القدس الموحدة بشقيها الشرقي والغربي جناحان لمدينة لا تكتمل حكايتها إلا باجتماعهما، إلا أنه في الجناح الغربي الكثير من التناقضات والعديد من أوجه العنصرية الاستيطانية، التي تكتمل صورة الاحتلال البشعة بها.
فعلى الرغم من امتلاك ما يثبت ملكية أراضيهم، يمنع عرب القدس الغربية منها، في مقابل مستوطنين بالقليل من الأوراق يسلبون أراضي الفلسطينيين شرقي المدينة.
ما هو إذًا تاريخ القدس الغربية، وواقعها وقصص لاجئيها الذين كانوا جزءًا من حكاية المدينة والذين هجروا منذ عام 1948 ولغاية اليوم؟
اختلاف المعالم
يُعَدّ حي الطالبية، الواقع في قلب المدينة بشقها الشرقي والغربي، الوجه المعماري الأبرز لمدينة القدس، وقد بقيت بيوته شاهدةً على مقدسيته وعروبته حتى يومنا هذا.
ويشرح الباحث المختص في شؤون القدس الأستاذ فخري أبو دياب أن معالم القدس الغربية تختلف عن الشرقية، حيث إن المعالم التاريخية والدينية كانت في الجزء الشرقي من القدس، حتى إن الفنادق والحركة السياحية والتجارية كانت هناك.
أما الجزء الغربي، فعبارة فقط عن تجمعات سكانية بحيث يشمل جبالًا ومساحات كبيرة جدًا من الأراضي الزراعية، وفق أبو دياب.
وتغير وضع القدس بعد عامي 1947 و1948 عقب إنشاء اليهود عصابات مسلحة، استهدفت كل التجمعات العربية في القدس الغربية فاجتاحت 13 حيًا ودمرت 38 قرية عربية، كانت محيطة بـ"لواء القدس".
التهجير
ومن بين المهجرين الفلسطينيين، يعقوب عودة أحد أبناء غربي القدس المحروم من استرداد بيته على الرغم من امتلاكه جميع أوراقه الثبوتية.
وولد يعقوب عام 1940 أي قبل احتلال مسقط رأسه بـ8 سنوات، ورغم ذلك ما زال ابن الـ82 عامًا اليوم يرى في قرية لفتا أرضه ويطالب باسترداد حقه، وينتظر استعادتها.
ويروي عودة لـ"العربي" أن الأحداث بدأت باكرًا في لفتا، لأن موقعها إستراتيجي بحيث تقع شمال غرب القدس على ارتفاع 700 متر عن سطح البحر، وتعتبر بوابة القدس.
ويتابع: "من يأتي من الساحل ويريد الوصول إلى القدس عليه أن يمر في لفتا.. وفي 11 يناير/ كانون الثاني 1948 تم حرق منزل مختار القرية في رسالة واضحة لأهل القرية.. وبعد ذلك بيومين تم تلغيم 20 منزلا الأمر الذي أرعب السكان وأجبرهم على الهروب".
فقد ارتكبت العصابات اليهودية المسلحة عددًا من المجازر التي راح ضحيتها مئات المدنيين الفلسطينيين العزل، في مختلف القرى والمدن غربي القدس، ونتج عن ذلك تهجير ما يقارب 98 ألف فلسطيني من الشطر الغربي من المدينة.
في هذا الإطار، يذكر الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب أن الميليشيات اليهودية اعتمدت على إخافة وإرعاب الناس بالمجازر، في حين كان يظن السكان الهاربون أن الفرار سيكون مؤقتًا لأيام قليلة إلى حين عودة الاستقرار الأمني إلى قراهم.
الاحتجاز
وسقطت المدينة بيد العصابات الإسرائيلية عام 1948 بعد قتال ومعارك شديدة، استخدم فيها الاحتلال الحيل والمكر لتقع مدينة القدس بيدهم، بعد أن هاجمتها العصابات خلال هدنة أوقف فيها القتال بين الطرفين.
وعليه، قسمت مدينة القدس إلى شطرين الغربي والشرقي، فيما كان نصيب غربي المدينة الاستيلاء على جميع بيوت سكانها ونهبها بما احتوت، فسرقت جميع بيوت المقدسيين التي أجلي سكانها ولم يبق فيها أثاث أو شيء يذكر.
أما سكان القدس الغربية، فتم طردهم وأجبروا على اللجوء إلى قرى أخرى وترك مدينتهم، فيما بقيت نسبة قليلة فقط حوصر بعضها في منطقة أمنية بين القسمين الغربي والشرقي حتى عام 1967 عرفت بأراضي حرام، والتي أدت إلى إبقاء بعض العائلات قريبة من منازلها دون أن تكون داخلها، وفق أبو دياب.
