تسبب النزاع السوداني بين الجيش وقوات الدعم السريع بحدوث عمليات نزوح كبيرة أثرت على شكل حياة الناس والحياة. وهناك من لم يجد سوى دول الجوار للجوء إليها.
ويقول السوداني محمد إسماعيل بعد فراره من الحرب في السودان إلى مصر، إن طموحاته تقتصر على توفير الطعام لأطفاله الخمسة من راتب شهري ضئيل يبلغ حوالي 100 دولار يتقاضاه من العمل في مصنع للورق بالجيزة.
وحتى الآن لا يستطيع أحد أبناء إسماعيل وعمره 7 سنوات النوم إلا مع والده بسبب الصدمة الناجمة عن سماع الانفجارات قبل فرارهم من ضواحي العاصمة السودانية الخرطوم في يناير/ كانون الثاني.
وتسببت الحرب المحتدمة منذ عام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في نزوح أكثر من 8.5 ملايين شخص من منازلهم، مما أدى إلى أكبر أزمة نزوح في العالم واضطرار عائلات للنزوح عدة مرات، بينما يكافح الناس للهروب إلى الدول المجاورة التي تعاني من مشاكل اقتصادية وأمنية خاصة بها.
نهب واحتلال أحياء كاملة
وأجبرت التحديات المالية بعض السودانيين على العودة إلى العاصمة التي عصفت بها الحرب.
وقال إسماعيل (42 عامًا)، إنه لا يحسب الناحية الاقتصادية، بل أكثر ما يفكر فيه هي الناحية الأمنية. ويلفت إلى أن ولده صالح لا يقدر النوم إلا إلى جواره، حيث ما زال متأثرًا بأصوات الانفجارات التي كان يسمعها في السودان.
واندلعت حرب السودان في 15 أبريل/ نيسان 2023 بسبب خلاف على انتقال سياسي كان مقررًا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.
واجتاح القتال العاصمة وأطلق موجات من العنف العرقي في دارفور غرب البلاد ثم امتد إلى مناطق أخرى منها ولاية الجزيرة، وهي منطقة زراعية مهمة أصبحت مركزًا للمساعدات لجأ إليها كثيرون.
وحين دخلت قوات الدعم السريع مدينة ود مدني الرئيسية بالولاية في ديسمبر/ كانون الأول ونهبت واحتلت أحياء كما فعلت في العاصمة نزح كثيرون منها للمرة الثانية.
من جهته، قال أحمد (50 عامًا)، الذي فر مع زوجته وأطفاله الأربعة من الخرطوم حين بدأت الحرب، إن قوات الدعم السريع سحبتهم من سيارة في أثناء محاولتهم الفرار من ود مدني للاستيلاء على السيارة.
وتوجهوا شرقًا إلى القضارف حيث توفيت والدة زوجته (75 عامًا) بعد الرحلة الشاقة التي استمرت ثلاثة أيام. ودفعوا أموالًا لمهربين مقابل القدوم إلى مصر التي علقت الدخول بدون تأشيرة للنساء والأطفال والرجال الذين تزيد أعمارهم عن 50 عامًا مع تدفق السودانيين عبر الحدود العام الماضي.
وقال أحمد، متحدثًا عبر الهاتف من القاهرة، إن حياتهم تحطمت تمامًا بسبب البرهان وحميدتي. وطلب الاكتفاء بنشر اسمه الأول فقط تفاديًا للمشكلات مع السلطات المصرية.
ثلاثة ملايين نسمة بلا مأوى
وفي داخل السودان كان هناك أكثر من ثلاثة ملايين نسمة بلا مأوى بالفعل بسبب صراعات سابقة قبل الحرب الحالية، معظمهم في دارفور، حيث اتُهمت قوات الدعم السريع وحلفاؤها بارتكاب أعمال عنف على نطاق واسع خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، وتُلقي قوات الدعم بمسؤولية تلك الأعمال على خصومها.
وعلى الرغم من أن أجزاء من البلاد، ثالث أكبر دولة في إفريقيا من حيث المساحة، لم تتضرر نسبيًا فإن العديد من النازحين يعتمدون على المساعدات الخيرية، إذ تتفاقم الأوضاع ويواجه ما يقرب من خمسة ملايين شخص جوعًا شديدًا.
ويشهد النظام الصحي بالسودان حالة انهيار مما يسمح بتفشي أمراض منها الحصبة والكوليرا. وتقول وكالات الإغاثة إن الجيش يقيد وصول مواد الإغاثة الإنسانية، كما أن الكميات القليلة التي تدخل تكون عرضة لخطر النهب في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
وقال إسماعيل خريف (37 عامًا) وهو مزارع يعيش في مخيم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور إن الناس هناك معرضون لخطر القتال والتنكيل من الجانبين إذا حاولوا التحرك، بينما تُمنع عنهم الرعاية الصحية والإمدادات الغذائية اليومية وشبكات الهاتف المحمول.
ويسعى عشرات الآلاف للبحث عن مأوى في جميع أنحاد بورتسودان الخاضعة لسيطرة الجيش ولكنهم يتساءلون عما ينتظرهم في المستقبل.
وقالت مشاعر علي (45 عامًا)، وهي أم لثلاثة أطفال من العاصمة وتعيش في مركز للنازحين في المدينة المطلة على البحر الأحمر: إن تجربة النزوح قاسية للغاية وإنها لم تكن تفكر في يوم من الأيام أن تعيش هذه التجربة. وتساءلت "هل نحن في واقع؟ إنه أمر صعب جدًا".