الخميس 12 Sep / September 2024

حقائق قد تصدمكم.. هل يمكن لبلد ما "شراء" دولة أخرى؟

حقائق قد تصدمكم.. هل يمكن لبلد ما "شراء" دولة أخرى؟

شارك القصة

تصعب الإجابة بشكل قاطع عما إذا كان "شراء" دولة أخرى والاستحواذ عليها أمرًا ممكنًا من الناحية "التجارية" - غيتي
تصعب الإجابة بشكل قاطع عما إذا كان "شراء" دولة أخرى والاستحواذ عليها أمرًا ممكنًا من الناحية "التجارية" - غيتي
قد يكون "شراء" بلد لدولة أخرى فكرة غريبة أو "صادمة" للبعض، إلا أنّ الطرح الذي أثاره دونالد ترمب، قد لا يكون مستحيلًا، بناء على "سوابق" يشهد عليها التاريخ.

في أغسطس/ آب 2019، أثار الرئيس الأميركي حينها دونالد ترمب ضجة عارمة عندما انتشرت تقارير تفيد بأنه طلب من مساعديه البحث في إمكانية "شراء" غرينلاند من الدنمارك. 

فكما ذكرت قناة "فوكس نيوز"، أوضح ترمب أن ذلك سيكون "صفقة عقارية كبيرة ستفيد الدنمارك"، التي تقدم على ما يعادل مئات الملايين من الدولارات كل عام كدعم للجزيرة التي لا تزال جزءًا من المملكة الدنماركية.

وقال ترمب: "هم يتحمّلون خسارة كبيرة، ومن الناحية الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، سيكون ذلك لطيفًا للغاية".

حينها، سارعت رئيسة الوزراء الدنماركية آنذاك ميت فريدريكسن لرفض أي حديث من هذا القبيل، مشيرةً إلى أن غرينلاند التي أصبحت منطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل الدنمارك عام 1970، لديها برلمانها الخاص، ورئيس وزرائها الخاص.

واستنادًا إلى ذلك، شددّت على أن غرينلاند ليست من "ممتلكات" بلادها و"ليست للبيع"، مضيفة في تصريحات لصحيفة محلية: "غرينلاند ليست دنماركية. غرينلاند غرينلاندية. آمل ألا يكون هذا الكلام عن الشراء من باب الجدّ".

"سوابق تاريخية" وسياسة قديمة

لكن، إذا كان طرح ترمب "شراء" غريلاند واهتمامه به يبدو غريبًا وربما صادمًا لكثيرين، إلا أنّ ما قد يكون "صادمًا" فعلاً هو أنّ مثل هذا الأمر ليس مستحيلًا أو بعيدًا عن المنطق، بل إنّ ثمّة "سوابق تاريخيّة"، تجعله ممكنًا إلى حدّ بعيد.

فقد ضمّت الولايات المتحدة بالفعل العديد من أراضيها من خلال عمليات شراء مختلفة، من القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن العشرين، بما في ذلك شراء لويزيانا عام 1803، وصفقة عام 1867 لشراء ألاسكا من الحكومة القيصرية لروسيا. 

شيك بمبلغ 7،200،000 دولار أميركي، والذي اشترت الولايات المتحدة الأميركية بواسطته ألاسكا من روسيا - غيتي
شيك بمبلغ 7،200،000 دولار أميركي، والذي اشترت الولايات المتحدة الأميركية بواسطته ألاسكا من روسيا - غيتي

كما كان للولايات المتحدة صفقات شبيهة مع الدنمارك عبر التاريخ، حيث أبرمت صفقة مع الدولة الإسكندنافية حصلت على إثرها على ملكية عدد من الجزر المعروفة حاليًا بجزر العذراء، عام 1917.

وفي عام 1946، قدّمت إدارة الرئيس السابق هاري ترومان سرًا عرضًا لشراء غرينلاند من الدنمارك، بحسب ما ذكرت "الإذاعة الوطنية العامة".

وزير الخارجية الأميركي يسلم نظيره الدنماركي شيك بمبلغ 25.000.000 دولار مقابل شراء جزر العذراء – غيتي
وزير الخارجية الأميركي يسلم نظيره الدنماركي شيك بمبلغ 25.000.000 دولار مقابل شراء جزر العذراء – غيتي

هل يمكن فعلًا لأيّ دولة أن تشتري أخرى؟

مع ذلك، تأخذ الصفقة التي اقترحها ترمب عام 2019 بعدًا أكبر، كونه عرض شراء جزيرة تعدّ في واقع الأمر دولة منفصلة داخل دولة ولها سيادتها. فهل يمكن فعلًا لأي دولة أن تشتري دولة أخرى؟

تصعب الإجابة بشكل قاطع عما إذا كان الاستحواذ على دولة أخرى أمرًا ممكنًا من الناحية "التجارية"، وقد تتنوع الأسباب والظروف التي يمكن أن تدفع دولة إلى "شراء" بلد آخر لأسباب اقتصادية أو نتيجة اتفاقيات دبلوماسية.