واستمر احتجاز العائلات الفلسطينية في منطقة حرام لسنوات، قبل أن تطردهم إسرائيل بشكل نهائي من المدينة.
وهشام النمري اللاجئ من حي البقعة هو أحد أبناء هذه العائلات التي احتجزت لسنوات في تلك المنطقة، والذي يستذكر ضمن برنامج "عين المكان" كيف أنه بعد توقف القتال وضعت حدود القدس الشرقية، وتم فصلها عن الغربية.
إستراتيجية التهويد
وبعد فرض سيطرتها على كامل القدس الغربية، أعلنت إسرائيل القدس عاصمة لها رغم معارضة دولية لذلك في حينه، ووضع الاحتلال إستراتيجية للوصول إلى مجتمع يهودي خالص عبر ممارسة سياستين في اتجاهين متعاكسين.
أول هذين الاتجاهين، تعزيز العنصر اليهودي بالمنطقة حيث وصل مؤشر الزيادة السكانية لليهود في القدس الغربية خلال نصف قرنٍ من النكبة إلى نحو 240 %.
أما الاتجاه الثاني، فكان الطرد الإكراهي للعنصر العربي الفلسطيني إلى خارج حدود القدس الغربية، والتي كانت فورية إبان النكبة حيث قدر عدد الفلسطينيين الذين هجّروا في حرب عام 1948 بنحو 98 ألف شخص.
واليوم، عدد أولئك اللاجئين الذين تعود أصولهم إلى تلك القرى ما يزيد عن 600 ألف نسمة، لا يوجد منهم في القدس الغربية سوى بضعة آلاف فقط.
تناقض بالهوية
وفي قرية عين كارم، أهم وأكبر قرى مدينة القدس الأقرب لدير ياسين والشاهدة على مجزرتها، تجدون تناقض الاحتلال بشكلٍ صارخ.
فالبيوت هناك فلسطينية بينما السكان مستوطنون، وفيها لليوم 7 أديرة وكنائس ومقبرة للمسيحيين وأخرى للمسلمين، فيما يلفت عمر إغبارية المختص في شؤون التهجير في القدس إلى أن البيوت والأحياء الفلسطينية بطرازها وهويتها العربية ما زالت موجودة.
ولكن الاحتلال يستخدم هذه الأحياء من منطلق استعماري استعلائي، "فهذه البيوت في عين كارم يتعاملون معها على أنها مثلًا جوهرة شرقية تركت لسببٍ ما، دون أن يشرحوا سبب تهجير الناس منها وتحملهم مسؤولية ذلك"، على حد وصف إغبارية.
وشكلت غربي المدينة مساحة وأهمية إستراتيجية للاحتلال، فكانت هذه النقطة بالنسبة لهم إطلالة على شرقي المدينة، ففيها شيد الكنيست الإسرائيلي والجامعة العبرية.
كذلك، سكن هذه المنطقة أبرز القادة العسكريين والسياسيين التابعين للاحتلال، ومنهم رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو. وعندما تولى يئير لابيد رئاسة الحكومة، وضع عينيه على أحد بيوتها الشهيرة.
قوانين احتلالية
رغم احتلال إسرائيل للمدينة وفرض سيطرتها عليها، إلا أن القضايا القانونية المتعلقة بملكية الأرض والمنازل المحتلة، شكلت عقبة في وجه إسرائيل حيث يملك الفلسطينيون الوثائق الأصلية المعترف بها لملكية هذه العقارات.
وأقرت إسرائيل قانون أملاك الغائبين، لمواجهة المعضلة القانونية ليسمح لها بمصادرة أملاك الفلسطينيين المهجرين، ويضمن حق منح اليهود الممتلكات العربية في القدس الغربية أمام المحاكم الإسرائيلية في مخالفة واضحة لقرارات الشرعية الدولية.
وأبرز دليل على ذلك، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتضمن لحق العودة للاجئين.
ويلفت المحامي إلياس خوري المختص في قضايا الملكيات في القدس، أن هذا الملف هو إشكال سياسي بحت ولا يمت للقانون بصلة إذ لا يمكن حله إلا بالطرق السياسية.
ومن بعد قانون أملاك الغائبين، أصدرت إسرائيل عام 1958 قانون التقادم والذي يلغي أي مطالبات فلسطينية بممتلكات محمية بموجب قانون الأراضي العثماني لعام 1858، والذي كانت سلطات الانتداب البريطاني تعتمده.
هذا الأمر، مكّن القانون الإسرائيلي من المطالبة بهذه الممتلكات على أنها أراضٍ تابعة لدولة إسرائيل.