ثلاثون عامًا من القمم المناخية: أين أوصلتنا؟
تستضيف مصر قمة المناخ "كوب 27" في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في شرم الشيخ، حيث من المتوقّع أن يحث المجتمعون حكومات العالم على الوفاء بالوعود التي تعهّدت بها في القمم السابقة للوصول إلى هدف حل لأزمة تغيّر المناخ التي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم.
ومرّ 30 عامًا على مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، عندما تمّ إنشاء نظام عالمي من شأنه أن يجمع البلدان معًا على أساس منتظم لمحاولة حل أزمة المناخ.
و"كرّت مسبحة" القمم المناخية، ورصدت صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أين أوصلتنا هذه القمم منذ عام 1992؟
"كوب 1" في برلين عام 1995
بعد ثلاث سنوات من قمة ريو انعقد المؤتمر الأول للدول في برلين، خاصة بعد أن أصبح من الواضح أن البلدان بحاجة إلى طريقة لتنفيذ أهداف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، لتجنّب التدخل البشري الخطير في نظام المناخ، من خلال الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
"كوب 3" في كيوتو عام 1997
لأول مرة، حدّدت الدول في قمة كيوتو هدفًا للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وينص على خفضها بنحو 5% حتى عام 2012 مقارنة بمستويات عام 1990، مع اتخاذ جميع البلدان المتقدّمة أهدافًا وطنية بينما يُسمح للبلدان النامية بالاستمرار بزيادة انبعاثاتها.
لكن الكونغرس الأميركي لم يصدق على "بروتوكول كيوتو"، وبالتالي لم يدخل حيز التنفيذ. واستمرّت البلدان في مساعيها للوصل إلى الهدف المنشود، لكن لم يكن هناك طريقة للالتفاف على المأزق السياسي المركزي.
"كوب 10" في بيونس أيرس عام 2004
في قمة بيونس أيرس، أنقذت روسيا "بروتوكول كيوتو"، حيث أرادت الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وعرضت التصديق على البروتوكول في المقابل.
أدخل قرار روسيا البروتوكول حيّز التنفيذ القانوني. لكن مع استمرار الولايات المتحدة في رفضها للبروتوكول، كان تأثيره محدودًا. ورغم أن معظم البلدان وفت بالشروط الضيقة لالتزاماتها بموجب بروتوكول كيوتو، إلا أنه لم يكن له تأثير يذكر على الانبعاثات العالمية، حيث واصلت الصين والولايات المتحدة زيادة إنتاجهما من الكربون طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع تجاوز الصين الولايات المتحدة باعتبارها أكبر مصدر للانبعاثات.
"كوب 13" في بالي عام 2006
مع سريان العمل بـ"بروتوكول كيوتو" دون تأثير، أدركت الأمم المتحدة أنه يتعيّن عليها إيجاد طريق جديد للمضي قدمًا. فاقترح إيفو دي بوير، الذي تمّ تعيينه بصفة سكرتير تنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 2006، خارطة طريق من شأنها أن تكون بديلًا لبروتوكول كيوتو، يشمل جميع البلدان.
واستمر الاجتماع المتشائم والمتوتر لفترة طويلة بعد الموعد النهائي الذي حُدد لانتهاء المحادثات، حيث رفض الوفد الأميركي، الذي كان على تواصل مستمر مع البيت الأبيض في عهد جورج دبليو بوش، الموافقة على أي شيء.
ومع تزايد استياء مندوبي البلدان النامية، قال كيفين كونراد من بابوا غينيا الجديدة للوفد الأميركي: "نطلب قيادتك، ونسعى إلى قيادتك، ولكن إذا لم تكن على استعداد للقيادة، ابتعد عن الطريق رجاء".
وفي النهاية، وافقت الولايات المتحدة على التوقيع على "خارطة طريق بالي" بهدف التوصل إلى اتفاق بحلول عام 2009.
"كوب 15" في كوبنهاغن عام 2009
كانت الآمال معقودة في كوبنهاغن على إمكانية توقيع جميع البلدان المتقدّمة والنامية على اتفاقية بديلة عن "بروتوكول كيوتو". ولكن مع اقتراب موعد المؤتمر، أصبح من الواضح أن معاهدة جديدة كاملة لن تحدث، وحاول المسؤولون إضعاف التوقّعات في الأشهر السابقة من خلال توضيح أن كوبنهاغن لن تنتج سوى "إعلان سياسي"، ثبت أنه حتى هذا الإعلان من الصعب تحقيقه.
فقد الدنماركيون السيطرة على الإجراءات المعقدة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وكانت الصين مترددة في التوقيع على أي صفقة توحي بأنها ستخفّض انبعاثاتها. واستقبلت مشاهد الفوضى زعماء العالم الذين حضروا في اليوم الأخير من المؤتمر.
