الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

ضم وتهجير وتطهير عرقي.. هكذا يشرعن "سارقو الديار" الاستيلاء على القدس

أخبار فلسطين
ضم وتهجير وتطهير عرقي.. هكذا يشرعن "سارقو الديار" الاستيلاء على القدس
الثلاثاء 21 يونيو 2022

شارك القصة

يكشف وثائقي "سارقو الديار" ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الهادفة إلى السيطرة على القدس
يكشف وثائقي "سارقو الديار" ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الهادفة إلى السيطرة على القدس

القدس، بؤرة الصراع، وأحد أهم عناوين معركة البقاء الفلسطيني. هي خط التماس الأول مع الاستيطان. فمنذ أكثر من سبعين عامًا، غُرست بذور الاستيلاء على القدس، عندما قرّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تدويل المدينة ضمن قرار التقسيم الصادر في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، ويقضي بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية.

خلال حرب 1948، كان الاستيلاء على القدس هدفًا لكل التشكيلات الصهيونية العسكرية، وكان تجاوز حدود التقسيم نحو القدس من بين أبرز المهام. وسقطت القدس الغربية، بينما بقيت القدس الشرقية عربية بسبب المعارك التي خاضها الجيش الأردني وتشكيلات الجهاد المقدس الفلسطينية.

لكن العين الصهيونية كانت صوب القدس على الدوام. عام 1967، تحقّق الحلم الصهيوني، ولم تتمكن القدس من الصمود. ولم يكن احتلال المدينة كافيًا للإسرائيليين، واتخذت المعركة شكلًا استيطانيًا كريهًا، في محاولة لسلب الهوية وتغيير ملامح المدينة؛ فقصة الاستيطان في القدس هي مقدمة كتاب الاستيلاء على فلسطين.

يستقصي وثائقي التلفزيون العربي "سارقو الديار" تفاصيل محاولات الاحتلال الإسرائيلي وأدواته في السيطرة على المدينة، مسلطًا الضوء على كيفية استغلاله للقوانين وللقضاء في سبيل تحقيق غاياته. 

الضم والتهجير والتطهير العرقي

بعد شهرين من حرب 1967، تمّ إصدار قانون ضمّ القدس وتحوّل المقدسيين إلى أجانب في أرضهم. وبات الهدف وصول العرب إلى أقل من 20% من سكان المدينة في عملية تطهير عرقي مكتملة الأركان.

ويوضح علاء محاجنة، المحامي الفلسطيني والخبير في القانون الدولي، في حديث إلى "العربي"، أن إسرائيل قامت، عام 1948، بالسيطرة على أغلب مناطق القدس الغربية بالقوة، سواء من خلال الحرب أو من خلال تهجير السكان إلى مناطق القدس الشرقية أو الضفة الغربية، أو الدول العربية المجاورة.

ويضيف أنه بعد ذلك، ومن أجل إحكام السيطرة القانونية على هذه المباني والأراضي الشاسعة التي جرت السيطرة عليها عام 1948، قامت اسرائيل بسن عدة قوانين، على غرار قانون أملاك الغائبين، استطاعت من خلالها "شرعنة" عمليات الاستيلاء بالقوة.  

ويؤكد أن إسرائيل استمرّت في هذه الخطوات "القانونية" إلى ما لا نهاية، من أجل تعزيز مصلحة الاستيطان اليهودي على حساب الوجود المقدسي الفلسطيني.

بدوره، يشرح مازن الجعبري، الخبير في شؤون الاحتلال، في حديث إلى "العربي"، أنه عندما احتلت إسرائيل الجزء الغربي من القدس عام 1948، قامت بعملية تطهير عرقي، حيث دمّرت أكثر من 30 قرية فلسطينية في القدس الغربية، وقامت بترحيل وطرد 60 ألف فلسطيني إلى الجزء الشرقي من المدينة، بعضهم بقي في القدس الشرقية، وبعضهم الآخر لجأ إلى الضفة الغربية أو توجّه إلى الأردن.

من جهته، يؤكد خليل التفكجي، مدير جمعية الدراسات العربية في القدس، في حديث إلى "العربي" أن البرنامج الإسرائيلي بعد عام 1967، كان واضحًا لجهة تدمير القرى الفلسطينية وتهجير سكانها. ففي 10 يونيو/ حزيران 1967، جرى تدمير حارة المغاربة، وشرع الاحتلال في البناء الاستيطاني بشكل مباشر ليربط القدس الغربية بالشرقية. وفي تلك المرحلة، بدأت اسرائيل منهجًا استباقيًا للأحداث.

