تعرضت الغابات في الجزائر مثل بقية دول العالم إلى حرائق تزامنت مع ارتفاع درجات الحرارة، حيث كانت شرارتها الأولى في السابع من أغسطس/ آب عام 2021 في محافظة تبسة الواقعة في الشرق الجزائري.
وفي 9 أغسطس 2021 اندلعت حرائق في محافظة تيزي وزو بمنطقة القبائل. كما امتدت الحرائق في 10 أغسطس إلى 20 محافظة شمالي البلاد. وفي الفترة نفسها، أدخلت المستشفيات في حالة طوارئ حيث التهمت النيران قرى بأكملها وعزلت بيوتًا في هذه المحافظات وتسببت في حالات فزع وسط الأهالي.
وفي 10 أغسطس من العام نفسه، أكّد رئيس الوزراء الجزائري لوسائل الإعلام أنّ أياديَ إجرامية هي من تقف وراء هذه الحرائق، في حين انتهت التحقيقات إلى اعتقال 30 شخصًا تورطوا في حرائق الغابات وكلهم ينتسبون إلى تنظيمي "الماك" و"رشاد".
موسم حرائق ومقومات متوافرة
يستذكر الصالح عمرون، وهو من سكان محافظة تيزي وزو، مرحلة الحرائق في الجزائر، حيث يلفت إلى أن جميع المقوّمات لاندلاع الحرائق كانت متوفرة في أغسطس من العام الماضي سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، مؤكدًا أنه "لا يمكن إنكار أن الحرائق اندلعت في القارات الخمس" بين عامي 2020 و2021.
ويوضح عمرون أنّ الارتفاع في درجات الحرارة منذ شهر فبراير/ شباط عام 2021 "على غير العادة" جعل الغطاء النباتي يفقد مناعته في مكافحة الحرائق، لافتًا إلى أنّ النباتات والأشجار تفقد بذلك قدرتها على المقاومة عند وصول درجات الحرارة إلى 45 درجة مئوية في شهر يونيو/ حزيران.
ويلفت عمرون إلى أنه كان يقوم بإبلاغ الجهات المعنية مثل أعوان الغابات ومديرية الحماية المدنية بأي حريق لتفادي تمدده، ولا سيما مع تعذّر إطفاء الحرائق بالطرق التقليدية في كثير من الأحيان.
من جهته، يؤكّد ساعد آكلي وهو أحد الفلاحين، أن الفلاح كان أكبر المتضررين من هذه الحرائق. ويقول: "كل شيء اختفى: صناديق النحل وكذلك غلّتنا من زيت الزيتون".
حرائق الجزائر.. "فعل فاعل"
أما المحلل السياسي علي ربيج فيشير أنّ تلك المنطقة "معروفة" بأنها تسجل عددًا كبيرًا من الحرائق كل عام نظرًا لطبيعة التضاريس والغطاء النباتي، لكن في كل مرة، "كان ينظر إليها على أنها حرائق طبيعية".
ويلفت إلى أن هول تلك الحرائق والضحايا التي خلّفتها وما تسببت به من أضرار شكّل مفاجأة. ويقول: "فقدنا الكثير من الجنود الجزائريين الذين قضوا أثناء أداء واجبهم وتقديم المساعدة للمواطنين الجزائريين".
ويثمن وقوف الجزائريين في الداخل والخارج بجانب بعضهم البعض من خلال تقديم جميع أنواع المساعدات.
ويشير ربيج إلى أنه بعد ملاحظة أن الحرائق بدأت في وقت واحد وفي نطاق جغرافي متقارب بدأت الشكوك على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، فيما اتخذت مؤسسات الدولة الأمنية الإجراءات المناسبة وبدأت تحقق عن طريق ما تملكه من إمكانيات وخبرة، ليتبين بعد ذلك أن "الحرائق وللأسف الشديد كانت بفعل فاعل وتُصنف على أنها عمل إجرامي".
ويوضح المحلل السياسي أن الحكم بأن الحرائق جريمة مدبرة لم يكن متسرعًا بل جاء نتيجة تحقيقات دقيقة والاستعانة بصور الأقمار الاصطناعية.
ويخلص إلى أن من أضرم النار لم يكن يستهدف الغطاء النباتي بل لديه هدف سياسي، مشيرًا إلى أن مقتل الشاب جمال بن إسماعيل أربك مخطط جماعة "الماك" التي صُنفت وجماعة "رشاد" على أنها "إرهابية".
مشاهد مؤلمة
من جانبه، يشرح الناشط في المجال الإغاثي أحمد إبراهيمي أنّ الحرائق التي اندلعت في منطقة القبائل المأهولة شكلت لحظات مرعبة. ويقول: "حرق كم من الحيوانات والمنازل والمزارع وأشجار الزيتون".
وفي هذا الصدد، يستذكر إبراهيمي مشاهد الجثث المحروقة المؤلمة بين ألسنة النيران التي يفوق ارتفاعها الـ20 مترًا وقد أحاطت المنازل من جميع الجهات وتعذّر فرار الناس من تلك المنطقة الجبلية المليئة بالأشجار والسكان.
ويتحدث إبراهيمي عن قصص مؤلمة، مستحضرًا كيف حاصرت النيران عائلة ولم يستطع أحد الاقتراب لإنقاذها. ويقول: "كانت النيران كثيفة ولا يمكن التقدم ولو مترًا واحدًا فهي لا تحرق بألسنتها بل بشدة الحرارة".
وبحسب إبراهيمي، كان الأهالي يغادرون منازلهم بملابس النوم تاركين كل أغراضهم وكل شيء خلفهم. ويقول: "إن 200 ضحية دفعت ثمن فعل إجرامي". ويعتبر أن التحقيقات أثبتت أن الحرائق أمر مبيّت "نتيجة مواقف الجزائر من عدد من القضايا الإقليمية".
ويرى إبراهيمي أن حرق الشاب جمال بن إسماعيل بيّن الحقيقة في ظل الرسائل العنصرية التي أكّدت أن الهدف كان زعزعة الأمن والاستقرار. لكنه يعتبر أن "موقف أهل منطقة القبائل واتحاد الجزائريين أفشل المخطط وأعطى رسالة لمن أرادوا أن يستفردوا بالمنطقة بأنهم لن يستطيعوا أن يفرقوا شعب البلاد".
كارثة وطنية
من جهته، يقول الصحافي رياض هويلي إن الحرائق أتت على الأخضر واليابس وأوقعت خسائر في الممتلكات والأرواح والثروة الحيوانية. ويلفت إلى تعامل الصحافة مع الحرائق "ككارثة إنسانية اجتماعية بل كارثة وطنية".
ويشير إلى أن الحديث عن "حرائق مفتعلة جعله يتعاطى مع إخماد نيران وإنقاذ أرواح وإخماد الفتنة"، لافتًا إلى أن القبض على بعض العناصر أثناء محاولتهم الفرار على الحدود المغربية والتونسية أكّد أن الحرائق التي وقعت مخطط لها من الداخل والخارج.
ويرى هويلي أن تصنيف جماعتي "الماك" و "رشاد" على أنهما منظمتان إرهابيتان يدل على أن السلطات العمومية كانت تمتلك معلومات تؤكد تورط عناصر من هاتين الجماعتين في حرائق الصيف الماضي.
المزيد عن الحرائق التي هزّت الجزائر عام 2021، من خلال شهادات موثّقة لمن عايشوها وواكبوها، تجدونها في الحلقة المرفقة من برنامج "كنت هناك".