مرت ستة وسبعون عامًا كاملة على النكبة الفلسطينية، مارست إسرائيل خلالها التطهير العرقي والتهجير وقضم الأراضي، فضلًا عن التنكيل بالفلسطينيين معتقلين أو أحرارًا على أرض ما تبقى من فلسطين.
طيلة تلك السنوات، تغرِق تل أبيب العالم بالتفاصيل عندما يتعلق الحديث بالحق الفلسطيني، وتشنُ عدوانًا متواصلًا على قطاع غزة والضفة الغربية وتمارس تمييزًا عنصريًا ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، ضاربةً عرض الحائط بكل القرارات الأممية الصادرة بهذا الشأن.
إسرائيل التي تفعل ذلك بغطاء عسكري وسياسي أميركي وبريطاني، تلقى دعمًا غير محدود من واشنطن وعواصم عدة، يتمثَّل بالدفاع السياسي في أروقة المنظمات الأممية، وفي الإمداد المستمر لشحنات السلاح نحو تل أبيب.
يأتي ذلك مع بعض التحفظات الخجولة التي يمررها دبلوماسيون يرفعون راية الخوف من الفراغ الذي تملأه الفوضى، وفق ما قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي طالب إسرائيل بتقديم خطة واضحة لليوم التالي للحرب في غزة.
عدوان غزة واستمرار النكبة
وتحدث صورةٌ أخرى مستمرة للنكبة الفلسطينية منذ أشهر على جغرافيا قطاع غزة؛ يمارس فيها الجيش الإسرائيلي ما مارسته العصابات الصهيونية عام 1948.
بالتوازي تدور تساؤلات بشأن المحيط العربي من حيث قواعد الاشتباك ومسار التطبيع مع إسرائيل، وجدية حل الدولتين الذي تطالب به دول غربية، فيما ترد إسرائيل بالتلويح دائمًا بورقة تهجير الفلسطينيين إلى دول الطوق العربية.
"آفاق خطيرة"
يرى الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، أن آفاق النكبة المستمرة على الشعب الفلسطيني خطيرة، لافتًا إلى أن ما جرى في العدوان الأخير على غزة أعاد الوعي للفلسطينيين والعرب ربما وللعالم، بأن ما يجري ليس حدثًا منفصلًا عن تاريخ كامل بدأ منذ بداية الحركة الصهيونية في القرن التاسع عشر.
ويشير في حديثه إلى "العربي" من رام الله، إلى أن الحركة الصهيونية هي حركة استيطان استعماري إحلالي أرادت أن تطرد الفلسطينيين من وطنهم وأن تستولي عليه.
ويضيف: الحركة الصهيونية قائمة على مبدئين: الاستيلاء على الأرض بالقوة وطرد أصحابها، وهذا ما نفذته في العام 1948 بالتهجير الذي طال 70% من الفلسطينيين، حيث خلقت جيلًا كاملًا من اللاجئين الفلسطينيين الذين يزيد عددهم اليوم عن 7 ملايين محرومين من العودة إلى وطنهم.
ويقول إن إسرائيل حاولت منذ العام 1967 أن تكرر التهجير نفسه وفشلت بسبب صمود وبطولة وبسالة الشعب الفلسطيني.
ويلفت إلى أن "الهدف المركزي للعدوان على غزة هو تهجير سكانه على أمل بعد ذلك تهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية، وفشل ذلك بسبب صمود وبطولة وبسالة الفلسطينيين في غزة".
"بريطانيا لا تعترف بالمسؤولية"
من ناحيته، يعتبر الدكتور غابرييل بولي، المؤرخ وأستاذ الدراسات الفلسطينية في جامعة إكستر، أن 67 عامًا على النكبة والفترة تطول وتطول.
ويذكر في حديثه إلى "العربي" من لندن، بالانتداب البريطاني على فلسطين الذي استمر 30 عامًا، وبوعد بلفور، وهو ما مهد الطريق إلى النكبة ومزق النسيج المجتمعي وسمح للمستوطنين الصهاينة بأن يطردوا الفلسطينيين من منازلهم.
ويشير إلى أن تاريخ انخراط بريطانيا يعود إلى قرنين من الزمن على الأقل، لافتًا إلى أنها لا تعترف في هذه الأثناء بأنها اقترفت خطأ وبأنها مسؤولة عن الكارثة السياسية والإنسانية في فلسطين.
ويقول إنها "تستمر بتسليح الحكومة الإسرائيلية وتدعمها معنويًا في الأمم المتحدة وتهين وتهدد المحتجين الذين يدعمون فلسطين في بريطانيا".
"النظام العربي ازداد ضعفًا"
بدوره، يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور عبدالله الشايجي، إلى أن النظام العربي بعد 67 عامًا من النكبة الفلسطينية ازداد ضعفًا وترهلًا وتراجعًا.
ويضيف في حديثه إلى "العربي" من الكويت، أن هناك 6 دول عربية مطبّعة مع إسرائيل؛ معظمها لم تسحب سفرائها ولا يوجد موقف عربي جامع. وكذلك الجامعة العربية مترهلة إلى حد كبير".
ويعتبر أن من يملك زمام الأمور هي القوى الإقليمية، متحدثًا عن إسرائيل بمشروعها التوسعي الاستيطاني الإمبريالية.
ويردف بأن إسرائيل قاعدة متقدمة للغرب لا سيما الولايات المتحدة، وكانت تسمى منذ سنوات بحاملة طائرات عائمة في المنطقة ومع ذلك تهدد حتى المصالح الأميركية وتسمم علاقة أميركا مع حلفائها بالمنطقة.
ويؤكد وقوع نكبة متكررة ومستمرة بحق الفلسطينيين، مذكرًا في هذا السياق بـ"نقل ترمب بشكل متهور السفارة الأميركية إلى القدس من تل أبيب، واعترافه بالقدس عاصمة أبدية غير مقسمة لإسرائيل".
ويردف: "لا يوجد موقف عربي بالفعل يمكن أن يقف إلى جانب فلسطين".