الشيخ جراح والدفاع عن القدس ضد التهويد

يعتبر حي الشيخ جرّاح أحد خطوط الدفاع عن مدينة القدس من التهويد. وكانت عائلة الكرد الضحية التي غدت واحدة من أيقونات الحي. فبعد أن سمح الاحتلال باستيلاء المستوطنين على جزء من بيتهم، أُجبرت العائلة على تقاسم المنزل، حتى غدا المستوطنون يستخدمون المدخل نفسه الذي تستخدمه العائلة.

في مايو/ ايار 2021، وتزامنًا مع ذكرى النكبة، حظيت قصة التهجير القسري لعائلة الكرد باهتمام عالمي كبير بعدما انتشر فيديو لمنى الكرد وهي تواجه مستوطنًا من الذين استولوا على بيت عائلتها. وأصبح الشارع الذي تعيش فيه العائلات الفلسطينية رمزًا للتضامن ومواجهة الاستيطان والاستيلاء على المنازل.

يعتبر حي الشيخ جرّاح أحد خطوط الدفاع عن مدينة القدس من التهويد (وثائقي "سارقو الديار" - العربي)
يعتبر حي الشيخ جرّاح أحد خطوط الدفاع عن مدينة القدس من التهويد (وثائقي "سارقو الديار" - العربي)

ويقول نبيل الكرد، من سكان حي الشيخ جرّاح، في حديث إلى "العربي": دخل المستوطنون إلى منزلنا وبدأت المناوشات معهم، وعند إحضار أمر المحكمة، تبين أنه عبارة عن سطرين يفيد فيه القاضي ببقاء المفتاح في المحكمة، بينما سكرتيرة المحكمة أفادت أنه لا مانع من إعطاء المستوطنين المفتاح. إلا أن الأمر لم يُعجب القاضي، فأمر بإعادة الأثاث الذي رموه في الخارج، وأغلق المنزل ووضع حراسًا أمامه.

ويضيف أنه عام 2001، توجّه القاضي شخصيًا، فجأة، وأغلق منزلنا، في خطوة تحصل لأول مرة في العالم، وبقي مفتاح المنزل في المحكمة لحوالي تسع سنوات، ودفعنا غرامات بقيمة 97500 شيكل، مع وجود أمرين بالهدم. لكن المفاجأة أنه في ديسمبر/ كانون الأول 2011، فُتح المنزل للمستوطنين بناء على أمر المحكمة الإسرائيلية.

ويوضح الجعبري أن "الاستيلاء على الأرض هدفه الاستيلاء على الحيّز الفلسطيني، بداية من المنزل والأرض، فالثقافة، فالتاريخ، وفرض الرؤية الاستيطانية في صراع الإسرائيليين على إثبات هويتهم وتاريخهم في هذه المدينة".

من جهته، يؤكد التفكجي أن ما يحدث في الشيخ جرّاح هو "عملية سياسة أمنية، بمعنى تطويق الحي بالمستعمرات الإسرائيلية، فعملية الاختراق بإقامة بؤر استيطانية داخل الأحياء الفلسطينية، فعملية التشتيت وتحويل الحي إلى بيوت داخل أحياء يهودية".

وقصة منزل الكرد هي قصة الشارع. فعلى مقربة من منزل الكرد، كانت تقطن عائلة الغاوي، وتمّ الاستيلاء على منزلهم و3 عائلات أخرى، وسلّم إلى مستوطنين متطرفين.

الاستيلاء على منازل الشيخ جراح هي خطة إسرائيلية ممنهجة تتشارك فيها الحكومة والقضاء، واليمين المتطرّف.

وتوضح أم محمد الغاوي، صاحبة بيت صادره الاحتلال الاسرائيلي في حي الشيخ جراح، في حديث إلى "العربي"، أن الأمر بدأ في المحاكم الاسرائيلية، مع صدور أوامر إخلاء متتالية، ورفضنا المتكرّر للإخلاء، إلى أن دخل الجنود الاسرائيليون، قبل انتهاء المدة الممنوحة لنا للإخلاء، منزلنا بالقوة وطردونا إلى الشارع.