في النهاية، نجح الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما في إقناع القادة الآخرين، بما في ذلك الصين، على التوقيع على اتفاقية "كوبنهاغن" التي تقرّ بأهمية الحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من أجل الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 2 درجة مئوية في عام 2020.
ورغم أنها المرة الأولى التي تتفق فيها البلدان المتقدمة والنامية مجتمعة على اتخاذ إجراءات للحد من غازات الاحتباس الحراري، إلا أنه جرى تجاهل الاتفاقية إلى حد كبير في كل دول العالم.
"كوب 16" في كانكون عام 2010
في كانكون، تم أخيرًا تمرير "اتفاقية كوبنهاغن"، من خلال سلسلة من القرارات بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وأضفت "اتفاقيات كانكون" الطابع الرسمي على الأهداف الوطنية لجميع البلدان حتى عام 2020.
"كوب 17" في دوربان عام 2011
كشف الفشل في كتابة بروتوكول جديد أو معاهدة ملزمة قانونًا في كوبنهاغن عن هشاشة عملية الأمم المتحدة. وكان لدى مفوض الاتحاد الأوروبي للمناخ آنذاك كوني هيديغارد، خطة لجعل الدول توافق على خارطة طريق لمعاهدة جديدة- وهي الخطة التي أدت في النهاية إلى اتفاقية باريس.
واجه الاتحاد الأوروبي معارضة من الصين والهند، واستمرت المحادثات لفترة طويلة بعد الموعد النهائي المحدد لها. لكن الاتحاد الأوروبي لم يستسلم، وبدلًا من ذلك، جمع تحالفًا من الدول المتقدمة والنامية. وبالتالي، تراجعت الصين والهند، وبدأ العالم في السير على الطريق إلى قمة باريس.
"كوب 21" في باريس عام 2015
كان الفرنسيون مصمّمين على تجنّب أخطاء كوبنهاغن، وأمضوا العام السابق للمؤتمر في العمل الدبلوماسي بلا توقف. سافر قادة العالم في البداية، لإرشاد فرقهم بشأن التوصل إلى اتفاق، وتم التحايل على بعض القضايا الشائكة، وتمّ التأكيد مجددًا على الوعد الذي قُدّم في كوبنهاغن بمنح مبلغ 100 مليار دولار للدول الفقيرة، وتمّ وضع الأهداف الوطنية لخفض الانبعاثات في ملحق ملزم للمعاهدة، وحلّ مسألة تحديد درجة حرارة 1.5 درجة مئوية أو 2 درجة مئوية من خلال تضمين كليهما.
وكانت "اتفاقية باريس" أو اتفاقية المناخ الاتفاقية الأولى التي تضع فيها البلدان حدًا عالميًا لدرجات الحرارة، والتي تعهّدت جميع البلدان بالوفاء بها.
"كوب 26" في غلاسكو 2021
لم تكن الالتزامات الوطنية المعروفة باسم المساهمات الوطنية، التي قدّمتها البلدان إلى اتفاقية باريس، كافية لإبقاء العالم عند درجتين مئويتين، لذلك كانت أهداف قمة غلاسكو الأكثر صرامة ضرورية.
ولم يتمكن المشاركون من التوافق على تقديم ضمانات بتقليل معدل الانبعاثات، بحيث تعهّدوا بابقاء معدلات ظاهرة الاحتباس الحراري عند مستوى 1.5 درجة مئوية. كما اتفقوا على "تقليل الاعتماد" على الفحم بدلًا من "منع استخدامه"، وسط امتعاض من جانب قادة بعض الدول المشاركة.
كانت "اتفاقية غلاسكو" هشّة، لكنها مثّلت تقدمًا كبيرًا حيث وافقت البلدان على العودة في عام 2022، وكل عام، بخطط وطنية أكثر صرامة بشأن خفض الانبعاثات.
"كوب 27" في مصر ديسمبر 2022
لم يكد حبر "اتفاقية غلاسكو" يجفّ، حتى بدأ العالم يتغيّر بطرق كارثية في معالجة أزمة المناخ. ويعني ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء الحالية أن الحكومات تواجه أزمة في تكاليف المعيشة وأمن الطاقة، بينما يهدد بعضها بالعودة إلى الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم.
ومع ذلك، فإن الحرب الروسية على أوكرانيا تعزّز الحجة حول أهمية الطاقة المتجددة، مقارنة بأسعار الوقود الأحفوري المرتفعة. كما جعلت الحرب الطاقة والمناخ من أهم قضايا الأمن القومي، والتي ينبغي أن تجذب انتباه الحكومة.
وتفرض هذه التحوّلات الجيوسياسية على مصر، الدولة المضيفة لقمة "كوب 27" وحليفة روسيا التي تعتمد عليها في الحبوب والوقود والسياحة، مهمة صعبة دبلوماسيًا.