أحال النائب العام مراسل "العربي" في موريتانيا محمد عبد الله ممين، إلى الغرفة الجزائية في محكمة الجنح في ولاية نواكشوط الغربية، من دون تحديد موعد للمحاكمة.
وتأتي هذه الإحالة بعد إخضاع ممين للتحقيق على مدى أيام متتالية، في مخفر للشرطة في مقاطعة السبخة بالعاصمة نواكشوط.
وبدأت قصة ممين مراسل "العربي" حاليًا، والمراسل السابق لعدة قنوات وصحف عربية ودولية، يوم 8 فبراير/ شباط الجاري، حين استدعته الشرطة على أساس تدوينة كتب فيها شهادة لمصورَين اثنَين يعملان معه، نقلا فيها تعرضهما للاعتداء من قبل شخص وصفه أحد الشهود بأنه قائد عصابة.
وأصرّت الشرطة على أنه مجرد شخص "مختل عقليًا"، وإن أثبتت محاضرها أنه صاحب سوابق ويتعاطى المخدرات.
وزعمت الشرطة أن ما كتبه الإعلامي ممين غير صحيح، لتتحول التهمة، على لسان النائب العام، إلى "عدم الدقة"؛ وهي تهمة يقول محاميه إنها تتناقض مع توجيه تهمة الاعتداء لصاحب السوابق المذكور الذي اعتقلته الشرطة، رغم زعمها بأنه مختل.
ممين: لدي تسجيلات من الشهود
وأوضح ممين، في تسجيل مصوّر انتشر على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، أنه "سعى إلى لفت أنظار السلطة إلى قضية زميلَيه من باب التنوير ونقل الأخبار حرفيًا من أشخاص يثق فيهم"، مؤكدًا أن لديه تسجيلات من الشهود وأن الشهود نقلوا للشرطة الشهادات نفسها من دون تحريف.
وحاولت السلطات في مخفر الشرطة وداخل القضاء تجاوز القضية عبر دفع ممين إلى الاعتذار، لكنه رفض مستندًا إلى ممارسة واجبه المهني والأخلاقي في نقل المعلومة وحماية أمن زملائه. وتوالت بعد ذلك ضغوط كبيرة من جهات مختلفة، بغية التراجع عن فحوى التدوينة لطي الملف، لكن ممين أصر على عدم التنازل عن رأيه.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي وأوساط الصحافيين تفاعلًا كبيرًا مع "ملف" الصحافي ممين، "الذي يفتقر إلى أي مضمون يمكن الركون إليه قضائيًا"، بحسب محامين وإعلاميين اعتبروا أن "ما يحصل يمثل تراجعًا خطيرًا للحريات العامة وتهديدًا لحرية الرأي والتعبير".
"تهمة غير واضحة المعالم"
وفي هذا الصدد، اعتبر وزير الإعلام الموريتاني السابق والمحامي محمد أمين أن التهمة الموجهة إلى مراسل "العربي"، "غير مؤسسة وغير واضحة المعالم، وهي بث أخبار غير دقيقة. وكان جواب المشتبه به في منتهى الصرامة والدقة: لقد كتبت عن أخبار نقلها لي صحافيون.. لا أكثر ولا أقل".
وفند الوزير ولد أمين التفاصيل، شارحًا أن الرجلَين اللذين سرد محمد عبد الله ممين روايتهما أكدا ما ذهب إليه، وعلى الرغم من أن الشرطة زعمت أن الشخص الذي هدّد الفريق الصحافي مختل عقليًا، قررت النيابة متابعته بتهمة التهديد.
وفي بيانات وتصريحات وتدوينات ومقالات مختلفة، ندّدت جمعيات ونقابات وروابط صحافية وصحافيون مستقلون ومدونون، من داخل موريتانيا وخارجها، بـ"استهداف وترهيب الإعلامي محمد عبد الله ممين".
وقال الإعلامي والأكاديمي السوري رياض معسعس، في تسجيل صوتي تم تداوله على نطاق واسع: إنه يأسف لما حصل مع "أحد كبار الصحافيين العرب في مجال الإذاعة والتلفزيون".
وندّد خالد الديب، المدير السابق لمكتب "الجزيرة" في ليبيا، بتعرّض ممين لما أسماه "حملة تشويه وصلت إلى حد التشكيك في وطنيته"، واصفًا ذلك بـ"الأمر الخطير"، الذي يسعى من يقف وراءه إلى "تصفية حسابات لا علاقة لها بما هو معلن".
"للبحث عن العصابات وترك الأبرياء"
ورأت الإعلامية الموريتانية منى بنت الدي أن "على الشرطة والأمن الوطنيين البحث عن عصابات الحرابة وترك الأبرياء في سلام"، مبدية تضامنها مع ممين وفريقه.
وعبّر الصحافي اللبناني علي شندب عن التضامن مع ممين، "الذي عرفته مناضلًا بالكلمة والموقف والمهنية".
كما كتب الأكاديمي أحمد نافع في موقع "الفكر"، معتبرًا أن ممين ممن يستحقون الاحتفاء والتكريم نظير ما قدموه للبلد بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
وتساءل الإعلامي الموريتاني محمد فال "إن كان الإمعان في إهانة مراسل دولي وسفير لوطنه في مجال الكلمة يخدم سمعة البلد".
كما استذكر مؤلف كتاب "يوميات اغوانتنامو" الكاتب محمدو ولد صلاحي تجربته يوم كان معتقلًا، حيث لم تمنع المخاوف من المتابعات الأمنية المحلية والأميركية الصحافي ممين من متابعة قضيته والإضاءة عليها.
أما الأستاذ الجامعي الدكتور ابوه ولد بلبلاه، فأبدى تضامنه مع ممين في وجه "الحملات المغرضة التي تُشن ضده منذ فترة".
"يدفع ضريبة نقل الحقائق"
وكتب الصحافي محمد تقي الله الادهم مشيدًا بأخلاقيات ومهنية ممين، فيما استنكر الصحافي الليبي عثمان الطيف إجراءات الجهات الشرطية والقضائية في موريتانيا، مناشدًا المسؤولين المعنيين "ضرورة معالجة الموقف بما يكفل رد اعتبار الزميل محمد ممين".
كما استغرب الصحافي والبرلماني السابق احمدو ميح تجاهل العشرات من التدوينات، التي تنتهك القانون، ليُلاحق ممين على تدوينة نقل فيها رواية شاهدان يعملان معه ويثق بهما.
وحول بعض التسريبات التي شملت فيديوهات وصورًا تتصل بالتحقيق ووثائق القضاء الخاصة بهذا الملف، كتبت عزيزة البرناوي: هل سيطبق القانون على المواقع الإلكترونية التابعة للشرطة، والتي تنشر المحاضر والوثائق قصد تشويه المستهدفين من طرف الأجهزة الأمنية؟.
أما المدون حسن امبيريك، فاعتبر أن سبب المضايقات التي يتعرض لها ممين، هو تنديده في تدوينة له بالضرب والتنكيل الذي تعرّضت له مجموعة من النساء أمام مستشفى أمراض القلب على يد الشرطة، أيام مرض الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، كما تضمن تقريره التلفزيوني الذي بُث قبل ذلك لقطات من عمليات الضرب والسحل. وقد أثار ذلك غضب المخابرات والموالين للنظام. واعتبر أن ممين يدفع ضريبة نقل تلك الحقائق.