السبت 16 نوفمبر / November 2024

حصيلة "ثقيلة" للثورة السورية.. النظام يحتفظ ببقائه ويضحّي بالشعب

حصيلة "ثقيلة" للثورة السورية.. النظام يحتفظ ببقائه ويضحّي بالشعب

شارك القصة

شتّتت الثورةُ السوريين في أصقاع العالم ما زادهم تمسّكًا بثورتهم ومبادئها، فيما عرقل نظام الأسد منذ انطلاق المسارات السياسية عام 2012 أي محاولة لدفع الحل السياسي.

بعد مرور عشر سنوات على الثورة السورية، تكاد الحصيلة تكون "ثقيلة"؛ فالنظام يبدو أكبر المنتصرين الخاسرين، هو الذي يحتفظ ببقائه ويضحّي بالباقي، أي الشعب والأرض والوحدة والسيادة، فيما المعارضة في المقابل، تفقد شعبيتها وتخشى انتهاء ثورتها.

لكن، إذا كان السوريون قد أصبحوا خلال عشر سنوات أقلّ الأطراف تأثيرًا على الأوضاع في بلادهم، فإنّ نَفَس الثورة عندهم لا يزال طويلًا، وقد ظهر بوضوح في مدينة إدلب الأسبوع الماضي، حيث تعالت الأصوات مجددًا تطالب بالحرية وإسقاط النظام.

وعلى مدى عقد من الزمن، شتّتت الثورةُ السوريين في جميع أصقاع العالم ما زادهم تمسّكًا بثورتهم ومبادئها بعد عشر سنوات قضوها لاجئين ومهجَّرين، في وضع فرضته ظروف الحرب التي حلّت ببلادهم.

"قصور" في المعارضة السياسية

لكنّ هذا الالتفاف الشعبي والثبات الثوري لا يعكس المشهد السياسي، فرئيس النظام السوري بشار الأسد الذي وجد فيما سُمّي محاربة الإرهاب ذريعة للبقاء في الحكم، وفي المظلة الروسية غطاء سياسيًا وعسكريًا ودوليًا، تسيطر قواته حاليًا على أكثر من 60% من الأراضي السورية ويستعد لتنظيم انتخابات رئاسية في مايو/ أيار المقبل من المرجّح أن يكون هو الفائز فيها.

ولعلّ ما حققه النظام سياسيًا يعود أيضًا إلى ما اعتُبِر قصورًا في المعارضة السياسية التي شكّلت تحالفًا لم يقدر على لمّ شمل التيارات السياسية والمستقلين والعمل من أجل هدف سياسي واحد، ولربما قد أظهر ذلك المعارضة السورية بأنها غير قادرة على التأثير أمام المجتمع الدولي وتقديم نفسها بديلًا محتملًا للنظام ولمستقبل سوريا السياسي.

وعرقل نظام الأسد منذ انطلاق المسارات السياسية عام 2012 أي محاولة لدفع الحل السياسي، وآخرها الجولة الخامسة من عمل اللجنة الدستورية، ويبدو أنّ إمكانية الاستنجاد بموسكو لفرض حلول في سوريا تحت غطاء أممي يأتي من خلال إدراك تام بأن القرار السياسي في دمشق لا يمرّ إلا عبر روسيا.

10 سنوات من المفاوضات والمحادثات للسلام

لا ينفصل هذا عن المسار السياسي الجديد للملف السوري الذي برز من الدوحة برعاية قطرية وروسية وتركية لعله يُخرِج الأزمة السورية من الجمود السياسي ويقطع مع سنوات من عسكرة الثورة وتحقيق مطالبها.

إلا أنّ هذا المسار يأتي بعد عشر سنوات من المفاوضات والمحادثات للسلام في سوريا لم تُخرِج السوريين من أزمتهم، ولم تستطع الأطراف السورية تجاوز انسداد آفاق المسار السياسي.

كانت البداية عام 2012، بعد أكثر من عام من اندلاع الثورة السورية، حين عُقِد مؤتمر جنيف 1 بمشاركة الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وتركيا وجامعة الدول العربية للاتفاق على مبادئ مرحلة انتقالية.

بعد عامين تقريبًا، فشل مؤتمر جنيف 2 في إحراز تقدم في المفاوضات بين وفدي النظام والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

تواصلت مؤتمرات جنيف للسلام إلى غاية 2017، حين فشلت أيضًا الجهود في الجولة الثامنة في عقد أي لقاءات مباشرة بين الطرفين المتفاوضين، حيث أصرّت المعارضة وقتها على تشكيل حكم انتقالي، الأمر الذي رفضه وفد النظام واعتبره شرطًا مسبقًا للتفاوض.

في شهر يناير/ كانون الثاني من العام نفسه، انطلقت محادثات أستانا للسلام في سوريا برعاية روسية وتركية وإيرانية، وأفضى المسار في الجولة الثانية على اتفاق على مناطق "خفض التصعيد"، إلا أنّ روسيا لم تلتزم ببنوده وواصلت عملياتها العسكرية.

لجنة دستورية سورية.. ولا تقدّم

دعت روسيا إلى حوار وطني سوري عام 2018، وعقدت نهاية شهر يناير مؤتمرًا في منتجع سوتشي بروسيا، لكن المعارضة السورية قاطعته، إلى جانب كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. إلا أنه اتُفِق على تأسيس لجنة لإعادة كتابة الدستور السوري، وتمّت دعوة لإجراء انتخابات ديمقراطية.

