شهدت اليابان في 11 مارس/ آذار عام 2011 أقوى زلزال في تاريخها بقوة 9 درجات على مقياس ريختر، نتيجة غرق صفيحة المحيط الهادئ في اتجاه الشمال الغربي تحت الصفيحة الأوراسية، حيث تسبب في حدوث أمواج تسونامي وصل ارتفاعها إلى ما يقارب 40 مترًا.
وبلغ عدد ضحايا كارثة تسونامي توهوكو أكثر من ألف قتيل ومفقود، وتسببت كذلك في انهيارات في محطة فوكوشيما النووية وإعلان حالة طوارئ نووية، إضافة إلى تسجيل خسائر مادية بنحو 360 مليار دولار.
ويشرح يوشيو ناكامورا رئيس قسم إدارة الكوارث في توهوكو، أن هناك طرقًا عدة لتصنيف الكوارث الطبيعية في اليابان، إحداها تقضي بتصنيف الكوارث الكبيرة لفئتين، الأولى هي التي تحصل مرة كل 100 عام والثانية تلك التي تحصل كل ألف عام.
أما ماسارو آبي الاستشاري في التجارة والزراعة في بلدية ركزن تاكاتا، فيقول إن كوارث عدة مشابهة حصلت في اليابان في عصور سابقة، إلا أن تسونامي توهوكو يعتبر الأكثر خطورة وضررًا في العصر الحديث، رغم وجود الجدران البحرية العازلة والتجهيز المسبق.
وعي والتزام
ويروي أوياما يوشيهيرو المتطوع من سكان ركزن تاكاتا أن العمل قبل حصول التسونامي كان يتركز على العناية بأشجار السرو بسبب مشكلة التصحر ولمعالجة مشكلة الرياح، إلا أنه وبعد التسونامي تغير العمل من حماية الأشجار إلى إعادة زراعتها من جديد.
ورغم هول الكارثة التي جرفت كل ما يعترض طريقها، تميّز تعاطي الشعب الياباني مع مسؤولي الإنقاذ بالطاعة والالتزام بعد دخول الجيش وفرق الدفاع المدني إثر هدوء التسونامي، بحسب ما أكد أحمد عاصم منصور الأستاذ الزائر في جامعة كييو في اليابان.
ويتابع منصور: "كانت السلطات قد أعلنت أنه من المحتمل أن يحصل انقطاع للكهرباء بسبب عدم توافق الإنتاج مع الاستهلاك.. لكن بسبب استجابة الناس لطلبات الحكومة ووعيهم لم يكن هناك قطع للكهرباء".
لذلك، يرى منصور أنه يمكن تعلم الكثير من تجربة اليابان خاصة في موضوع الكوارث والاستعداد لها، وسرعة الاستجابة في حالات الطوارئ وحماية أرواح البشر.
أما الخوف الحقيقي، فكان وفق منصور من التسربات بسبب الأضرار التي لحقت بمحطة فوكوشيما النووية وانكشاف بعض المحاصيل الزراعية للإشعاعات النووية، حيث تجنب الناس استهلاكها إلى جانب مشتقات الحليب واللحوم.
معالم محيت بالكامل
واستعرض برنامج "كنت هناك" لقطات تحبس الأنفاس توثق كيف تغيّرت ملامح البلدات قبل التسونامي عام 2011 وبعده، حيث سويت المباني بالأرض واختفت أشجار الصنوبر ومُسحت أحياء بأكملها عن الخريطة.
ومن متحف تسونامي التذكاري في إيواته، تلفت هازوكي كوماغي التي تعمل دليلًا بالمتحف، أنه منذ 11 عامًا كانت مدينة ركزن تاكاتا تتميز بكثرة أشجار الصنوبر تقدر بحوالي 70 ألف شجرة، إلا أن التسونامي المدمّر اقتلع عددًا هائلًا من تلك الأشجار باستثناء شجرة صنوبر واحدة باتت رمزًا للأمل بالنسبة سكان المنطقة.
الحفاظ على الهوية الثقافية
واستذكر ماسارو آبي أن الهدف الأساسي للسلطات والسكان بعد معاينة الأضرار الضخمة لم يكن فقط حينها إعادة البناء وحسب، بل كان هناك حافز للحفاظ على الهوية الثقافية للمدينة وهذا ما ترجم أثناء التخطيط لإعادة الإعمار.
وكان لافتًا بموضوع التطوع المدني في منطقة الكارثة وتحديدًا في فوكوشيما بحسب أحمد عاصم منصور، أن جميعة الوقف الإسلامي في اليابان كانت من أوائل الجمعيات التي تطوعت والتي سبقت حتى وصول الجيش الياباني نفسه.
ويتابع منصور: "وصلت الجمعية إلى منطقة الكارثة خلال 24 ساعة فقط ورفض أفرادها التراجع رغم تحذيرات الجيش من المخاطر، وكانت أول قافلة إغاثة من قبل جمعية الوقف الإسلامي".
وعلى الأرض، دشنت سلطات الإغاثة مراكز إيواء لأهالي المناطق المتضررة وتم بناء مراكز سكنية مؤقتة، حيث تم تحضير كل ما يلزم من بنى تحتية ومعدات وتقنيات حديثة بشكل فعال وسريع، وتفعيل العمل على المستوى المجتمعي لسكان المدينة عبر تعزيز العلاقات بين الأفراد لمواجهة تبعات الكارثة بشكل موحد.
في المقابل، استغرقت إعادة بناء ركزن تاكاتا التي تعتبر الأكثر تضررًا من التسونامي مقارنة مع باقي مدن إقليم إيواني المنكوب، 10 سنوات قامت خلالها الحكومة برفع مستوى اليابسة عن سطح البحر في المدينة لأكثر من 10 أمتار تحسبًا لكوارث مستقبلية.
تعافٍ رغم الألم
كذلك، أشار أحمد عاصم منصور إلى أن المجتمع الياباني تمكن من التعافي من هذه الكارثة بسرعة كبيرة مقارنة مع الدول الأخرى بسبب ثقافتهم، بحيث أنهم معتادون على الكوارث الطبيعية ومقتنعون بأنها لن توقف الحياة.
بالإضافة إلى قناعة في المجتمع مفادها بأن "اليابان إن لم تعمل لن تأكل"، وبالتالي كان النهوض من جديد أمرًا حتميًا لا سيما أن البلاد لا تمتلك موارد طبيعية كالنفط والغاز وغيرها، لذلك لا يمكن للحزن أن يستمر طويلًا بالنسبة لهم.
واليوم وبعد مرور 11 عامًا على التسونامي، ما زالت المنطقة تتعافى وأعيد بناء الجسور والبنى التحتية والمنازل وإعادة زرع أشجار الصنوبر، عبر الاستعانة بالباحثين والمختصين إلى جانب السكان المحليين الذين أعادوا بناء كل شيء من نقطة الصفر.
وبنت حكومة اليابان حديقة كونو التذكارية الوطنية، المخصصة لتكريم ذكرى ضحايا تسونامي توهوكو، بينما يُتوقع أن تعود المنطقة كما كانت عليه قبل الكارثة الطبيعية بعد 50 عامًا من الآن.