الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

تفاصيل عملية أمنية للقوات العراقية الخاصّة.. "داعش" يرص صفوفه في كركوك

تفاصيل عملية أمنية للقوات العراقية الخاصّة.. "داعش" يرص صفوفه في كركوك

شارك القصة

سار عناصر القوات الخاصّة العراقية عبر الماء والطين بحثًا عن العدو المراوغ الذي هرب بعيدًا
سار عناصر القوات الخاصّة العراقية عبر الماء والطين بحثًا عن العدو المراوغ الذي هرب بعيدًا (الغارديان)
بعد أربع سنوات من هزيمة "داعش"، لا تزال القوات العراقية تطارد مقاتلي "الدولة الإسلامية" في كركوك، حيث يرصّون صفوفهم مجددًا لاستعادة السيطرة على الأراضي.

بعد أربع سنوات من هزيمة تنظيم داعش في معركة الموصل، لا تزال القوات العراقية تطارد مقاتلي التنظيم في كركوك، حيث يُعيدون رصّ صفوفهم سعيًا لاستعادة السيطرة على الأراضي.

وتُهاجم مجموعات صغيرة من المقاتلين نقاط التفتيش العسكرية، وتغتال القادة المحليين وتهاجم شبكات نقل الكهرباء والمنشآت النفطية.

ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تحقيقًا استقصائيًا يسرد تفاصيل عملية للقوات الخاصّة العراقية بحثًا عن مخابئ التنظيم جنوب مدينة كركوك.

البحث عن مخابئ

تحرّكت قافلة من عربات همفي وشاحنات وناقلات جند ببطء عبر الريف جنوب مدينة كركوك، وعلى متنها العشرات من القوات الخاصة العراقية.

وتستهدف القافلة سلسلة من المخابئ التي أقامها مقاتلو داعش على التلال الوعرة والأراضي المنخفضة التي تتقاطع معها القنوات وأودية الأنهار الموسمية التي جفت منذ فترة طويلة.

ورسم قائد كتيبة كركوك التابعة لقوات العمليات الخاصة العراقية المقدّم الشاب إيهاب جليل، مسارات القافلة على جهازه اللوحي، وفي الوقت نفسه، تحدّث عبر ثلاثة أجهزة راديو، إلى طياري طائرتين مروحيتين تحلقان فوق القافلة وتستكشفان الطريق أمامها.

عملية أمنية في كركوك

في الليلة السابقة، ناقش جليل مع رجاله المهمة قائلًا: "تشير تقاريرنا الاستخباراتية إلى أن مقاتلي داعش يتمركزون في المناطق الجبلية في حمرين شرقي كركوك. خلال أشهر الصيف، يتعين عليهم الانتقال إلى الوديان للحصول على المياه. هذه الوديان والممرات قد تصبح مأوى لهم".

وأضاف: "التضاريس صعبة للغاية، ونعلم أن لديهم العديد من الملاجئ المخبأة في هذه الوديان وخنادق الري. أريدكم أن تكونوا حذرين جدًا".

حياة الرحَّل

وشرح زعماء قبليين محليين وضباط المخابرات، أنه بسبب افتقارهم إلى الدعم المحلي بعد الدمار الذي أحدثوه خلال فترة سيطرتهم، فإن أعداد مقاتلي التنظيم لا تزال قليلة قياسًا بما كانت عليه عندما سيطروا على مساحات شاسعة من العراق وسوريا.

وأضافوا: "بسبب عدم قدرتهم على السيطرة على الأراضي في مواجهة القوات الحكومية العراقية الأكثر تفوقًا، لجأ مسلحو داعش إلى ما يشبه حياة الرُحّل، وصاروا يبحثون عن مأوى في الجبال والوديان، ويتحركون باستمرار حتى يتمّ حشد الموارد الكافية، والرجال، لرصّ الصفوف مجددًا، بعد استنزاف مواردهم المالية".

وأشار ضابط مخابرات عراقي بارز، يتمركز في المنطقة، إلى أن هذه المنطقة، وهي مثلث من الأرض بين كركوك في الشمال، وبيجي في الغرب، وسامراء في الجنوب، "مهمة جدًا لداعش، لأنها تقع وسط العراق، وتحتوي على التلال والجبال، التي تُشكّل مكانًا مثاليًا للاختباء"، مشدّدًا على أنهم "لن يتركوا هذه المنطقة أبدًا".

