تعاني بعض الأسر في الخليج العربي من عدم القدرة على السيطرة على تزايد الإنفاق الاستهلاكي، الأمر الذي تحول تدريجيًا إلى ظاهرة، لا سيما في ظل الآثار السلبية المجتمعية والمالية الناتجة عن هذه الظاهرة.
وكشفت مؤشرات رسمية صادرة عن دول مجلس التعاون الخليجي عن الارتفاع السنوي القياسي لمعدلات الاستهلاك لدى الأسر الخليجية.
وأظهرت إحصائيات رسمية زيادة حجم الإنفاق السنوي للأسر خاصة مع استحواذ القروض الترفيهية والاستهلاكية على نسبة كبيرة من حجم مديونية الأفراد في دول الخليج.
استهلاك مفرط
وينتقد متابعون خليجيون تنامي ظاهرة التسوق الاستهلاكي المفرط، ومن مؤشراتها أنه في عام 2021، بلغ الإنفاق على الأطعمة المستوردة إلى دول الخليج مليار دولار، بينما بلغ حجم القروض الاستهلاكية في دول الخليج أكثر من 394 مليار دولار في السنوات الأخيرة.
ووفقًا للجمعية المدنية لحماية المستهلك الكويتية، فإن الأسر الخليجية تتبنى سلوكًا استهلاكيًا باذخًا تتحول فيه الكماليات إلى حاجات ضرورية وهو ما حول الإنفاق الاستهلاكي الطبيعي إلى مشكلة تهدد التوازنات المالية للأسر.
وتوجه انتقادات لبعض جمعيات حماية المستهلك في الدول الخليجية بسبب عدم قيامها بدورها في توعية المستهلك للاقتراض من أجل الاستهلاك.
وتشير دراسات بحثية خليجية إلى تأثر المواطنين والمقيمين في دول الخليج بالإعلانات والعروض الترويجية الاستهلاكية، في وقت بلغت فيه حجم الإعلانات في دول الخليج أكثر من مليارين ونصف مليون دولار، أي بنسبة 57% من إجمالي حجم سوق الإعلانات في العالم العربي.
ولمجابهة معدلات الإنفاق العامة يدعو خبراء اقتصاديون إلى تكثيف الوعي بضرورة ترشيد الاستهلاك لتقليص فاتورة الإنفاق الاستهلاكي في دول الخليج، وكذلك هناك من يدعو لترسيخ مضامين الادخار والتخطيط المالي وإدارة الميزانية بما يتلاءم مع المداخيل السنوية للمواطن الخليجي.
التربية الاقتصادية للأسر
وفي هذا الإطار، قالت شريفة العمادي المدير التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي للأسرة، إنه بعد دخول الموارد المالية على دول الخليج من عائدات النفط كانت هناك مشكلة بين الأجيال التي تعودت على الحفاظ على الموارد والجيل الجديد الذي رأى كل شيء أمامه متاحا مما أدى لتعود هذا الجيل الجديد على الإسراف.
وأضافت العمادي في حديث لـ "العربي"، بأنه راهنًا هناك مظاهر للبذخ بين الأبناء في دول الخليج، وأصبحت عادة من عاداته، وبالتالي باتت تؤثر على المجتمع اقتصاديًا.
وأشارت إلى أن الأسباب الاقتصادية تؤثر على الحياة الأسرية عبر التقليد والاستهلاك الكثيف والتعود على الصرف، مع عدم الانتباه إلى معدلات الصرف.
وبيّنت أن هناك دراسة لمعهد الدوحة الدولي للأسرة، توضح أن الجانب الاستهلاكي زاد مثلًا خلال جائحة كورونا كون الطعام يأتي عن طريق الشراء الإلكتروني.
ومضت تقول: "ينبغي على الأسر الخليجية أن تعلم الأبناء ثقافة الصرف، وتعليم الطفل أنه يمكنه الادخار عبر المبلغ الذي يتحصل عليه من ذويه، وكذلك تربية الطفل من الناحية الاقتصادية عبر إشراك الطفل منذ الصغر في تدبير مدخول الأسرة والتوعية على الأهداف المستقبلية التي يجب تحديدها".
وزادت العمادي بالقول: "نتحدث عن إعطاء الطفل المال وتحديد مستوى الشراء وعدم الشراء لأشياء أكبر من المدخول المالي الذي يملكه أو يمنح له من قبل والديه، وهو بالنهاية عبارة عن حوار وتنبيه الطفل لعدم الإسراف، وتعليم الطفل لثقافة الشراء. الأهم هو التربية والثقافة".
وختمت بالقول "إن مؤسسات المجتمع المدني يجب أن تقوم بالتوعية بالحفاظ على الجانب الاقتصادي الأسري، وعدم استهلاك بعض السلع بشكل سلبي مثل المياه، والتنبيه إلى أن هناك استهلاكا أكثر من تصنيع المواد المستهلكة".
توعية مجتمعية
بدوره، أكد مشعل المانع، رئيس جمعية حماية المستهلك الكويتية، بأنه في المواسم يوجد هناك تحايل على العروض والخصومات وكيفية استقطاب المستهلك واستنزاف أمواله ودفعه للشراء العشوائي.
وأضاف المانع في حديث لـ "العربي"، أن المطلوب هو التوعية داخل مجتمعات دول الخليج، من خلال التنبيه إلى عدم شراء الأشياء غير الضرورية على كافة الأصعدة كونها تذهب من مدخرات الشخص نفسه وكأنه يسرق نفسه عندما يشتري شيئا لا يحتاجه.
وأشار إلى أنه لا توجد حملات توعوية في هذا الجانب على المستويات الحكومية، لكن بالمقابل هناك سعي لتخفيض هوامش الربح العالية من قبل البائعين والتي يتم من خلالها استنزاف جيوب المستهلكين.
وخلص إلى أن "هناك سلعا لا توجد عليها مراقبة من قبل وزارة الشؤون مثل الخضروات والفواكه والمكسرات والبهارات والعطور والألعاب وهي جميعها تستنزف جيوب المستهلكين".