حملوا دلاءً وهبّوا لإخماد الحريق الذي اندلع في المسجد الأقصى المبارك. دخلوا إلى أروقته يخمدون ألسنة اللهب، التي أُضرمت وامتدت، وجاءت على محتويات كثيرة.
ذاك مشهد لم ينسه من عايشوا إحراق أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين على يد مستوطن أسترالي الأصل اسمه مايكل دينس روهان عام 1969، وتستعيده أجيال من الفلسطينيين يشدّون الرحال إلى المسجد ويرابطون فيه لحمايته من حرائق التهويد المستمرة.
إحراق المسجد الأقصى
أقدم متطرف صهيوني على إحراق المسجد الأقصى صباح الحادي والعشرين من أغسطس/ آب 1969، وكان يوم خميس.
شهود عيان على النيران المشتعلة في أروقة المسجد وعلى جهود المقدسيين لإطفائها ما زالوا أحياء يرزقون، ومثلهم تشكل الصور والمقاطع المصوّرة على قِدمها، أدلة على انتهاكات الاحتلال المستمرة بحق الأقصى.
في ذلك اليوم أضرم المستوطن النيران في المصلى القبلي، فقضت على ثلثه بالإضافة إلى المنبر ومحراب زكريا وثلاثة أروقة وأكثر من 45 نافذة.
وبينما عرقلت دولة الاحتلال دخول سيارات الإطفاء وقطعت المياه عن محيط المسجد الأقصى، نجح الفلسطينيون في إخماد الحريق. لكن النيران خلّفت أضرارًا جسيمة في محتويات المسجد التاريخية.
أحد هذه المحتويات منبر صلاح الدين، الذي يُعد تحفة إسلامية عريقة أُحضر إلى القدس بعد تحريرها عام 1187 ميلادي.
ولم يتبق من هذا المنبر سوى قطع معدودة، يحتفظ بها المتحف الإسلامي داخل المسجد الأقصى المبارك.
دولة الاحتلال متواطئة في الجريمة
لم يقف دور إسرائيل التي كانت قد احتلت مدينة القدس عام 1967، عند حدود عرقلة جهود الإطفاء في أعقاب إحراق المسجد الأقصى. فالشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى حاليًا، يؤكد أن سلطات الاحتلال متواطئة مع منفذ الجريمة.
كان الشيخ صبري عام 1969 شابًا يعمل مدرسًا في ثانوية الأقصى الشرعية، وشارك في إخماد الحريق.
50 عامًا على حريق المسجد الأقصى لكن دخان اللهب لا يزال يغيم على القدس.. ماذا تعرفون عن هذه الحادثة؟@AnaAlarabytv pic.twitter.com/URXTknh0p6
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 21, 2019
وكشف في إطلالة سابقة عبر "العربي" أنه كان يسكن في حي وادي الجوز، في بيت يطل على المسجد الأقصى، وأنه كما المقدسيين شاهدوا لهيب الحريق فهرعوا لإطفائه رجالًا ونساءً وأطفالًا.
وأفاد بأن النيران نتجت عن مواد سريعة الاشتعال، لا يملكها الإنسان العادي ولا تتوافر في الأسواق، بل تكون في حوزة جيوش ودول، مشددًا على أن ذاك مؤشر على أن سلطات الاحتلال هي التي خططت للجريمة.
بدوره، ألقى الاحتلال الإسرائيلي القبض على المستوطن مايكل دينس روهان، وادعى أنه مجنون قبل أن يرحّله إلى أستراليا.
اعتداءات متكررة على الأقصى
عقب إحراق المسجد الأقصى المبارك توالت اعتداءات الاحتلال وجرائمه بحقه، كما كل الفلسطينيين وجميع مقدساتهم.
فعام 1981، تم اكتشاف نفق حفره الاحتلال تحت المسجد. وهذا الاكتشاف كان باكورة ما سيتم العثور عليه من أعمال حفر، ما زالت مستمرة في المسجد بحجة "اكتشاف آثار الهيكل" المزعوم، وتسبّب تساقط الحجارة من أعمدة المسجد الأقصى القديم.
وعام 2000، اقتحم رئيس المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرئيل شارون المسجد برفقة ألفي جندي، فتصدى له المصلون، وانطلقت عقب هذا الاستفزاز الانتفاضة الثانية التي عمّت المناطق الفلسطينية.
إلى ذلك، تتكرر اقتحامات الاحتلال للمسجد الأقصى، الذي يفرض قيودًا على وصول المصلين إليه ويمنع آخرين من أداء العبادات.
وكذلك يستهدف المرابطين وحراس الأقصى بالاعتداء والاعتقال، ويطلق النيران عليهم داخل المسجد فيرتقي منهم شهداء ويُصاب آخرون.
بالموازاة، تؤمن القوات الإسرائيلية اقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى المبارك يوميًا باستثناء الجمعة والسبت، في فترتين صباحية ومسائية، في محاولة من جانب الاحتلال لفرض تقسيم الأقصى زمانيًا.
وقد كُشف أخيرًا مخطط احتلالي لتوسيع باب المغاربة، في الجدار الغربي للمسجد الأقصى، لتمكين المستوطنين من اقتحامه بأعداد أكبر.