Skip to main content

خلط للتحالفات وتوافق بين الخصوم.. الفراغ يراوح مكانه في رئاسة لبنان

الثلاثاء 20 يونيو 2023

يراوح الفراغ مكانه على كرسي الرئاسة اللبنانية بعدما سجّلت القوى السياسية فشلًا جديدًا في انتخاب رئيس للبلاد، في الجلسة الثانية عشرة اليتي خرج منها النواب خالي الوفاض مرّة أخرى، بعد ثمانية أشهر على الشغور.

في القراءة السياسية لنتائج الجلسة الأخيرة، خلط للأوراق وللتحالفات وتوافق بين الخصوم، مقابل تباعد المواقف بين الحلفاء السياسيين، فحزب الله والتيار الوطني الحر وجدا نفسيهما في موقف لا يشبه الانتخابات السابقة التي أوصلت سابقًا ميشال عون إلى سدّة الرئاسة.

وفي التفاصيل، يصرّ حزب الله على ترشيح حليفه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وهو الخيار الذي يرفضه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي أعلن من جهته، تبنّي ترشيح وزير المالية الأسبق جهاد أزعور إلى جانب خصمه اللدود القوات اللبنانية.

إلا أنّ هذه التركيبة الجديدة من التحالفات التي وضعت الكتل المسيحية في وجه ما يُعرَف لبنانيًا بـ"الثنائي الشيعي"، أي حزب الله وحركة أمل، أفرزت انقسامًا في الأصوات خلصت في الجلسة الأخيرة إلى حصول جهاد أزعور على 59 صوتًا مقابل 51 صوتًا لفرنجية.

سيناريو الفراغ المطوّل.. الاحتمال الأكبر

وتنذر نتيجة جلسة الانتخاب الأخيرة بزيادة ترسيخ الجمود السياسي مع عدم حصول أيّ فريق على أكثرية تمكّنه منفردًا من إيصال مرشحه إلى المنصب، ليبقى بالتالي سيناريو الفراغ المطوّل هو الاحتمال الأكبر في الوقت الراهن وهو خيار كارثي للبنان.

فعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يعيش فيها لبنان هذا النوع من الفراغ إلا أنها المرة الأولى التي يأتي بها في ظل أزمة اقتصادية وتفاقم للوضع المعيشي للسنة الثالثة على التوالي.

وفي ضوء هذه التحديات، يرى البعض أنّ نتائج الدورة الأخيرة وشبه استحالة حصول مرشح ما على 86 صوتًا من الدورة الأولى، كلّها عوامل قد تدفع الأطراف مرغمين غير مخيّرين إلى البحث عن اسم توافقي ثالث غير فرنجية وأزعور.

وانطلاقًا من ذلك، تتّجه الأنظار إلى الحركة الخارجية حول الملف الرئاسي اللبناني بانتظار توافقات إقليمية ودولية لا تلوح في الأفق المنظور، فهل من حلّ مرتقب؟ وهل الأزمة في لبنان هي سياسية، أم أنّها أزمة نظام بالدرجة الأولى؟

جهات تريد أن "تَرِث" الوصاية السورية في لبنان

بحسب الصحافي والكاتب السياسي داوود رمال، فإنّ الطبقة السياسية اللبنانية اعتادت منذ التسعينيات، أي منذ زمن دستور الطائف إلى اليوم، على الإدارة الخارجية للوضع الداخلي اللبناني، التي لطالما كانت تحسم هوية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتركيبة الوزراء وحتى موظفي الفئة الأولى.

ويوضح في حديث إلى "العربي"، من بيروت، أنّ هذه الطبقة السياسية اعتادت على التدخل الخارجي، وأكثر من ذلك، هي متكافلة ومتضامنة عند كل استحقاق على اختراع أزمة، بحيث تحوّل هذه الأزمة إلى بضاعة تعرضها على الأشقاء العرب والمجتمع الدولي لعلّهم يتدخلون ويشترون هذه الأزمة بحيث يأتون بهم إلى مؤتمر شبيه بمؤتمر الدوحة عام 2008.

لكنّ مشكلة المنظومة الحاكمة في لبنان اليوم، وفق رمال، أنّ المجتمع العربي والدولي غير مهتمّ بشراء بضاعة خلافاتها لكي يجد الحلول لها، لأنّ الاهتمامات العربية والدولية أصبحت في مكان آخر، على حدّ وصفه.

في القراءة السياسية لنتائج الجلسة الأخيرة، خلط للأوراق وللتحالفات وتوافق بين الخصوم، مقابل تباعد المواقف بين الحلفاء السياسيين

وإذ يعتبر أنّ المشكلة الجوهرية في لبنان تبقى في عدم تطبيق دستور الطائف منذ إقراره حتى اليوم، بمعنى أنّه لو طُبّق دستور الطائف، لما كنّا نعيش تناسلاً لهذه الأزمة الممتدّة منذ التسعينيات إلى اليوم، يرى أنّ محاولة فريق معيّن فرض إرادته الرئاسية على فريق آخر، هي محاولة فاشلة في وقتنا الحاضر.

