أُزيح أخيرًا النقاب عن اسم تلك الدولة التي كان يُشار إليها بالرمز "S"، خلال اجتماعات الحكومة البريطانية بشأن سياسات الهجرة. إنها رواندا في إفريقيا، التي زارتها وزيرة الداخلية البريطانية لتوقع اتفاقًا بالأحرف الأولى مع نظيرها الرواندي.
ويقضي الاتفاق بأن تصبح هذه الدولة محطة انتظار أو توطين للمهاجرين وطالبي اللجوء، الذين يعبرون المانش نحو المملكة المتحدة. وفي المقابل، تتلقى كيغالي نظير هذا التوطين ما يصل إلى 120 مليون جنيه إسترليني.
أثر رجعي
وكشف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن الاتفاق يسري بأثر رجعي على المهاجرين غير النظاميين، الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة منذ مطلع هذا العام.
ويثير هذا الاتفاق جدلًا بشأن توقيته والدوافع التي تقف خلف إبرامه، وطرفه الآخر كيغالي. فمن حيث التوقيت، يتزامن الاتفاق مع ضغوط وانتقادات يتعرض لها جونسون على خلفية الغرامات المفروضة عليه من جراء خرقه قواعد الإغلاق المرتبطة بكوفيد. ويعده سياسيون معارضون محاولة لصرف الأنظار عن تلك العقوبات.
وتظهر الخطة كذلك، بحسب وزير اسكلتندي، أن حكومة جونسون "عنصرية" على الصعيد المؤسسي، لافتًا إلى أنها تمنح حق اللجوء للأوكرانيين الفارين من الحرب، لكنها ترسل لاجئين آخرين بعيدًا لمعالجة طلباتهم.
وعلى الصعيد الحقوقي، انتقدت منظمات الاتفاق. فذكّرت "العفو الدولية" جونسون بأن بريطانيا استقبلت عددًا قليلًا من طالبي اللجوء مقارنة بالدول الأخرى. أما منظمة "ريفيوجي أكشن" فتصف الخطة بـ"القذرة"، وتقول إن اتفاق المال مقابل البشر غير إنساني.
وتشير تلك المنظمات إلى سجل رواندا الحقوقي، الذي تصفه بالسيء. وتذكر جونسون بأن حكومته تمنح حق اللجوء للروانديين الفارين من الاضطهاد السياسي، فكيف يرسل إلى رواندا اللاجئين الفارين إلى بريطانيا من الحروب والاضطهاد؟
"موقف براغماتي"
تعليقًا على التطورات، يلفت عضو حزب المحافظين البريطاني وفيق مصطفى إلى أن بريطانيا استقبلت مئات الآلاف من اللاجئين؛ من إفريقيا وأفغانستان وأكراد العراق وسوريا.
ويرى في حديث إلى "العربي" من لندن، أن من القاسي جدًا تصوّر أن بريطانيا لم تستقبل الناس.
وينفي أن تكون بريطانيا عبر الاتفاق مع رواندا تقوّض مبادئ اتفاقية عام 1950، لافتًا إلى أن عصابات تهريب البشر لم تكن موجودة عام 1950، بل ظهرت في السنوات العشر الأخيرة وتلك مشكلة كبيرة.
ويشير إلى أنه ذهب إلى كاليه، وشاهد أناسًا هناك، لا يريدون الذهاب إلى أوروبا والمجيء إلى إنكلترا لأسباب اقتصادية. ويعرب عن اعتقاده بأن موقف بريطانيا، براغماتي رغم حساسيته.
وينفي اعتقاده بأن هناك سياسة كيل بمكيالين إزاء الفارين من حرب أوكرانيا والفارين من الاضطهاد والحروب من بلدان أخرى، مشددًا على أن "ما من عملية تجارة سفر البشر من أوكرانيا، فالموضوع واضح والدولة ديمقراطية".
"الحل بوقف العصابات"
بدوره، يوضح الكاتب في صحيفة "التايمز" البريطانية مايكل بنيون، أن بريطانيا تدفع الآن مبلغًا كبيرًا جدًا لرعاية طالبي اللجوء، ثم يُقال إنهم سيُعادون إلى رواندا لتتم إجراءاتهم هناك؛ وهؤلاء الذين يمكنهم اللجوء قد يبقون في رواندا، ومعظمهم لم يسمعوا بها وليست لديهم النية بأن يكونوا فيها.
ويردف في حديثه إلى "العربي" من لندن: "هذا صعب جدًا أن يوافق عليه البرلمان، وسيكون إرسالهم مرة أخرى إلى هناك أمرًا مكلفًا".
وينفي أن تكون الكلفة هي السبب الوحيد لانتقاد الاتفاق، بل أحد الأسباب التي من بينها أن بريطانيا لا تأخذ مسؤولياتها على محمل الجد للتعامل مع طالبي اللجوء.
ويقول إن كل أوروبا الغربية وقعت على المعاهدات الدولية لإيواء طالبي اللجوء، والمشكلة أن الكثير منهم ليسوا لاجئين سياسيين أو هاربين من الحروب، بل شباب صغار يبحثون عن حياة أفضل.
ويعتبر أن الحل هو في وقف عصابات الإتجار بالبشر عن القيام بجني الأموال من ذلك، وكذلك من الأفضل إقناع الأشخاص بالبقاء في بلدانهم، لا سيما إن كانوا مهاجرين إقتصاديين.
"مخالفة لأحكام القضاء"
من جانبه، يعتبر المحامي والمستشار في قضايا اللجوء والهجرة باسم سالم أن بريطانيا وقبل التفكير بإبرام اتفاقية جديدة، الأولى بها أن تلغي اتفاقيتها مع الأمم المتحدة والتي تقضي باستقبال طالبي اللجوء والمهاجرين.
ويشدد في حديث إلى "العربي" من باريس، على أن الاتفاقية مع رواندا مخالفة لأحكام القضاء البريطاني ولأحكام مجلس اللوردات في البلاد.
ويسأل: كيف يمكن لبريطانيا أن تنشئ مكتبًا لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين شمال فرنسا، فهل هؤلاء هم لاجئون شرعيون؟ هل تقدموا إلى السفارات البريطانية في فرنسا أو في أوكرانيا، وحصلوا على الموافقة باللجوء؟".
ويردف: "لا، هم مهاجرون غير شرعيين، وبريطانيا فتحت لهم مكتبًا شمال فرنسا لاستقبالهم وترحيلهم إلى بريطانيا. وبالتالي نحن أمام معضلة قانونية".
ويتوقف عند تذرّع الحكومة البريطانية بالهجرة الاقتصادية، داعيًا إلى تطبيق القانون والنظر بالطلب، فإذا ما كانت الهجرة اقتصادية يتم رفض الطلب وإعادة اللاجئ إلى البلد الذي أتى منه.
ويؤكد أنه "لا يمكن نقل هذه المسؤولية بشكل كامل إلى رواندا لتقرر ما إذا كانت الهجرة اقتصادية أم لا، وإذا ما كان اللاجئ سيبقى على الأراضي الرواندية أم سيتم ترحيله إلى البلد الذي جاء منه أم البلد الثالث".