مع دخول الصراع الدائر في السودان عامه الثاني، باتت أجزاء من البلاد تقف عند حافة المجاعة حسبما تؤكد وكالات إغاثة، وسط ترك قرابة 25 مليون شخص أو نصف عدد السكان في حاجة للمساعدات الدولية.
واشتعل الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، منتصف أبريل/ نيسان 2023، وكان السودان أصلًا يرزح تحت وطأة ارتفاع معدلات الجوع وتداعي نظام الرعاية الصحية وتفشي الفقر.
انعدام الأمن الغذائي الحاد
وفي ظل استمرار المعارك بين طرفي النزاع، يواجه نحو 17.7 مليونا من سكان السودان البالغ عددهم 49 مليون نسمة ما يسميه الخبراء انعدام الأمن الغذائي الحاد، في زيادة حادة عن العام الماضي، وفقًا لتوقعات تغطي خمسة أشهر حتى فبراير/ شباط الفائت.
وقد خرج بتلك التوقعات، التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (آي.بي.سي)، وهو أداة معروفة عالميًا لمراقبة الجوع. وهذا يعني أن حياة السودانيين أو سبل عيشهم معرضة لخطر داهم؛ لأنه ليس لديهم ما يكفي من الغذاء.
فمن بين هؤلاء، يقدر أن 4.9 ملايين يواجهون مستويات شديدة من الجوع، ويقفون على بعد خطوة واحدة من المجاعة.
ولم يتمكن التصنيف المرحلي المتكامل الشهر الماضي من تحديث تقييمه بشأن السودان، بسبب فجوات البيانات وتحديات الاتصالات. لكنه حذر من أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع الوفيات الجماعية.
خطر على النساء والفتيات
وتعد النساء والفتيات المعرضات للخطر بشكل خاص، لأنهن غالبًا آخر فرد في الأسرة يتناول الطعام أو يحصلن على أقل كمية، ويتعرضن بشكل متزايد لخطر العنف القائم على النوع والعنف الجنسي.
وتأتي تلك الخلاصات في ظل تعطل نشاط الزراعة، الذي يعتمد عليه معظم السكان للحصول على الدخل بشدة، إذ فر المزارعون من القتال أو لا يمكنهم الحصول على ما يحتاجونه من مستلزمات. فقد فر أكثر من 8.6 ملايين شخص، أو نحو 16% من السكان، من منازلهم منذ بدء الصراع.
وبهذا تشكل السودان أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم، مع وجود ثلاثة ملايين شخص آخرين بلا مأوى بسبب صراعات سابقة وخاصة في دارفور.
وقد عبر أكثر من مليونَي شخص إلى دول مجاورة تواجه تحديات أمنية واقتصادية بالفعل. وفر مئات الآلاف من الأشخاص إلى مصر وتشاد وجنوب السودان، فيما وصلت أعداد صغيرة إلى إثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى.
وداخل السودان، اضطر كثيرون للفرار للمرة الثانية عندما سيطرت قوات الدعم السريع في ديسمبر/ كانون الأول الفائت على ولاية الجزيرة، وهي مركز لجهود الإغاثة حيث نزح الكثير من الناس بحثًا عن المأوى.
وبحسب البيانات، فقد أضرت الحرب بالنشاط الاقتصادي في السودان، ويتوقع البنك الدولي أن الاقتصاد انكمش 12% عام 2023.
ومن المتوقع أن يكون معدل الانكماش أكثر من مثلَي ما حدث خلال الحروب في اليمن وسوريا. فقد تعرضت البنية التحتية لأضرار بالغة وانهارت خطوط الإمدادات وأصيب النظام المصرفي الرسمي بالشلل، ما أدى إلى عدم دفع العديد من الرواتب. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، ما يقرب من نصف السكان بلا عمل.
كما قفزت الأسعار بشكل حاد في العديد من المناطق، في حين أدى انقطاع التيار الكهربائي الذي أُلقي باللوم فيه على الطرفين المتحاربين وتعطل شبكات المحمول، إلى إعاقة عمليات الدفع عبر الهاتف المحمول التي يعتمد عليها كثيرون.
ويحتاج ما يقدر بنحو 11 مليون سوداني إلى مساعدات صحية عاجلة، بحسب منظمة الصحة العالمية. لكن 70% من مرافق الخدمات الصحية في المناطق المتضررة من الصراع مغلقة أو تعمل بشكل جزئي.
أما بخصوص انتشار الأمراض، فتشير وزارة الصحة إلى أنه جرى الإبلاغ عن أكثر من 11 ألف حالة اشتباه بالكوليرا، منها أكثر من 300 حالة وفاة في 11 ولاية من ولايات السودان البالغ عددها 18 ولاية. ويستمر تفشي الحصبة والملاريا وحمى الضنك في عدة ولايات.
كما يواجه نحو 19 مليون طفل خطر الحرمان من التعليم بسبب الحرب. وكان واحد من كل طفلين، أي 10 ملايين طفل، يعيش في منطقة حرب خلال العام الماضي، وفقًا لهيئة "أنقذوا الطفولة".
جمع التمويلات اللازمة
وأمام هذا الواقع، تسعى وكالات الإغاثة للحصول على 2.7 مليار دولار من الجهات المانحة لتوفير المساعدات لنحو 14.7 مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدة في السودان هذا العام، وحتى الآن لم يتم جمع سوى أقل من 6% من هذا المبلغ.
وتسعى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى الحصول على 1.4 مليار دولار لمساعدة الأشخاص الذين فروا إلى خمس دول مجاورة.
وقد طالبت الأمم المتحدة اليوم الإثنين، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بحماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيود، مؤكدة وجود نحو 5 ملايين شخص على شفا مجاعة، وذلك في بيان منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان كليمنتاين نكويتا سلامي، بمناسبة مرور عام على النزاع في السودان.
وخلّفت الحرب في السودان نحو 15 ألف قتيل وفقًا للأمم المتحدة، في وقت تتسارع فيه جهود الوساطة، من أجل وقف إطلاق النار بهذا البلد.