ويلفت إلى أنّ من يرشح الوزير السابق سليمان فرنجية، وتحديدًا ثنائي حزب الله وحركة أمل، لطالما كان يقول إنّه يسير بما يتفق عليه المسيحيون، لكنّه يرفض تطبيقه اليوم. ويخلص إلى أنّ هناك جهات في لبنان تريد أن تفرض إرادتها في كل شيء، وبمعنى آخر، أن "تَرِث" الوصاية السورية في كلّ شيء.

معارضة "حقيقية" تواجه "حزب الله".. هل تصمد؟

من جهتها، ترى الأكاديمية والكاتبة السياسية منى فياض أنّ الانتخابات الرئاسية هذا العام تختلف عن الانتخابات السابقة، موضحة أنّ ما جرى من فشل في انتخاب رئيس كان سببه أنّ هناك معارضة حقيقية الآن.

وإذ تتمنى في حديث إلى "العربي"، من بيروت، أن تستكمل المعارضة ما بدأته من اعتراض على فرض حزب الله للمرشح الذي يريده كما اعتاد أن يفعل منذ العام 2005، تعتبر أنّ على هذه المعارضة أن تظلّ على موقفها، مستندة إلى دعم الشعب اللبناني، من دون الاعتماد على الخارج.

وفيما تعتبر أنّ هذا الحراك لن يسمح لحزب الله بفرض مرشحه الرئاسي، تعرب عن اعتقاده بأنّ المعارضة أيضًا لن تستطيع أن تفرض مرشحها لأنّ ما نجح به "حزب الله" هو أنّ لديه كتلة تحتكر التمثيل الشيعي، وبالتالي لا يمكن أن تبقى طائفة خارج الاتفاق على رئيس الجمهورية.

وتخلص إلى أنّ الأمور ذاهبة حكمًا نحو الاتفاق على اسم من الأسماء المطروحة بإشراف إقليمي ودولي، إلا أنّ ذلك يتطلب برأيها المزيد من الصمود في المعارضة لمنع وصول مرشح حزب الله، إلا إذا حصل "حدث أمني كبير"، على حدّ وصفها.

وتلفت في هذا السياق إلى دور السعودية الذي لا يبدو أنّه يتراجع بخلاف البروباغندا التي وصلت بالبعض لحدّ القول إنّ "51 صوتًا أكبر من 59 صوتًا"، مشدّدة على أنّ السعودية تستطيع أن تساعد المعارضة على الصمود، كما يمكنها أن تضغط أو أن تتحدث مع إيران لتقبل بالضغط على حزب الله لتليين موقفه.

هل تُطوى صفحة فرنجية وأزعور؟

أما الأكاديمي والباحث السياسي فادي الأحمر، فيعرب عن اعتقاده بأنّ ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية "أصبح ساقطًا"، بخلاف ترشيح جهاد أزعور، لأنّ فرنجية هو "من المنظومة"، وليس مرشح التسوية الذي يطالب به كل الأطراف الداخلية والخارجية.

ويوضح في حديث إلى "العربي"، من مرسيليا، أنّ فرنجية جزء أساسيّ من منظومة الفساد ومن محور حزب الله وسوريا، كما أنه صديق شخصي لرئيس النظام السوري بشار الأسد، في حين أنّ أزعور، ولو كان وزيرًا سابقًا في مرحلة معيّنة، إلا أنّه وصل إلى وزارة المالية لأنّه كان موظّفًا في تلك الوزارة، وكان وزيرًا تقنيًا ولم يكن يومًا في جو تحدٍ لأحد.

ويلفت الأحمر انطلاقًا من ذلك، إلى أنّ ترشيح أزعور لم يسقط، ولا سيما أنّه موظف كبير في صندوق النقد الدولي وهو خبير في الشؤون المالية، وبالتالي هو قادر على مساعدة لبنان لإخراجه من أزمته، ما يعني أنّه "رجل المرحلة"، على حدّ وصفه.

وإذ يرى الأحمر أنّ انتخاب الرئيس أصبح خارجيًا أكثر منه داخليًا، إذ انتهت مرحلة القدرة على انتخاب الرئيس داخليًا، يشير إلى أنّ الخارج باستثناء فرنسا التي تبنّت سليمان فرنجية لأنّ "لديها مصالح مع حزب الله ومن خلفه إيران"، وفق تعبيره، يميل أكثر باتجاه أزعور، مع عدم القدرة على تسويق فرنجية.

المصادر:
العربي
شارك القصة