ثقة معدومة بالحكومة العراقية

وقال أحد زعماء القبائل، الذي قاتل رجاله ضد داعش في هذه المنطقة: على الرغم من أن أعداد المسلحين صغيرة في الوقت الحالي، "إلا أنهم يعملون على إعادة تهيئة الظروف التي سمحت لهم بالسيطرة على المنطقة من قبل".

وحذّر من أنه "إذا تمّ تركهم دون رادع، فسيتمكنون قريبًا من تنظيم أنفسهم ورصّ صفوفهم".

وشرح أن وضع مقاتلي داعش "مشابه لوضع القاعدة بعد هزيمتها عام 2009. لقد اختفوا بين الجبال وتحت الأرض لإعادة رصّ صفوفهم، وقد استغرق الأمر منهم أقل من 3 سنوات ليعودوا أقوى".

ونبّه من أن الظروف التي سمحت لتنظيم داعش باستغلال الغضب المحلي، وحشد الدعم لا تزال قائمة، مشيرًا إلى "ثقة معدومة بالحكومة العراقية، كما تتمّ معاقبة المجتمعات المحلية بشكل جماعي، ومعاملة أفرادها على اعتبار أنهم أعضاء في داعش حتى تثبت براءتهم".

وتجلّت الشكوك المتبادلة بين السلطات والأهالي بشكل كامل في عملية كركوك. إذ تحرّكت قافلة القوات الخاصة العراقية ببطء، وسط التضاريس الوعرة، بين التلال والجبال وعبر الخنادق والقنوات، مرورًا بالعديد من القرى المهجورة منذ الحرب الأخيرة ضد داعش قبل أربع سنوات، حيث دُمّرت منازلهم وسُويت بالأرض بسبب المتفجّرات التي زُرعت في الأرض لمنع السكان من العودة إليها.

في بعض الأحيان، كانت القافلة تسير ببطء خلف جنود إزالة الألغام، الذين يسيرون إلى الأمام، ويفحصون الأنابيب المكسورة والأكياس المهجورة، ويبحثون عن عبوات ناسفة محتملة، في مؤشر على انعدام الثقة.

عملية أمنية في كركوك

البحث عن مسؤول في "داعش"

وصل الرتل إلى قرية صغيرة، تُفيد تقارير استخباراتية بأن نائب حاكم المنطقة الذي عيّنه التنظيم دحام محمد موجود هناك. إذ حتى بعد الخسائر التي مُني بها ومقتل كبار قادته، لا يزال التنظيم يحتفظ بالتسلسل الهرمي ويُعيّن حكام المناطق والقادة الذين تتمثّل مهمتهم في الإشراف على المحافظات والمناطق التي لم تعد تسيطر عليها.

في تلك القرية، انتشر الجنود العراقيون بزيّهم الأسود، ووجوههم مغطاة بالأقنعة بين البيوت الطينية وحظائر الحيوانات، مختبئين خلف الجدران، وبنادقهم موجهة في اتجاهات متعددة.

فتسلّق اثنان من القنّاصين حظيرة حيوانات، واستلقيا على سقفها، بينما ركضت الكلاب البوليسية في الحقول، وهي تنبح وتطارد طائرات الهليكوبتر التي تحلق على ارتفاع منخفض.

كما بدا المكان مهجورًا، حيث كان هناك جرّار قديم وبعض الآليات الصدئة. لكنّ الحقيقة، لم تكن قرية مهجورة؛ وبدأ الجنود باعتقال الرجال، وأجبروهم على الانحناء على الأرض، ووجوههم موجّهة إلى الجدران، فيما وقفت النساء والأطفال في مداخل قريبة، يراقبون بنظرات خائفة جنودًا خبراء في الاستجواب والمداهمات لحوالي عقدين من الزمن.

استجواب

بدأ المقدّم باستجواب الرجال حول مكان وجود نائب الحاكم واحدًا تلو الآخر، ونفوا علمهم بوجوده في القرية، حتى إن البعض زعم أنهم لم يسمعوا باسمه.

وعندما بدأ المقدّم باستجواب الرجال حول مكان وجود دحام، نفوا معرفتهم به، لكن رجلًا كشف أن مقاتلي التنظيم مروا بالقرية خلال الأسابيع الأخيرة، غير أنه قال:"لا نعرف متى يأتون ويغادرون".

عملية أمنية في كركوك

ثم كان دور رجل نحيف بالاستجواب. كان يرتدي قميصًا ملطّخًا بالطين، وكوفية حمراء ملفوفة بإحكام حول خصره النحيل الهزيل. قام المقدم، الذي وقف فوقه، بكشط شعره القذر المليء بالقش والطين، وطلب منه أن يقف ليواجهه. وقف الرجل وهو يرتجف بشكل واضح.

