامويل هنتنغتون.
وفي سياق دراسة ظاهرة الإسلاموفوبيا، برزت في الأكاديمية الغربية مؤخرًا مقاربات ترى في معاداة الإسلام معاداة "سامية جديدة"، مشبهة صعود هذه الظاهرة بالمسار الذي ظهرت فيه سابقتها خلال الحرب العالمية الثانية، كما حاول أن يوضح لورينزو فيراتشيني في مقالته الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية والصهيونية والاستعمار الاستيطاني.
"الإسلاموفوبيا".. ظاهرة قديمة
وفي هذا السياق، يشير المؤرخ والباحث المختص في تاريخ الأديان خزعل الماجدي إلى أنّ ظاهرة الإسلاموفوبيا فكرة قديمة جدًا بدأت منذ ظهور الإسلام.
ويوضح في حديث إلى "العربي"، من مدينة كركدريل الهولندية، أنّ ما اسماه "الاحتكاك السلبي" بين الإسلام وبقية الأديان لا سيما في الغرب بدأ يأخذ طابعًا متصاعدًا ومستمرًا.
ويلفت إلى أنه على "مستوى تكوّن المصطلح وتشكله، فقد ظهر في أكثر من مكان مع بداية القرن العشرين وتحديدًا في حدود عام 1910"، لكنه يبيّن أن هذا المصطلح في تلك الفترة لم يكن "مجسدًا ومرتبًا بطريقة واضحة".
ويشدد على أن مصطلح الإسلاموفوبيا بدأ يأخذ أبعاده القوية جدًا والواضحة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مؤكدًا أن تلك الأحداث "فجرت المخزون من الكراهية والاحتكاك السلبي بالإسلام والمسلمين".
ويقول إنّه في تلك المرحلة "أصبح هناك تحذير واضح جدًا من أن المسلمين يشكلون تهديدًا للحضارة الغربية، حيث بدأت تلك الأمور في الولايات المتحدة ثم انتشرت في عموم أوروبا".
ويضيف أن مصطلح الإسلاموفوبيا "أصبح عبارة عن مصطلح منحوت نحتًا اصطلاحيًا بعد دخوله في القواميس والصحافة وتجسده على الأرض، حيث أصبحت هناك مؤسسات وتظاهرات وأفعال في الشارع ضد المسلمين".
أحداث سبتمبر والإسلاموفوبيا
ويؤيد المؤرخ خزعل الماجدي أنّ أحداث الحادي عشر من سبتمبر أحيت المخاوف الكامنة والصراع الذي كان سائدًا منذ زمن بعيد، مؤكدًا أنّ عددًا كبيرًا من المستشرقين الجدد عملوا على إحياء فكرة أنّ "الإسلام دين لا يتناسب مع الغرب ويكن العداء له".
ويبين أن الأمور تصاعدت بعد أحداث سبتمبر وتحولت إلى بروز أفكار تتعلق بكيفية "التخلص من الإسلام" لدى الدول الغربية وأيضًا محاربته في بلدانه الأصلية.
ويشير في هذا السياق إلى الأفكار التي سبقت احتلال أفغانستان ثم غزو العراق والهيمنة على البلدان الإسلامية والعمل على تقسيمها إلى كانتونات وأقاليم أصغر لتسهيل السيطرة عليها.
"كراهية الإسلام"
من جانبه، يرى الكاتب والناقد فخري صالح أنّ الاشتباك مع الإسلام بدأ منذ ظهوره كحضارة جديدة ودين جديد بعد أن استطاع التغلب على ديانات أخرى وحضارات قديمة وامبراطوريات.
ويشير في حديث لـ"العربي"، من عمّان، إلى أنّ الصراع مع الإسلام قد ترسخ مع الحروب الصليبية.
ويعتبر أنّ الصراع مع الإسلام لم يكن عبارة عن "صراع أديان" بل "صراع مصالح ونفوذ" منذ البداية، حيث كانت تلك الحضارات موجودة في مناطق تمكنت بعدها الحضارة العربية الإسلامية من السيطرة عليها وأنّ تمتد خارج نطاق الجزيرة العربية وتبلغ أصقاعًا بعيدة في قلب أوروبا.
ويطلق الناقد فخري صالح تسمية "كراهية الإسلام" على ما يصطلح تسميته الآن بـ"الإسلاموفوبيا"، لافتًا إلى أنّ "الصور النمطية للإسلام والمسلمين موجودة منذ زمن بعيد"، مستشهدًا بكتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد الذي يشير إلى امتداد هذه الظاهرة إلى أيام الإغريق حيث كان يوصف "الشرقي بأنه كائنًا مغايرًا".
ويبين أنّ مصطلح "الإسلاموفوبيا" والتأثيرات التي أحدثها والصراع الذي تقوده جهات غربية معينة كارهة للآخر ظهر بعد عام 1973، وذلك إثر قطع العرب النفط عن الغرب، مشيرًا إلى كتابات لعدد كبير من المستشرقين الجدد تحدثوا بتعليقات حادة بشأن العلاقة بين المسلمين والغرب.
"البحث عن عدو آخر"
وبشأن تحميل "المسلم الغربي" مسؤولية ما ارتكب باسم الإسلام في مجتمعات تتحدث بالأساس عن التعايش والتسامح، نوه الباحث والناقد فخري صالح إلى التنظيرات التي ظهرت قبل نحو عشرة أعوام من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لافتًا إلى أن هذه التنظيرات تحدثت عن "طبيعة المسلمين الذين يعادون الغرب ويكرهون حداثته".
ويعتبر أن كتابات الكاتب الأميركي صامويل هنتنغتون الذي ظهرت عام 1992 عبر كتاب "صدام الحضارات" قد "رسمت الحدود الدموية للحضارات"، مشيرًا إلى أنها "بدأت تفصل بين الحضارات الأخرى لا سيما الإسلامية والروسية الأرثوذكسية مقابل الحضارة الغربية".
ويرى أن الصراع المحتدم "كان في البداية ضد المسلمين باحتلال أفغانستان والعراق، ثم الآن في الحرب الروسية والأوكرانية" والتحالف الكبير للدول الغربية في نصرة أوكرانيا مقابل روسيا.
ويخلص إلى أنه منذ سقوط الاتحاد السوفيتي بدأ منظرون غربيون يحاولون أن يبعثوا من الرماد عدوًا آخر ضمن إستراتيجية الحضارة الغربية، مشيرًا إلى استغلال الغرب لوجود تيارات إسلامية متطرفة وأحداث سبتمبر في "تطوير" مصطلح "الإسلاموفوبيا".
للمزيد من تفاصيل النقاش بشأن أسباب اتساع ظاهرة الإسلاموفوبيا وتداعياتها الخطرة على المسلمين في العالم في الحلقة المرفقة من برنامج "قراءة ثانية".