وتضيف أنهم "شرّدونا من منزلنا، وفرّقونا وأصبح كل واحد منا في بلد. الجرح الكبير الذي أعانيه لا يمكن أن يشعر به أحد. كل يوم أتوجه إلى المنزل وأراقب أولاد المستوطنين وهم يلعبون في ديارنا، بينما أولادنا مسجونين في منزلنا الذي استأجرناه بعد طردنا من منزلنا".

تغيير ديموغرافي لإحكام السيطرة على القدس

بدوره، يشرح محاجنة أن الاستعمار الاستيطاني لا يأبه إلا بتحويل هذه العقارات من المقدسيين إلى اليهود، وبالتالي إحكام السيطرة على القدس الشرقية.

يقع حي الشيخ جراح، شمالي المسجد الأقصى. وتغيير ديموغرافيته يعني تغيير وجه المدينة، إذ ينهش الاحتلال بيوت المقدسيين، بقوانين اختلقها على مقاسه. وأحد هذه القوانين هو قانون حرّاس أملاك الغائبين.

عام 1970، طالبت إسرائيل لنفسها بجميع الأراضي التي كانت مملوكة للسكان اليهود قبل عام 1948، بينما لم يسمح للاجئين الفلسطينيين بالمطالبة بفقدان ممتلكاتهم وقت النكبة، والتي ظلت مصادرة تحت قانون أملاك الغائبين الذي يكرّس لنظام فصل عنصري ضد الفلسطينيين.

وتقول أم محمد الغاوي إنه "إذا استولى المستوطنون على حي الشيخ جرّاح، ذهبت القدس كاملة".

ويشرح الجعبري أن في منطقة الشيخ جراح يتركز ما يسمّى بالمشاريع التوراتية والحدائق القومية التي يعملون عليها من خلال الاستيطان والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية, وقضية الشيخ جراح مرتبطة بالرواية التي تفيد بأن هذه المنطقة جزء من الحوض المقدس الذي كان يسكنه اليهود. ومن خلال هذه الرواية يسعون إلى طرد الفلسطينيين منها.

قوانين إسرائيلية عنصرية

قائمة من القوانين العنصرية والمعارك القضائية كانت نتائجها شبه محسومة في معظم الأحيان، لأن المشرّع والقاضي والجلّاد في صف واحد، والضحية هم المقدسيون أصحاب الأرض.

ويوضح محاجنة أن "قانون استمرار الاستيطان له دور محوري في عملية تشجيع ودعم الاستيطان وشرعنته. ما يؤكد أنّ علاقة الاستعمار الاستيطاني والقانون هي علاقة عضوية بنيوية، أي أن الاستعمار الاستيطاني ينتج قانونًا ومؤسسات قانونية تعيد بدورها انتاج الاستعمار الاستيطاني".

وتقول أم محمد الغاوي إن "المحكمة والشرطة والعالم يصطف إلى جانب المستوطنين، لكننا نحن العرب لا ينصرنا إلا الله، حتى الدول الإسلامية لا تنظر إلى قضيتنا كما يجب".

ويشرح التفكجي أن الحكومة الاسرائيلية هي التي تشرف على قرارات هذه المحاكم، بدليل تجميد قرار إخلاء الشيخ جراح لا إلغائه. وهذه القرارات، بالنسبة للإسرائيليين، تؤكد أن الأرض هي أهم شيء، القدس هي أهم شيء. وأي خلاف بين العربي واليهودي، يكون الحكم لصالح اليهودي وخدمة للهدف الأسمى لهم ألا وهو القدس".

بدوره، يقول محاجنة إن إسرائيل تريد أن يقوم المستوطنون اليهود باسترداد جميع العقارات التي كانت تعود إليهم قبل عام 1948، وهي سنّت قانون أملاك اللاجئين عام 1951، والذي يمنع الفلسطيني من استرداد أرضه وممتلكاته لمجرد كونه فلسطينيًا. وبالتالي هناك تمييز صارخ، ويكشف الأهداف الرئيسة من تشريع هذه القوانين.

في القدس، أكثر من 44 ألف منزل باتت غير شرعية في منظور المحتل، وفي وقت يكاد الحصول فيه على تصريح بناء أمرًا مستحيلًا، تشيّد المستوطنات في كل مكان في أرجاء القدس، وتتعزز البنية التحتية للمستوطنين موفّرة لهم سبل الحياة المرفّهة، كل ذلك على حساب المقدسي وحقه في السكن.

