"جحيم الشجاعية".. قصة حي في غزة لقن الاحتلال ضربات موجعة
يحكي عقيد إسرائيلي، وهو قائد في لواء غولاني، أنه حتى اللحظة يستعيد مشاهد الكابوس الذي رآه في حي الشجاعية في مدينة غزة، حين قاد فرقته لاقتحام الحي في تلك "الليلة السوداء"، كما يسميها هو نفسه، فحتى الصمت الشديد الآن يحسبه أصوات صراخ واشتباكات.
في هذا التوصيف لا يستعيد هذا العقيد الإسرائيلي الذي يدعى "إيريز كاباتس" ما يمر به لواء غولاني هذه الأيام، ولا ما يلاقيه الجنود الإسرائيليين يوميًا، وآخره الكمين المحكم الذي أدى لمقتل 10 ضبّاط وجنود، كما قالت كتائب القسام.
ليلة من الجحيم
كما تحدث عن معركة أخرى، وهي معركة "العصف المأكول" عام 2014، حين اعترف جيش الاحتلال فيما بعد بمقتل ستة عشر جنديًا وضابطًا، وتمكنت المقاومة حينها من أسر شاؤول آرون.
ويستمر العقيد في وصف ما مر به من جحيم، أمام بأس المقاومة الفلسطينية: "لا أنام جيدًا في الليل، أنا ببساطة أرى المعركة أمام عيني، وعيناي مفتوحتان، حتى دون أن أغمضهما، أستطيع سماع الصواريخ، والصواريخ المضادة للدبابات، ونيران المدافع الرشاشة، أسمعها طوال الوقت".
جحيم تلك الليلة، جرى توثيقه في فيلم وثائقي إسرائيلي يحمل اسم "جحيم الشجاعية"، وفيه يروي من عاشوه بعض ما رأوه عام 2014.
ولأن التاريخ يعيد نفسه مرتين، كما يقال في المثل، فقد وقف وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت على حدود غزة، وقال تصريحه الشهير: "مقاتلو غولاني يعودون إلى هنا لإغلاق الدائرة، ولن يغادروا قبل تدمير البنية التحتية الإرهابية"، حسب قوله.
ويضيف غالانت أن "الجيش بدأ التحرك في جنوب غزة، وإن مصير مقاتلي حماس هنا سيكون مثل مصيرهم في الشمال"، وفق وصفه.
و"إغلاق الدائرة" التي كان يقصدها، الانتقام لما حصل عام 2014 في حي الشجاعية. لكن لم يدر في خلده أن الشجاعية ستفاجئه من حيث لم يحتسب أو يتوقع أن يحصل في كمين المقاومة في المكان عينه، وتوقع في صفوف جيشه حصيلة ثقيلة.
تاريخ حي الشجاعية
وحي الشجاعية، يؤكد مرة أخرى أنه المعادلة التي لم يتمكن الاحتلال الإسرائيلي من حلها، رغم المجازر التي ارتكبها هناك في حق المدنيين، وفي كل مرة يتلقى ردًا موجعًا من المقاومة، يرسل كثيرًا من جنوده في توابيت ومنهم إلى المصحات العقلية، كما أظهر فيلم "جحيم الشجاعية".
وحي الشجاعية الذي جرى تدميره بسبب القصف الإسرائيلي، هو أكبر أحياء مدينة غزة، ويقع إلى الشرق مباشرة من مدينة غزة، وينقسم إلى قسمين الشجاعية الجنوبية (التركمان) والشجاعية الشمالية (الجديدة)، ويقال إنه بني في عهد الأيوبيين وتنسب تسميته إلى شجاع الدين عثمان الكردي الذي استشهد في إحدى المعارك التي دارت رحاها بين الأيوبيين والصليبيين.
ويتميز الحي بـ"تل المنطار"، أعلى مكان في غزة، ويمكن رؤية أماكن كثيرة في غزة من أعلاه، وفيه عسكر الجنود على مر التاريخ بدءًا من جنود نابليون.
ومن هذا الحي خرجت أهم الأسماء في تاريخ المقاومة الفلسطينية أيضًا، بدءًا من القائد العسكري في كتائب القسام وأحد مؤسسيها أحمد الجعبري، الذي ولد في الحي عام 1960، وكان لمدة طويلة المطلوب الأول لإسرائيل، ويعرف بأنه المسؤول عن أسر الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط، ومهندس صفقة "وفاء الأحرار".
ومن الحي نفسه، خرج نضال فرحات، القائد الميداني في كتائب القسام، ويعرف بأنه مهندس صواريخ المقاومة، وصاحب فكرة تصنيع الطائرات المسيّرة، ولقب برجل "الطائرة والصاروخ".
ومن أحرق المقاومون دبابة لعينيه هو ابن آخر للشجاعية، وهو شقيق نضال فرحات، ويدعى وسام فرحات، وكلاهما ابن مريم فرحات المشهورة بلقب "خنساء فلسطين"، مريم محيسن، أم نضال. وكان أبو حسين قائدًا لكتيبة الشجاعية منذ 2010.
ومن أبناء الحي أيضًا، بهاء أبو العطا أحد قادة سرايا القدس الذي اغتالته إسرائيل في غارة بطائرات حربية استهدفت منزله في الحي نفسه- حي الشجاعية- الذي ما زال يعطي الدروس في الصمود.