بعد تقرير إسرائيلي تحدّث عن دور الاستخبارات العسكرية في اغتيال قائد "فيلق القدس" السابق في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، لا تزال القضية تتفاعل على أكثر من صعيد.
وفي هذا السياق، تحدّثت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن تساؤلات أثارها تقرير نُشِر حول تورط المملكة المتحدة في هجمات أميركية، بينها الاغتيالات بطائرات بدون طيّار.
وبحسب الصحيفة، يخلص البحث إلى أنه "من المحتمل" أن اغتيال سليماني قد حدث باستخدام معلومات تم الحصول عليها من الموقع البريطاني، وهو بالأساس موقع تابع لوكالة الأمن القومي الأميركية (أن أس أي).
كما يثير تساؤلات حول ما إذا كان الموظفون البريطانيون الموجودون في الموقع متورطين في المساعدة في الضربات القاتلة للطائرات الأميركية بدون طيار، ولا سيما في اليمن وباكستان والصومال، وجميع مناطق النزاع حيث لا تكون المملكة المتحدة في حالة حرب رسميًا.
ما دور قاعدة مينويث هيل؟
وزعم الصحافي الاستقصائي، بارنابي بيس، في التقرير، أن القوات الأميركية والبريطانية في مينويث هيل "تعمل خارج نطاق التدقيق والمساءلة العامة"، وأنه ما لم يكن هناك تغيير، "فمن المرجح أن الكشف عن أنظمة المراقبة والإعدامات خارج نطاق القضاء في أورويل قد استمر في السنوات الأخيرة".
ويطالب التقرير، الذي قُدّم في اجتماع خاص لحملة "مينويث هيل أكاونتابيليتي"، "بأن يتم تنفيذ أي نشاط عسكري أميركي أو نشاط وكالة الأمن الأميركية في مينويث هيل بطريقة تجعل المعنيين مسؤولين بالكامل أمام المملكة المتحدة".
وتقع مينويث هيل على بعد ثمانية أميال غربي هوراغايت على أطراف يوركشير دايلز، والمعروفة بقباب كرة الغولف البيضاء الكبيرة المميزة التي تحتوي أجهزة رادار. وعلى الرغم من أنها قاعدة تابعة لسلاح الجو الملكي، إلا أنها في الواقع أكبر موقع خارجي معروف لوكالة الأمن القومي، وتضم 600 فرد أميركي و 500 مدني بريطاني.
وأظهرت الوثائق المسربة من ملفات سنودن أن مينويث هيل جزء من شبكة تنصت قادرة على جمع البيانات من مئات ملايين رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية يوميًا وتحديد مواقع الهواتف على الأرض.
عمليات عسكرية
ويمكن استخدام المعلومات التي تم الحصول عليها في عمليات "القبض والقتل"، بما في ذلك تتبع أهداف طالبان في أفغانستان في عام 2011، ما أدى إلى "مقتل ما يقرب من 30 شخصًا"، ومرة أخرى في عام 2012، وفقًا لتحليل نُشر سابقًا لملفات سنودن التي لخصها الصحافي بيس.
وبحسب "الغارديان" فقد سعى برنامج آخر، وهو غوست وولف، إلى التعرف على "الإرهابيين" في اليمن. وتم استخدام الأدلة التي تم الحصول عليها لـ"الاستيلاء على الأهداف أو القضاء عليها"، خلال ضربات الطائرات الأميركية بدون طيار التي شنتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في البلاد وقتلت ما لا يقل عن 86 مدنيًا، من بينهم 28 طفلاً.
وقال بيس: "قيل إن برامج الاستخبارات في مينويث هيل لعبت دورًا رئيسيًا في عمليات قتل في اليمن، في جزء من حملة قصف بطائرة بدون طيار أسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين في بلد لم تعلن فيه المملكة المتحدة ولا الولايات المتحدة الحرب".
وتزعم الولايات المتحدة بأن ضربات الطائرات بدون طيار في اليمن قانونية، مستشهدة بقانون تفويض القوة العسكرية الصادر عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول. في المقابل، لا يوجد قانون مماثل في بريطانيا، وقد صوت النواب فقط لصالح العمل العسكري ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق، حيث لا يزال سلاح الجو الملكي البريطاني منخرطًا في حملة قصف.
وفي ضوء التسريبات، يخلص بيس إلى أنه من المحتمل أن يكون لمينويث هيل دور في اغتيال سليماني في يناير/ كانون الثاني 2020، وهو إجراء هدّد لفترة وجيزة بإغراق الولايات المتحدة في صراع أوسع مع إيران.
سرية تثير التساؤلات
وبحسب الصحيفة، فقد رفض وزراء بريطانيون التعليق على ما إذا كان لقاعدة يوركشاير دور في غارة الطائرات بدون طيار، في ضوء سياسة طويلة الأمد مفادها "أننا لا نعلق على تفاصيل العمليات التي نفذت في قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني مينويث هيل".
لكن بيس قال: "إن مثل هذه السرية تثير أسئلة جدية". وأضاف: "إن تورط المملكة المتحدة ومينويث هيل في عملية اغتيال هدّدت بإشعال حرب ينبغي أن يكون مصدر قلق كبير. وإن فشل الحكومة البريطانية في طمأنة الجمهور بأن القاعدة لم تكن متورطة يثير تساؤلات عميقة حول المساءلة عن الأفعال في القاعدة ".
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع: "سلاح الجو الملكي البريطاني مينويث هيل هو جزء من شبكة اتصالات دفاعية أميركية عالمية، تدعم القاعدة مجموعة متنوعة من أنشطة الاتصالات. ولأسباب أمنية تشغيلية وكمسألة تتعلق بالسياسة، لا تناقش وزارة الدفاع ولا وزارة الدفاع [الأميركية] علنًا التفاصيل المتعلقة بالعمليات العسكرية أو الاتصالات السرية بغض النظر عن الوحدة أو المنصة أو الأصول".
وأدت غارة جوية أميركية مطلع يناير/ كانون الثاني 2020 قرب مطار العاصمة العراقية بغداد إلى مقتل قاسم سليماني وعدد من مرافقيه وبينهم أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي آنذاك.