ويوضح محاجنة أن عملية الاستيلاء على البيوت تجري تحت غطاء القانون، أي أن اسرائيل استولت بالقوة على الأراضي عام 1948، واستكملت السيطرة الفعلية عام 1967، ومنذ ذلك الحين، تسعى إلى شرعنة الاستيلاء بالقوة عن طريق فرض قوانينها التي تميز ضد الوجود المقدسي عن الوجود الفلسطيني في المدينة.

سلوان الدرع الحامي للأقصى

يشرح اسماعيل أبو سنينة، من سكان حي سلوان، في حديث إلى "العربي"، مجريات محاكمته في المحكمة الإسرائيلية، ويقول: "قلت للمدعي العام: أنت عنصري، تمنح اليهودي رخصة بناء، بينما تمنع العربي منذ ذلك. فكان جوابه: هذه الأرض لنا".

بدوره، يؤكد حاتم أبو ريالة، صاحب بيت مهدم في القدس، في حديث إلى "العربي"، أنه دخل المحكمة وهو يعرف سلفًا أن الحكم سيكون ضده، وأن القاضي قد أصدر الحكم قبل النطق به، في محكمة صورية تزيد المصاريف على الفلسطيني.

وتعتبر سلوان، الدرع الحامي والخاصرة الجنوبية للمسجد الأقصى، والأكثر قربًا من البلدة القديمة، ذات الكثافة السكانية العربية، هي الآن محط استهداف مباشر، سلبًا للأراضي، وهدمًا للبيوت، وإفراغًا من السكان.

ويقول الجعبري إن هناك عملية غسل أدمغة يقودها الإسرائيليون تتمحور حول وجود تاريخ وحضارة لهم في سلوان، إلا أن الوجود العربي هو الذي يمنع هذا الأمر، على الرغم من الهجمة الشرسة التي تحصل في سلوان.

تعتبر سلوان الدرع الحامي والخاصرة الجنوبية للمسجد الأقصى والأكثر قربًا من البلدة القديمة (وثائقي "سارقو  الديار" - العربي)
تعتبر سلوان الدرع الحامي والخاصرة الجنوبية للمسجد الأقصى والأكثر قربًا من البلدة القديمة (وثائقي "سارقو الديار" - العربي)

بدوره، يقول نعمان أبو سنينة، من سكان حي سلوان، في حديث إلى "العربي": "هذه الأرض اشتراها الأجداد والآباء، وعشنا فيها ومعها، ولن نخرج منها".

ويوضح محاجنة أن سلوان بلدة منكوبة في مخططات الاستيطان، لأن الاستيطان لا يقوم فقط عن طريق الحكومة وبلدية الاحتلال، بل تفسح المجال أيضًا لعمل مؤسسات يمينية استيطانية تعمل على تعزيز عمليات الاستيطان من خلال ضخّ الأموال، والتعاون مع المكاتب الحكومية وبلدية الاحتلال.

معركة كبيرة إذًا تدور رحاها في القدس، وبيوت تهدم في كل مكان. فحتى عام 2021، هُدم أكثر من 20 ألف بيت، بحجة عدم الحصول على تصاريح للبناء. وتحوّل السكان إلى مهجّرين يبحثون عن مسكن.

ويوضح الجعبري أن هناك أوامر هدم للبيوت الفلسطينية الموجودة حاليًا في القدس. إذ تتحكم قوات الاحتلال بعمليات الهدم، ولا تمنح الرخص للفلسطينيين للبناء، ولا تقدّم خططًا للمناطق الفلسطينية تسمح بالبناء فيها.

بدوره، يشير محاجنة إلى وجود بلاغات هدم لأكثر من 20 ألف منزل ضد المقدسيين، الذين يدفعون غرامات قاسية، ثمّ يتمّ هدم منازلهم، وهذه طريقة من أجل تهجير المقدسيين، وإجبارهم على مغادرة شرقي القدس.

ويوضح الجعبري أنّ حي سلوان يضمّ 12 حيًا، 6 منها معرضة للهدم، وأنّ آلاف السكان معرّضون للطرد، بأوامر إدارية، ويستغلّ الإسرائيليون الأوضاع الإقليمية أو الزمن للوصول إلى أهدافهم.

