طغى خبر تحليق المنطاد الصيني فوق ولايات أميركية على معظم عناوين الصحف ووسائل الإعلام في العالم، بوصفها حادثة خطيرة تكشف حجم التأزّم بين البلدين والحرب الاستخباراتية الخفية بين بكين وواشنطن.
إلا أنّ العلاقات الصينية الأميركية تواجه تحديات على مستويات عديدة، ليس أقلّها احتمالًا المواجهة العسكرية في المحيط الهادئ وفي مضيق تايوان وفي بحر الصين الجنوبي. ولعلّ الحرب التجارية التي أطلقتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب خفّضت مستوى التفاعل الإيجابي بين بكين وواشنطن إلى حدّ القطيعة.
وفي وقت توقف الحوار الاستراتيجي والاقتصادي بين البلدين، لم تتوصّل إدارة الرئيس جو بايدن إلى صيغة فعّالة لاستئناف الحوار مع بكين بشأن حلّ الملفات العالقة على كلّ المستويات، بل انتقل الصراع إلى مرحلة أكثر تأزّمًا، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان العام الماضي.
إلا أنّ قطع الحوار نهائيًا هو خيار يتجنّبه الطرفان لمخاطره الكبيرة، ولذلك تتّخذ واشنطن وبكين نهجًا تصالحيًا من أجل بناء صيغة تشاركية وقائية لإدارة الأزمات بينهما بحسب خبراء في العلاقات الأميركية الصينية، وهو ما اتضح في خطاب الرئيس جو بايدن بشأن حالة الاتحاد، حيث وصف العلاقة مع الصين بأنّها علاقة تنافس.
وسط استياء #بكين.. #الولايات_المتحدة تعلن إسقاط المنطاد الصيني والبدء بفحص حطامه #الصين تقرير: محمد الشياظمي pic.twitter.com/pdHwbUzjJx
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 5, 2023
تاريخ حافل ومحاولات تجسس غير مأوفة
وبعيدًا عن التحديات الحالية، تدفع حادثة منطاد المطاردة الصيني وإسقاطه من قبل الولايات المتحدة للتساؤل عن تاريخ التجسس المتبادل بين البلدين، وهو تاريخ طويل في إطار سعي بكين وواشنطن إلى جمع أكبر قدر من البيانات والمعلومات عن بعضهما بعضًا.
ففي السنوات الأخيرة، رصدت المخابرات الأميركية محاولات تجسس صينية غير مألوفة بأدوات وتقنية بسيطة، مقارنة بالأقمار الصناعية، وطائرات التجسس عالية التكلفة.
فقد خلص تقرير فني للجنة الاتصالات الفدرالية العام الماضي إلى أنّ أبراج الهواتف المحمولة القريبة من قاعدة مالمستروم الجوية وسط ولاية مونتانا والتي تديرها شركة اتصالات محلية، كانت تستخدم التكنولوجيا الصينية.
ولا شكّ أنّ صاحبة هذه التكنولوجيا هي شركة هواوي التي طالما حذّر منها الخبراء الأميركيون، وهو ما دفع بالإدارة الأميركية السابقة إلى فرض حظر على استخدام منتخباتها.
وفي عام 2017، أوصت المخابرات الأميركية بعدم التصريح ببناء معبد صيني ذي ارتفاع شاهق وسط الحديقة الوطنية بالقرب من مبنى الكابيتول في واشنطن، إذ وجد الأميركيون دلائل على إمكانية استخدام البرج كمنصّة تجسس على مبنى الكونغرس والبيت الأبيض باستخدام أجهزة تنصّت تمّ شحنها للولايات المتحدة عبر حقائب دبلوماسية.
ويبقى كثير من البعثات المحلية في أيّ بلد مرتعًا للجواسيس وتجنيدهم وجمع المعلومات داخل البلد المستهدف، والصين هنا ليست استثناء. ولعلّ تجنيد طالب الهندسة الصيني الذي استطاع الالتحاق بالجيش الأميركي، فتح ملف تجنيد الجواسيس من جديد.
وبالفعل، استطاعت المخابرات الأميركية إثبات ارتباطه بأمن الدولة الصيني والعمل لصالح الحكومة الصينية للوصول إلى آخر تقنيات الفضاء التي تطوّرها الشركات الأميركية.
"لا أريد حربا باردة مع الصين".. أزمة المناطيد تتصاعد بين #واشنطن و #بكين تقرير: ساهر عريبي pic.twitter.com/KSv1N2TYWB
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 17, 2023
حرب "محتدمة" بين واشنطن وبكين
انطلاقًا ممّا تقدّم، يفتح منطاد الصين الباب واسعًا للتساؤل عن أوجه الصراع المتعددة بين البلدين.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلاقات الدولية نبيل سرور أنّ موضوع المنطاد يأخذ أبعادًا تتخطى التجسس العادي، فهو يأتي في سياق الحرب المحتدمة على كل المستويات بين الولايات المتحدة والصين، ومن باب تسجيل النقاط بين الدولتين.
ويلفت في حديث إلى "العربي"، من بيروت، إلى أنّ رسالة المنطاد تسجّل نقطة في الخانة الأميركية من قبل الصين، ولا سيما أنّ الولايات المتحدة لديها الكثير من القواعد القريبة من الصين، التي تُستخدَم أيضًا في سياق حرب التجسس.
وفيما يلاحظ سرور أنّ الصين تنصّلت على المستوى الرسمي من الأمر، وقالت إنّ المنطاد ربما قذفته الرياح، إلا أنّه يشير إلى أنّ وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في المقابل، أعلنت أنّ المنطاد فيه كاميرات تجسس، وربما رصد الكثير من القواعد العسكرية، وهو ما يعزز فرضية الأبعاد التجسسية.
ويعرب عن اعتقاده بأنّ الحرب السيبرانية والتكنولوجية من خلال الأقمار الاصطناعية هي الأساس، مشدّدًا على أنّ الصين نجحت في تسجيل النقاط من خلال إطلاق مجموعة من المناطيد القريبة من الولايات المتحدة وفي فضائها.