منذ سبعة أشهر، تشكل مراسم تشييع أشخاص استشهدوا في التصعيد بين إسرائيل وحزب الله، الفرصة الوحيدة لسكان ميس الجبل الحدودية لزيارة قريتهم المدمّرة على ضوء هدوء مؤقت ينسقه الجيش اللبناني مع القوات الدولية.
ميس الجبل المواجهة لمنطقة المنارة في شمال إسرائيل والتي تبدو أشبه بساحة معركة، تضم عددًا كبيرًا من مؤيدي حزب الله الذي نعى 7 مقاتلين على الأقل من أبنائها من إجمالي 267 مقاتلاَ استشهدوا منذ بدء تبادل إطلاق النار بينه وبين الجيش الإسرائيلي بعد اندلاع العدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
تفقد المنازل المهجورة جنوب لبنان
أما سكانها النازحون في معظمهم فيستغلون الهدوء النسبي المؤقت الذي يسجّل خلال مراسم تشييع لتفقد منازلهم والإتيان بأغراض لم يفكروا بحملها معهم عندما هربوا تحت وطأة القصف الإسرائيلي، من دون أن يدركوا أن غيابهم عن منزلهم سيطول كل هذا الوقت.
وأمام ركام منزله الذي لم ينج منه إلا خزان مياه بلاستيكي، يقول عبد العزيز عمار (60 عامًا) لوكالة فرانس برس: "البيت سوّي بالأرض"، موضحًا أن "منازل أهلي وأخي وابن أخي دمّرت كليًا".
ويضيف على هامش مشاركته الأربعاء في تشييع مقاتل من حزب الله قضى بنيران إسرائيلية: "كان المنزل يعني لنا كثيرًا، وكان فسيحًا مع مساحات مريحة للأطفال" في الخارج، مضيفًا أن طفلته الصغيرة تسأله دائمًا "اشتقت للمنزل، متى سنعود إليه؟".
وبعد أسبوعين من بدء تبادل القصف عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل، نزح عمار مع عائلته إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.
ويقول: "يأتي الشخص إلى القرية للمشاركة في تشييع، ولا بدّ أن يستغلّ الفرصة للاطمئنان على منزله لإلقاء نظرة عليه، وإذا لم يكن مدمّرًا، لأخذ أغراض يحتاجها في مكان إقامته".
وأوضح متحدث باسم القوات الدولية المؤقتة في جنوب لبنان أن الجيش اللبناني يبلّغ اليونيفيل بمواعيد التشييع ومكانها، وتُعلِم هي بدورها الجيش الإسرائيلي لتأمين بعض الهدوء في المنطقة.
"الكل هدف"
ويقول عبد العزيز بتصميم: "عندما نرى شبانًا يقدّمون أرواحهم، لا نسأل عن الحجر".
وعلى مرأى من نقاط عسكرية في الجانب الإسرائيلي، يشارك غالبًا مئات من أهالي البلدات والقرى الحدودية في تشييع الشهداء، وغالبيتهم من مقاتلي حزب الله الذي ينظّم مراسم عسكرية ويرفع راياته ويردّد عناصره ومناصروه هتافات الولاء له، بينما طائرات الاستطلاع الإسرائيلية لا تفارق الأجواء.
وفي ميس الجبل، شقّ موكب التشييع الأربعاء طريقه بين منازل مدمرة ومحال تبعثرت مقتنياتها. وشاركت نسوة متّشحات بالسواد في التشييع. ووضع عدد منهن رايات حزب الله الصفراء حول أعناقهن، وحملن صور الشهيد.
وبعد التشييع أو قبله، يستغلّ السكان الهدوء المفترض لجمع ما أمكنهم من مقتنيات منازلهم أو حتى مؤسساتهم التجارية.
وأمام منزل مدمّر جزئيًا، امتلأت شاحنة بمقتنيات نجت من القصف بينها غسالة وعربة طفل ودراجة نارية وكراس بلاستيكية.
ويقول عبد العزيز عمار: "بغض النظر عمّا إذا كنت أحمل السلاح أم لا، فإن مجرّد وجودي في بلدتي يعني أنني هدف أمام الإسرائيلي"، مشيرًا إلى استشهاد أربعة مدنيين من عائلة واحدة خلال الشهر الحالي.
وليس الهدوء مضمونًا دائمًا خلال التشييع، وفق ما يقول سكان.
ففي الخامس من الشهر الحالي، استشهد مدني مع ابنيه (21 و12 عامًا) وزوجته بضربة إسرائيلية في ميس الجبل، بينما كانت تقام مراسم تشييع.
ونقل تقرير إخباري محلي عن أفراد عائلة الشهيد أنه كان قد استغلّ الهدوء المفترض خلال التشييع وأحضر شاحنة لإخراج سلع وبضائع من محل تجاري يملكه، لكنه استشهد مع عائلته.
تضرر 14 ألف منزل
وتدعي إسرائيل أنها تستهدف بنى تحتية ومقرّات تابعة لحزب الله، لكن آلاف الوحدات السكنية تضرّرت جزئيًا أو كليًا، وفق السلطات اللبنانية، في القصف الإسرائيلي.
وتعدّ القرى والبلدات الملاصقة للحدود مثل ميس الجبل والضهيرة وعيتا الشعب من المناطق الأكثر تضررًا. ولا يتمكن الصحافيون من الوصول بسهولة إلى هذه المناطق، بسبب التصعيد المستمر. وقد استشهد وأصيب صحافيون في قصف إسرائيلي خلال تغطيتهم النزاع في مناطق حدودية.
ويقدّر مجلس الجنوب، وهو هيئة رسمية مكلفة بمسح الأضرار، عدد "المنازل المهدّمة كليًا بـ1700 منزل"، تضاف إليها "14 ألف منزل متضرر".
ومنذ سبعة أشهر، تخطت قيمة الأضرار التي لحقت بالمباني والمؤسسات مليار دولار، وتلك التي طالت مرافق البنية التحتية 500 مليون دولار، وفق المصدر ذاته.
وتقول السلطات اللبنانية إن المسح النهائي للأضرار لا يمكن أن يحصل إلا بعد وقف إطلاق النار، علمًا أن عملية دفع التعويضات دونها شكوك في بلد غارق بأزمة اقتصادية خانقة منذ أكثر من أربع سنوات.