يخشى نبيل خريم الذي يمتهن حرفة تصليح الأحذية والحقائب على مهنة الإسكافي من الزوال، لتقلص عدد العاملين فيها بالقدس القديمة من نحو 30 إلى أقل من 3.
يأتي هذا أساسًا على خلفية عزوف الشباب عن هذه المهنة، إضافةً إلى الركود الاقتصادي المتفاقم جراء إجراءات الاحتلال في القدس المحتلة.
أقدم إسكافي القدس
وفيما لا يزال السبعيني ينهمك بتصليح الأحذية وتدعيمها في محله المتواضع بسوق العطارين، يعدّ خريم أقدم إسكافي القدس القديمة، حيث امتهن هذه الحرفة على مدار 55 عامًا بعد أن تعلمها من والده.
فيقول خريم لـ"العربي": "حرفتنا يجب أن تستمر، لكن هذا أمر صعب، لا سيما وأنه قبل نحو أكثر من 30 عامًا كان هناك بحدود 30 إسكافي في البلدة القديمة، أما اليوم فلا يتجاوز عددهم الـ 3 أو الـ4".
نضال البقاء
وينجز الإسكافي المقدسي عمله بآلات عتيقة عمرها يصل إلى 80 عامًا، ويحافظ عليها بعد أن ورثها عن والده وجدّه، فيما يقول أحد زبائنه الذي يرتادون محلّه منذ عشرات السنوات: إن حرفة الإسكافي تخدم الغني كما الفقير.
ويردف خريم: "يجب أن نستمر في العمل رغم كبر سننا، أولًا لإثبات نفسنا في البلد من خلال المحافظة على محالنا ونقلها إلى أولادنا، كما إنها أيضًا باب رزق نسترزق منه".
فالركود الاقتصادي الناجم عن حصار القدس بالحواجز والجدار العنصري، أدى إلى إغلاق نحو 1400 محلٍ في البلدة القديمة منذ احتلال الجزء الشرقي للقدس عام 1967 وحتى يومنا هذا.
هذا الواقع، جعل التجار يناضلون من أجل الإبقاء على محالهم مفتوحة فصمود المقدسيين في محالهم التجارية لا يحافظ على تراثهم وبقاء المهن والحرف الخاصة بهم فحسب، بل يساعد في الحفاظ على الوجود الفلسطيني برمّته في المدينة المحتلة.
أسباب تلاشي الحرف المقدسية
ومن القدس، يشرح الباحث المختصّ في شؤون القدس عزام أبو السعود أنه مع تطور العصر لم يعد الناس يعتمدون على حذاء واحد كما كان الحال للأجيال السابقة، بحيث طغت اليوم ثقافة جديدة وأصبح لكل فرد ما لا يقل عن 5 أحذية ويتناوب على اعتمادها، على حد قوله.
كما أن صناعة الأحذية تطورت لتصبح الأحذية أكثر استدامة، وفي حال تخربها يمكن للفرد بسهولة الاستغناء عنها وشراء أخرى، وفق أبو السعود.
كذلك، يلفت الباحث المختصّ في شؤون القدس بحديثه مع "العربي" إلى أن البلدة القديمة كانت تضم في عقبة السرايا، وآخر شارع الواد، وعقبة الخالدية، مناطق تصنف حرفية بامتياز تشمل حرف مثل النجارة، وصناعة النوافذ، والزجاج، والصدف.
ولكن بعد حرب عام 1967، عمل الإسرائيليون على ما وصفه الباحث بـ"تطفيش" الحرفيين وإبعادهم إلى خارج مدينة القدس.
تأثير على الهوية العربية للقدس
وعن تأثير الانحسار الكبير لهذه الحرف التقليدية على هوية السوق، يلفت أبو السعود إلى أن زوال بعض المهن يدفع بالحرفيين إلى التوجه نحو العمل موظفين في السوق الإسرائيلية التي تستوعب اليوم أكثر من 45% من الأيدي العاملة المقدسية.
فيرى الباحث في شؤون القدس أن هذه الطبقة من الناس "أصبحت تستهوي العمل مقابل أجر، عن المغامرة بعمل حرفي يستوجب إجراءات، وأدوات يجب تحديثها".
كما يلحظ أبو السعود أن الممولين والمستثمرين في مدينة القدس، لم يهتموا بالاتجاه نحو الشق العملي وتطوير الحرف اليدوية في البلدة القديمة، وخاصة الحرف المتعلقة بجذب السياحة.
فيعتقد الباحث المقدسي أنه يجب تطوير التعليم المهني، عبر تركيز المعاهد المهنية على الجوانب التخصصية في المهن، كما تدريب المهنيين الكبار في السن للجيل الناشئ.