ووفق موقع "هاو ستاف ووركس"، هناك مثال مؤرخ واحد على الأقل في هذا الإطار ويعود للقرن التاسع عشر، حيث عقد ملك بلجيكا ليوبولد الثاني ومجموعة من المستثمرين صفقات مع مئات من الحكام المحليين، بهدف الاستحواذ على حوض نهر الكونغو بأكمله تقريبًا.

حينها تمكنت المجموعة من الحصول على العديد من الأراضي عبر الشراء، وأعلنوا دولة الكونغو الحرة دولة مستقلة جديدة وليوبولد ملكًا عليها دون سواه.

ملك بلجيكا ليوبولد الثاني - غيتي
ملك بلجيكا ليوبولد الثاني - غيتي

كما تم الاعتراف بالدولة الجديدة من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية الأخرى في مؤتمر برلين في 1884-1885، ما منحها نوعًا من الشرعية.

لكن ليوبولد ما لبث أن أظهر وحشيته وجشعه كحاكم واستخدم البلاد لجمع وبيع العاج والمطاط والمعادن في حوض الكونغو العلوي، وأجبر العديد من الكونغوليين على العمل بصفة عبيد في مزارع المطاط.

استعباد واستغلال سكان كونغو الحرة - غيتي
استعباد واستغلال سكان كونغو الحرة - غيتي

وفي نهاية المطاف، تنامى الغضب الدولي من فظائع ليوبولد التي بحسب موقع "هاو ستاف ووركس" تسببت في انخفاض عدد سكان البلاد بأكثر من النصف، حيث مات أكثر من 5 ملايين إنسان، بحسب ما ينقل الإعلامي عارف حجاوي في إحدى حلقة برنامج "سيداتي سادتي".

حينها، أجبر الملك على نقل السلطة إلى الحكومة البرلمانية البلجيكية عام 1908، مقابل حصوله على نفقة شخصية قدرها 50 مليون فرنك بلجيكي، بالإضافة إلى تبرع بمبلغ 40 مليون فرنك لمؤسسة الملك وتحمل حوالي 63 مليون دولار أخرى على شكل ديون.

القانون الدولي

لكن، لحسن الحظ، شراء بلد بأكمله سيكون مسألة أكثر تعقيدًا اليوم، كما هو الحال بالنسبة لشراء أراضٍ كبيرة شبيهة بصفقات إقليم لويزيانا أو ألاسكا.

وفي هذا السياق، يوضح أستاذ كلية الحقوق جوزيف بلوشر أن "هذا النوع من الصفقات كان شائعًا جدًا، حتى إن القواعد التقليدية للقانون الدولي جعلت الأمر بسيطًا جدًا إذ كان على الدول المعنية فقط الاتفاق على السعر، بشكل أساسي".

لكن المشهد القانوني تغيّر بالكامل في القرن الماضي على الساحة الدولية، بحيث لم تعد القواعد القديمة تطبّق بالطريقة نفسها اليوم، وفق بلوشر.

والأهم من ذلك، ظهور مبدأ تقرير المصير الذي يشدّد على أن تكون عملية بيع الأراضي المأهولة بالسكان شرعية وأن تستند إلى موافقة السكان الذين يعيشون في تلك الأراضي. 

لذلك، حتى لو امتلكت الدنمارك غرينلاند من الناحية التقنية، إلا أن لسكان غرينلاند الكلمة الفصل في تقرير مصير أرضهم.

وفي مقاربة أخرى، يتحدث كبير المستشارين السابقين لمدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية جورج ميسون، عن أنه من الأسهل والأرخص طرح فكرة استئجار الأرض أو الاستثمار بأجزاء منها لبناء قواعد العسكرية، أو إبرام صفقات اقتصادية بشأن حقوق استخراج الثروة المعدنية.

ويخلص إلى أنّه "لا معنى لشراء وبيع البلدان من الناحية الاقتصادية، فهنالك طرق أكثر فعالية للحصول على الأشياء التي نريدها".

تابع القراءة
المصادر:
العربي - ترجمات
Close