ويشرح أبو ريالة أن بلدية الاحتلال هدمت منزله للمرة السادسة، بحجة عدم الحصول على ترخيص بناء، مع العلم أن ملف الترخيص موجود لديهم.

ويلفت الجعبيري أن قانون "كامنتس" وُضع كي لا يستطيع الفلسطيني اللجوء إلى المحكمة في حال تعرّضت منازلهم للهدم، وخلال 48 ساعة يُمكن أن يصدر أمر الهدم من بلدية الاحتلال.

القانون الدولي لا يوفر الحماية للفلسطينيين

يعتبر القانون الدولي القدس الشرقية أرضًا محتلة لا يجوز تغيير معالمها أو طرد سكانها، كما يعتبر سياسة هدم البيوت ومصادرة الأراضي نوعًا من أنواع العقاب الجماعي. لكن هذا القانون يعجز عن توفير الحماية للمقدسيين.

ويؤكد محاجنة أنه وفقًا للقانون الدولي، إسرائيل غير مخوّلة أن تطبّق أو تشرّع قوانين عن طريق الكنيست، في المناطق المحتلة، كما أنه يسمح للدولة المحتلة بسنّ قوانين فقط لحماية المواطنين تحت الاحتلال وباعتبارات أمنية.

لكنه يشير إلى أن ما يحصل في فلسطين هو أن المحتل يقوم بتشريع قوانين عن طريق برلمانه، ويطبّق هذه القوانين في المناطق المحتلة، وهو ما يناقض القانون الدولي.

ويؤكد أن ما يحصل في القدس، يفضح سياسة الاحتلال التي تعتبر القدس جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل.

بيت حنينا ومشروع التسوية الخبيث

لا تتوقّف آليات الاحتلال عن العمل على الأرض. في بيت حنينا، المعركة هي ذاتها، مشاريع استيطانية من جهة، وجدار فاصل من جهة أخرى، حوّلها إلى ما يُشبه الجزر المعزولة. وباتت حاجزًا يفصل القدس عن الضفة الغربية. صودرت آلاف الدونمات من السكان لإقامة مشاريع استيطانية.

ويقول محاجنة إن بيت حنينا تتعرّض لمشروع استيطاني خبيث يُعرف باسم "مشروع التسوية"، مشيرًا إلى أنه عندما احتلت إسرائيل القدس الشرقية، أوقفت عملية تسوية الأراضي التي كانت غير مسجّلة بسبب أهدافها الاستيطانية. والآن، أعلنت تجديد عملية التسوية كتجربة في منطقتين في بيت حنينا، ودعت الناس إلى التعاون مع هذه التسوية.

ويشرح التفكجي أن شوارع حنينا ليست شوارع فقط، بل سكك حديدية وأنفاق وجسور، وهذه الشبكة تؤدي إلى ربط مستعمرات وفصل أحياء فلسطينية، مشيرًا إلى أن ذلك يعني مصادرة المزيد من أراضي الفلسطينيين.

ويقول إن مساحة بيت حنينا تبلغ 15 كيلومترًا مربعًا، وبعد مصادرة أراضيها، بلغت نسبة الاستثمار كيلومترين مربعين، وبالتالي، لا يُمكن أن تنمو هذه الأحياء.

من جهته، يشير محاجنة إلى أن إسرائيل من خلال عملية التسوية تريد الدخول إلى بيت حنينا، وبالتالي ما حدث في الشيخ جراح وسلوان وراس العامود، والبلدة القديمة يتم تطبيقه في بلدات وحارات أخرى في القدس الشرقية.

تتضمن مشاريع الاحتلال في بيت حنينا إنشاء سكك حديدية وأنفاق وجسور تؤدي إلى ربط مستعمرات وفصل أحياء فلسطينية (وثائقي "سارقو الديار" - العربي)
تتضمن مشاريع الاحتلال في بيت حنينا إنشاء سكك حديدية وأنفاق وجسور تؤدي إلى ربط مستعمرات وفصل أحياء فلسطينية (وثائقي "سارقو الديار" - العربي)

وهكذا ينمو الاستيطان كسرطان في القدس التي باتت محاصرة بالمستوطنات من كل الاتجاهات، إضافة إلى مزيد من المشاريع التي تنتظر أوامر التنفيذ بمسميات وأهداف مختلفة. وتكريسًا لواقع الاحتلال في المدينة، تقطع أوصال أحياء المقدسيين.