حاول المقدّم تهدئته بابتسامة: "لماذا أنت خائف؟ لن نؤذيك.. تحدّث.. لماذا أنت خائف؟"، فأجاب الرجل:"أقسم أنني لا أعرفهم. لكنني أعلم أن والده كان مع تنظيم داعش، ووالده الآن في السجن".

وبمزيج من الألم والكآبة، سرد الرجل النحيف كيف أن العديد من العائلات قد غادرت عندما تم طرد داعش من المنطقة، وأن بعض المقاتلين يعيشون في الجبال، ويدخلون ليلًا إلى القرية ثمّ يغادرون؛ حيث يأتون بحثًا عن الطعام ويأخذون ما يريدونه بالقوة.

وأضاف: "أقسم بالله أننا سئمنا من داعش، يأتي مقاتلوها ليلًا إلى قريتنا، والحكومة لا تفعل شيئًا إزاء ذلك".

إحباط

غادر المقدّم وقافلته محبطين. أقرّ المقدّم أنه يمكن أن يتفهّم خوف الرجل، قائلًا: "جميعهم يعرفون نائب المحافظ جيدًا، فهم من القرية نفسها؛ لكن في الوقت نفسه، هم ما زالوا يخشون داعش، ولهم الحقّ في ذلك، فنحن سنغادر بعض ساعات، وهم سيبقون هنا مع مقاتلي داعش الذين يزورونهم ليلًا".

وشرح المقدّم أن جزءًا من المشكلة يكمن في "قوات الأمن المحلية الموجودة خلف أسوار عالية في موقع محصّن فوق التلال، تاركة القرى والحقول دون حماية". وأضاف: "السكان المحليون محاصرون. عليهم التعامل معهم [داعش] لأن القوات الأمنية لم تتمكن من حمايتهم".

وانطلقت القافلة نحو سلسلة من القنوات والخنادق التي كان عناصر "داعش" يستخدمونها مأوى مؤقتًا وشبكة اتصالات. عند وصولها إلى الموقع المستهدف في فترة ما بعد الظهر، وقفت القافلة مقابل شبكة من قنوات الري حيث نما قصب يبلغ ارتفاعه أمتار.

"البحث عن إبرة في مستنقع"

حلّقت المروحيتان في سماء المنطقة؛ ولفت أحد الطيارين إلى أنه تمكّن من رصد ثلاثة رجال يركضون. فاستهدفت المروحية القناة بنيران المدافع الرشاشة الثقيلة، قبل أن تعود لشنّ هجوم آخر. بعد بضع جولات، ارتفع خط من الدخان من منتصف إحدى القنوات، وتقدّمت القافلة.

سار الجنود إلى الضفة وأطلقوا رشقات من بنادقهم الآلية، بينما أطلق جندي آخر في برج إحدى عربات الهامفي قنابل يدوية انفجرت بين القصب العالي، فاندلع حريق.

دخل الرجال بين القصب إلى القناة. سقطت حشرات سوداء صغيرة على وجوههم وأعناقهم مع لدغات لاذعة. لم يتمكّنوا من الرؤية بوضوح أمامهم بأكثر من قدم، ساروا عبر الماء والطين، بحثًا عن العدو المراوغ الذي هرب بعيدًا، على الأرجح خائفًا من أصوات المروحية التي تقترب.

بعد بضع مئات من الأمتار من التمشيط، وصلوا إلى موقع الحريق ليجدوا هيكل سرير معدني في منتصف القناة. وكان سبب الحريق البطانيات والملابس. هنا، في وسط هذا المستنقع، قضى أحد أعضاء داعش- ربما أكثر من واحد- أيامًا أو أسابيع في انتظار اليوم الذي يعود فيه الحكم للتنظيم مرة أخرى.

عملية أمنية في كركوك

قرية مهجورة أخرى

بعد البحث في القنوات الأخرى وعدم العثور على أي شيء، تحرّكت القافلة مرة أخرى نحو قرية مهجورة قريبة حيث أقام الفريق مخيمًا ليليًا.

وكانت علامات الحرب السابقة ضد داعش واضحة في المناظر الطبيعية المحيطة: المنازل المهدمة، والهياكل العظمية للسيارات المحترقة، وأعمدة الكهرباء والواجهات المليئة بالرصاص.

أشعل الجنود النيران وطهوا الطعام قبل أن ينام بعضهم على أسطح شاحناتهم، أو يتجمعوا داخل سياراتهم.

تابع القراءة
المصادر:
الغارديان