بعد خمسة أشهر، أعلنت الأمم المتحدة عن تشكيل لجنة دستورية سورية تضمّ ممثلين عن كلٍ من النظام والمعارضة والمجتمع المدني بهدف مراجعة الدستور والتوصل إلى حل سياسي ينهي النزاع العسكري المستمر.

وفي شهر يناير من العام الحالي، عقدت الجولة الخامسة إلا أنّ الأطراف السورية لم تحرز تقدّمًا بسبب رفض النظام الخوض في نقاش المضامين الدستورية.

كما شهدت العاصمة القطرية الدوحة خلال الشهر الحالي عملية تشاورية جديدة حول الملف السوري برعاية قطرية وتركية وروسية.

"المُنجَز الوحيد" للثورة السورية

ويرى الأكاديمي ومدير تلفزيون سوريا حمزة المصطفى أنه، بخلاف كل الثورات العربية الأخرى، لا تزال الثورة السورية دون أي منجز على المستوى السياسي.

ويوضح المصطفى، في حديث إلى "العربي"، أنه في مصر واليمن كان هناك محطات حصلت فيها بعض الإنجازات رغم الإخفاقات، "لكن المنجز الوحيد للثورة السورية حتى الآن هو أنها لم تُهزَم وأنها مستمرة".

وإذ يعتبر أنّ نضالات الشعب هي التي حالت دون هزيمة الثورة، يتحدّث عن مجموعة عوامل أثّرت على الثورة، أولها بنية النظام السوري الذي ماهى بين النظام والدولة وما بين النظام وشريحة اجتماعية وبين كل هؤلاء وشخصية الرئيس.

ويلفت إلى عامل ثانٍ، يتمثّل بطبيعة المعارضة السورية نتيجة هذا النظام الاستبدادي، حيث اقتصر عملها لسنوات على نوادٍ ليبرالية ويسارية تفتقد التأثير في الشارع، "ولم يكن هناك تواصل بين أطياف المعارضة، فبقيت أسيرة انقسامات".

أما العامل الثالث فيرتبط بطبيعة العمل المسلح، بحسب المصطفى، الذي يلفت إلى أن المعارضة لم تكن قادرة على تأطير هذا العمل المسلح فانحرفت مساراته بغياب قيادة وظهرت الحركات الإسلامية والجهادية ونقلت النضال من نضال من أجل الديمقراطية إلى قضايا أخرى.

"منعرجات" مرّت بها الثورة

من جهته، يتحدّث مدير مؤسسة الذاكرة السورية عبد الرحمن الحاج عن سلسلة "منعرجات" مرّت بها الثورة السورية وحوّلتها إلى ثورة مسلحة، من بينها صعود الإسلاميين وتدخل أطراف عديدة في مسار الثورة ومحاولات النظام حرف مسارها باتجاه طائفي.

ويلفت الحاج، في حديث إلى "العربي"، إلى وجود "خيبة أمل" لدى السوريين من "إخفاق" الثورة"، لكنه يشير إلى نقطة إيجابية تتمثّل في أنّ الأفكار الأولى وحتى المبادئ الأولى التي انطلقت منها الثورة عادت من جديد، "وقد رأيناها في الاحتفال الكبير الذي حصل في درعا البلد أمام الجامع العمري".

ويوضح أنّ المشاهد الاحتفالية الهائلة أعادت للذاكرة السورية أن المبادئ الأولى لا تزال حية، بمعنى أنه "رغم كل المنعطفات عادت الثورة تقريبًا إلى المربع الأول، بعدما انحصر المشهد الجهادي وظهر فشل النظام في التقدم على حساب الثورة".

وإذ يشير إلى أنّ الوضع الذي نحن فيه ربما ليس هو ما كانت تأمل فيه الثورة، يشدّد على أنّها "لم تفشل ولكن أسوأ ما حصل هو أن قرار سوريا أصبح تقريبًا شبه معدوم".

كيف كان يمكن تلافي المسار العنيف للثورة السورية؟

أما مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس سلام الكواكبي، فيعتبر أنه كان من الممكن تلافي المسار العنيف لو كانت طبيعة النظام مختلفة أولًا، ولو كانت طبيعة العنف الممارَس ضد المتظاهرين تنحصر في قمع المظاهرات المتعارف عليه في كل دول العالم.

ويشير الكواكبي، في حديث إلى "العربي"، إلى أنه كان يمكن تفادي هذا المسار العنيف أيضًا لو كانت المعارضة قادرة على تنظيم نفسها من البداية، لافتًا إلى أنّ هذا الأمر هو ما لم تنجح به، كما لم تنجح أيضًا في تأطير العمل المسلح واستخدام المسلح.

ويعتبر الكواكبي أنّ فشل المعارضة في تنظيم نفسها، تحت قيادة سياسية للعمل المسلح، أدى إلى فلتان العمل المسلح واستغلال القوى الإقليمية والدولية للأمر، وقد استفاد الإسلاميون "الظلاميون وغير المعتدلين" من غضّ النظر من قبل النظام عن توجهاتهم الظلامية بهدف استغلالها.

ويضيف: "نعرف كيف تمّ إرسالهم للعراق واستقطاب بعض قياداتهم ودسّهم في العمل المسلح في الثورة؛ ما أدى لتغيير هويتها الوطنية إلى النحو الذي وصلت إليه".

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close