تقول أم محمد الغاوي إن المستوطنيين يتمدّدون في أحياء القدس، يحرقون الفلسطينيين ويدمّرون منازلهم.

بدوره، يقول أبو ريالة: "هذا هو الظلم بعينه. المستوطنون يُمنحون العيش، ونحن يؤخذ منا كي نموت. هل هم أصحاب الحق ونحن المغتصبون؟ لقد انعكست القاعدة تمامًا".

من جهته، يعتبر أبو سنينة أن "الفلسطيني أصبح يتمنى الموت على أن يعيش حياة الذل هذه. أصبح الوقت يمرّ كالنار في جسدنا".

جدار الفصل.. و"القدس الكبرى"

أتى جدار الفصل الذي بدأ الاحتلال بناءه عام 2002، على أراضي القدس من الشرق والجنوب، بهدف قلب الميزان الديموغرافي، وتحويل المدينة إلى أكثرية يهودية مقابل أقلية عربية. وأصبح 150 ألف مقدسي خارج مدينة القدس، بسبب جدار الفصل، في مقابل دخول أراضٍ جديدة لما أسماه الاحتلال "القدس الكبرى".

ويقول محاجنة إن الجدار هو أحد المشاريع التي كانت فارقة بالنسبة للوجود المقدسي في القدس الشرقية. وفي بداية وضع الحدود للجدار، قدّمنا دعاوى بأن هذه الحدود لا ترتبط بأي موضوع يخص الأمن بل هي حدود سياسية.

ويضيف أن أسرائيل التزمت بأن لا يتم تغيير الوضعية القانونية للمواطنيين المقدسين الموجودين خارج الجدار، لكن هذه مسألة وقت فقط حيث يمكن لإسرائيل أن تستغلّ أي ظرف سياسي أو أمني من أجل سحب الهويات المقدسية وبالتالي منعهم من دخول المدينة.

ويؤكد أن ما نتحدّث عنه هو مصالح تجارية تمّ سلخها وفصلها عن مدينة القدس.

ويشرح محمد أبو الحمص، الناشط المقدسي، في حديث إلى "العربي"، أن المقدسيين في العيساوية محاصرون بعنصرية الاحتلال.

أخرج جدار الفصل العنصري 150 ألف مقدسي خارج المدينة، في مقابل دخول أراضٍ جديدة لما أسماه الاحتلال "القدس الكبرى" (وثائقي "سارقو الديار" - العربي)
أخرج جدار الفصل العنصري 150 ألف مقدسي خارج المدينة، في مقابل دخول أراضٍ جديدة لما أسماه الاحتلال "القدس الكبرى" (وثائقي "سارقو الديار" - العربي)

من جهته، يقول محاجنة إن المحكمة الدولية أصدرت مذكرة عام 2004، تؤكد أن الجدار غير قانوني، وأن شرقي القدس منطقة محتلة، وعلى هذا الأساس، فإن جميع الممارسات الإسرائيلية داخل شرقي القدس والتي تعنى بتهجير المواطنين وتعزيز الاستيطان هي غير قانونية.

إلا أن موضوع تطبيق هذه القرارات، وغيرها من القرارات الصادرة عن المؤسسات الدولية، يعود إلى المستوى السياسي، وصمود المقدسيين في أرضهم.

صحيح أن القدس في قلب معركة الاستيطان، لكن الضفة الغربية ليست استثناءً. فالاستيطان هناك يخترق المدن والقرى، حيث تضاعف عدد المستوطنات خلال السنوات الـ20 الماضية، وبلغت أعداد المستوطنين في الضفة الغربية حوالي 430 ألف مستوطن. وهذا الأمر حوّل الضفة الغربية إلى جزر معزولة ومقطّعة الأوصال.

حرب على الهوية، ومحاولات تطهير عرقي بحقّ الفلسطينيين، كلها تدخل ضمن سياسية واضحة للتفرقة العنصرية، والاستيطان في قلب أدوات السياسة تلك، مدعومًا بممارسات على الأرض، وتشريعات وإجراءات إدارية، تُحيط حياة المقدسيين والفلسطينيين عمومًا، وتفرض عليهم معركة وجودية يومية.

وثائقي يستقصي واقع مدينة القدس في ظل الهجمة غير المسبوقة التي تتعرض لها من قبل الاحتلال
المصادر:
العربي
Close