في الثاني من يناير/ كانون الثاني الماضي، اندلعت احتجاجات في كازاخستان على خلفية ارتفاع أسعار الوقود ووسط غضب من الفساد وتدهور مستوى المعيشة. وسرعان ما تحوّلت الاحتجاجات على مستوى البلاد إلى أعمال شغب قوبلت بحملة أمنية صارمة، كما يقول العديد من شهود العيان والمدافعين عن حقوق الإنسان.
ولأسابيع ، لم يُعرف الكثير عن التكتيكات المستخدمة لإخضاع المتظاهرين، الذين وصفتهم الحكومة بأنهم "إرهابيون"، بخلاف أمر "إطلاق النار بهدف القتل" الصادر عن الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف في 7 يناير.
وسرعان ما خمدت الاحتجاجات وسط الغموض الذي يكتنف العدد الفعلي للقتلى ومصير المعتقلين.
وحاليًا، بدأ ناشطون وجماعات حقوقية توثيق ما أسموه بـ"عهد الإرهاب" الذي بدأ قبل وقت طويل من أمر الرئيس بإطلاق النار.
وتكشف مقاطع الفيديو والشهادات التي جمعتها المجموعات، وكذلك المقابلات التي أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" مع المتظاهرين وأفراد عائلاتهم، عمّا يقولون إنها حملة قاسية من الوحشية والترهيب سرعان ما تغلّبت على ثورة مفاجئة.
زاجيباروف.. جثة مشوّهة بعد الاعتقال
وتناولت الصحيفة الأميركية قصة ييرلان زاجيباروف، الذي غادر منزله في أوائل يناير ليرى ما كان يحدث في مكان قريب من ساحة الجمهورية في مدينة ألماتي، حيث مركز الاحتجاجات الجماهيرية التي اتخذت منحى سياسيًا وعنيفًا.
وروت الصحيفة أنه بعد أقلّ من نصف ساعة، اتصل زاجيباروف (49 عامًا) بصديق مقرّب ليخبره أن الحرس الوطني اعتقله. ثمّ انقطعت المكالمة الهاتفية بعد أن سمعه صديقه يصرخ من الألم.
بعد ستة أيام، عثرت عائلة زاجيباروف على جثته عارية مشوّهة في مشرحة المدينة، حيث أُصيب بأعيرة نارية بالقرب من قلبه وبطنه، وكان وجهه منتفخًا وأحمر ولا يزال مقيّد اليدين، فيما كانت يده اليمنى مكسورة.
وتريد عائلة زاجيباروف معرفة من قتله. لكن منذ العثور على رفاته، بدأ أشخاص آخرون في تقديم اتهامات بارتكاب انتهاكات على يد السلطات الكازاخستانية.
وفيات أعلى من الأرقام الرسمية
وفي تقرير صدر الأسبوع الماضي، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش": إن قوات الأمن الكازاخستانية استخدمت القوة المفرطة والمميتة ضد المتظاهرين، في أربع مناسبات على الأقل بين الرابع والسادس من يناير، مما أدى إلى مقتل 10 أشخاص على الأقل وإصابة 19 آخرين.
ورجّح باحثو "هيومن رايتس ووتش" أن يكون عدد الوفيات المنسوبة إلى قوات الأمن الكازاخستانية أعلى من ذلك بكثير.
واستغرق الأمر حوالي 10 أيام، قبل أن تعلن الحكومة الكازاخستانية عن حصيلة القتلى والمفقودين: 225 قتيلًا على الأقل من بينهم 19 ضابط شرطة، وأكثر من 4 آلاف جريح.
حملة وحشية وترهيب
ولكن من خلال التقارير المتفرقة، اشتبه المدافعون عن حقوق الإنسان بوجود حملة واسعة النطاق من الوحشية والترهيب وراء الأرقام الحكومية الضئيلة. لذلك بدأوا بجمع المعلومات، وقدّموا الدعم القانوني واللوجستي للأشخاص الذين يقدّمون شهادات عن أقارب مفقودين أو عن سوء معاملة.
وقالت المحامية باهيتزهان توريغوزينا: "أفادت الحكومة باعتقال 10 آلاف شخص بسبب أعمال العنف. نُريد أن نجدهم".
وتضمّ القائمة، التي يتم تحديثها بانتظام لتعكس أولئك الذين تم العثور عليهم ميتين أو مسجونين، حوالي 1300 شخص من جميع أنحاء كازاخستان. واعتبارًا من 22 يناير، تضمّنت 970 شخصًا تم تأكيد احتجازهم، من بينهم 31 ناشطًا سياسيًا.
ووصلت قائمة القتلى إلى 227، وهو رقم أعلى بقليل من الرقم الرسمي الذي أعلنته الدولة. كما بدأ "راديو ليبرتي" فرع كازاخستان بإعداد قائمة خاصّة للقتلى تضمّ حتى الآن 124 قتيلًا، بما في ذلك صبي يبلغ من العمر 11 عامًا.
ومع ظهور المزيد من القصص، فإن المدافعين عن الحقوق ليس لديهم أدنى شك في أن العدد الإجمالي سيرتفع مع تقدّم المزيد من العائلات بدعاوى على غرار عائلة زاجيباروف.
وتأمل عائلة زاجيباروف في إجراء تحقيق محايد، وهو أمر يطالب به العديد من الكازاخستانيين بعد أكثر الأحداث عنفًا منذ إعلان البلاد استقلالها عن الاتحاد السوفياتي قبل 30 عامًا.
وقال يفغيني جوفتيس، مدير مكتب كازاخستان الدولي لحقوق الإنسان وسيادة القانون، الذي كان يجمع تقارير الانتهاكات، إنه تلقّى تقارير عديدة عن التعذيب في وحدات الاحتجاز المؤقت.
وأوضح أن الخوف من الحكومة منتشر لدرجة أنه قدّر أن حوالي 10% فقط من الضحايا يجرؤون على تقديم شكوى.
وأبدت توريغوزينا انزعاجها من التقارير التي تتحدّث عن إصابة أشخاص بجروح خلال الاحجاجات، ثمّ نقلهم من أسرتهم في المستشفى إلى السجن.
وهذا الأسبوع، أعلنت الحكومة أن لجنة برعاية الدولة، بقيادة محامي حقوق الإنسان المعروف أيمن عمروفا، ستنظر في الأحداث التي أطلق عليها سكان ألماتي اسم "قاندي قنطار" أو "يناير الدامي". لكن منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" دعت إلى تحقيق مستقل مع خبراء دوليين.