تصاعدت الاحتجاجات في السودان تزامنًا مع الذكرى الثالثة للانتفاضة الشعبية "ثورة ديسمبر" 2018، التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير.
فقد شارك عشرات الآلاف من المتظاهرين السودانيين أمس الأحد، في مسيرات دعت إليها أحزاب سياسية وتجمعات نقابية ومهنية، تعبيرًا عن رفض الشارع للانقلاب العسكري والاتفاق السياسي بين الجيش ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وللمطالبة بحكم مدني.
ولأول مرة جالت المسيرات إلى البوابة الجنوبية للقصر الجمهوري في العاصمة الخرطوم، حيث لاقت القوات الأمنية المحتجين بالغاز المسيل للدموع لمنعهم من الوصول إلى القصر.
بدورها، دعت "قوى إعلان الحرية والتغيير" في السودان، أمس الأحد، لمواصلة تصعيد المقاومة ضد "الانقلاب"، فيما طالبت "لجان مقاومة الخرطوم" المحتجين بالتراجع من محيط القصر الرئاسي "تجنبًا للخسائر".
"السلطة للشعب"
وقالت "الحرية والتغيير" (الائتلاف الحاكم سابقًا) في بيان: "ندعو شعبنا لمواصلة تصعيد المقاومة ضد الانقلاب حتى تسليم السلطة للشعب، كما ندعو الجيش والقوات النظامية الأخرى لعدم التعرض للجماهير السلمية".
واعتبر البيان أن "تظاهرات الأحد، تشكل علامة فارقة في نضال الشعب لهزيمة الانقلاب".
من جانبها، قالت "تنسيقية لجان مقاومة الخرطوم"، في بيان صدر أمس: "اليوم انتصرت فيه إرادة الشعب وروح الحرية والصمود والوفاء على خبث العنف المتهالك".
وأضافت: "في ظل القمع الوحشي والتوافد المستمر المتزايد لأرتال القوات النظامية بمختلف مسمياتها، نهيب بالثوار التراجع من محيط القصر الرئاسي بشكل مدروس يجنبنا الخسائر".
وحمّل البيان "السلطة كاملة مسؤولية جميع الانتهاكات والإصابات والقمع الوحشي الذي تم خلال تظاهرات الأحد".
وكانت "لجان المقاومة" بالخرطوم أعلنت، الاعتصام أمام القصر الرئاسي بهدف "إسقاط النظام"، وتكونت هذه اللجان في المدن والقرى عقب اندلاع احتجاجات 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وكان لها الدور الأكبر في إدارة التظاهرات بالأحياء والمدن حتى عزلت قيادة الجيش الرئيس آنذاك عمر البشير، يوم 11 أبريل/ نيسان 2019.
الانتفاضة الشعبية.. "مختطفة"؟
ومن الخرطوم يتحّدث الأستاذ في معهد الأمن القومي عبد الهادي الباسط لـ"العربي" عن "مسار الانتفاضة الشعبية السودانية"، مشيرًا إلى أن الأحزاب "أضاعت الثورة" وذلك "بالمحاصصات السياسية التي أسفرت عن دمار وخراب للبلاد اقتصاديًا وسياسيًا"، على حدّ تعبيره.
وأضاف: "الشعب السوداني فقد كل مقومات الحياة بسبب أحزاب صغيرة اختطفت الثورة وحاولت أن تجيّر صوت الانتفاضة لمصلحة أحزابها".
ولذلك، رأى الباسط أن هذا هو سبب تحرّك البرهان وقيامه بهذه الإجراءات التي وصفها "بالتصحيحية" بهدف "وضع الثورة بمسارها الصحيح تحضيرًا للانتخابات".
وهاجم الباسط تحركات الأحد قائلًا: إن من يقف خلفها "جهات تخدع الشباب المحتجين، فهذه الأحزاب التي تتحدث عن الحكم المدني لا تتطرق إلى الانتخابات بل تريد وضع يدها على الحكم باسم الثورة وإدارة البلاد بحكومة مدنية غير منتخبة".
كما يعتقد الأستاذ في معهد الأمن القومي أن عشرات الآلاف من المشاركين في الاحتجاجات، لا يعبرون عن الشعب السوداني بكامله.
وزعم أن "الشعب السوداني تعداده 42 مليون نسمة وبالتالي ما يحدد مصير هذا الشعب هو صندوق الاقتراع وليس حكومة مدنية بوضع اليد".
"شرعنة الانقلاب"
ويشهد السودان، منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، احتجاجات رفضًا لإجراءات اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في اليوم ذاته، تضمنت إعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وعزل رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، عقب اعتقال قيادات حزبية ومسؤولين، ضمن إجراءات وصفتها قوى سياسية بأنها "انقلاب عسكري".
ويوم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقعّ البرهان وحمدوك، اتفاقًا سياسيًا يتضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفين بالعمل سويًا لاستكمال المسار الديمقراطي.
إلّا أن قوى سياسية ومدنية عبّرت عن رفضها للاتفاق باعتباره "محاولة لشرعنة الانقلاب"، متعهدة بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق الحكم المدني الكامل.