في ذروة جائحة كوفيد 19، اقترح نفتالي بينيت، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، أن يتمّ الاستعانة بشركة "إن إس أو" المصنّعة لبرامج التجسّس العسكرية لتعقّب حركة الإسرائيليين للمساعدة في احتواء انتشار المرض.
آنذاك، لم يُقبل اقتراح بينيت، لكنّه "كشف العلاقات الوثيقة التي تربط شركة "إن إس أو" (NSO) الإسرائيلية بمبيع برامج مراقبة عسكرية لأنظمة قمعية حول العالم، تربطها علاقات رفيعة المستوى مع إسرائيل"، وفقًا لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وأوضحت الصحيفة أنه في السنوات الأخيرة، أصبح برنامج "بيغاسوس" (Pegasus)، الذي تطوّره الشركة الإسرائيلية "جزءًا مهمًا من التواصل الدبلوماسي الإسرائيلي"، إذ إن بيعه إلى دول العالم يحتاج إلى ترخيص من الحكومة الإسرائيلية التي تعتبره "سلاحًا".
وكشف تحقيق موسّع أجرته 17 وسيلة إعلامية دولية، الأحد الماضي، تحت اسم "مشروع بيغاسوس" (The Pegasus project)، بأن البرنامج سمح بالتجسّس على ما لا يقلّ عن 180 صحافيًا و600 شخصية سياسية و85 ناشطًا حقوقيًا و65 صاحب شركة في دول عدة.
وشرح إيتاي ماك، محامٍ إسرائيلي متخصّص في مجال حقوق الإنسان يدفع منذ سنوات باتجاه إلغاء رخصة التصدير الخاصّة بالبرنامج، أنه "منذ الخمسينيات من القرن الماضي، استخدمت إسرائيل مبيعات الأسلحة لتحقيق مكاسب دبلوماسية، والشيء الوحيد الذي يتغيّر هو أسماء الدول"، مضيفًا أن "السؤال الآن يتمحور حول إمكانية حصول بعض التغيير في سياسة التصدير".
"اللعبة التي يريدها الجميع"
في السنوات الأخيرة، حثّت إسرائيل دول خليجية مثل الإمارات والبحرين والسعودية على تحسين العلاقات الثنائية، من خلال تقديم تعاون أمني سري ضد "الأعداء الإقليميين المشتركين".
وبالتزامن مع هذا التقارب، قامت مجموعات مثل منظمة العفو الدولية و"سيتيزن لاب" بتتبّع عمليات الاختراق المتزايدة بواسطة "بيغاسوس" لهواتف صحافيين ومعارضين وناشطين في جميع أنحاء المنطقة.
ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن أحد الأشخاص المشاركين بالترويج لمنتجات "إن إس أو" قوله: "إنها مثل اللعبة التي يريدها كل ضابط مخابرات".
لكن انتشار برنامج التجسس لم يقتصر على دول خليجية، حيث كشف "مشروع بيغاسوس" عن اختراقات في المجر والهند ورواندا، حيث سعى رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إلى إقامة تحالفات مع زعمائها اليمينيين.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ إسرائيل تجاهلت لسنوات الدعوات الأممية والدولية الداعية لفرض حظر على مبيعات برامج التجّسس وتنظيمها عن كثب.
لكنّ، على الرغم من ذلك، نفى الرئيس التنفيذي للشركة شاليف هوليو، في تصريح للصحيفة، أن تكون منتجات الشركة قد استُغلّت من قبل إسرائيل في الخارج. وقال: "نحن لسنا أداة دبلوماسية للحكومة الإسرائيلية. نحن شركة تجارية، والمساهمون لدينا هم شركات مساهمة خاصة في المملكة المتحدة"، في إشارة إلى شركة "نوفالبينا كابيتال".
"الحكومة حريصة على مساعدتهم"
يقول أولئك الذين يواجهون النفوذ الذي تتمتّع به "إن إس أو" في إسرائيل: إن الشركة تتمتع بدعم قوي من الدوائر القانونية والسياسية الإسرائيلية.
واستشهدت الصحيفة في ذلك، بأن القضاء الإسرائيلي أمر بحظر نشر على قضية نشطاء حقوقيين مكسيكيين، حتى يتمّ النظر في الدعوى المرفوعة ضد الشركة سرًا. كما يُشرف قاضٍ ذو خلفية في الاستخبارات العسكرية على قضية رفعها معارض سعودي صديق للصحافي جمال خاشقجي ضدّ الشركة.
وقال علاء محاجنة، المحامي الرئيسي في القضيتين، لصحيفة "فايننشال تايمز": "الانطباع الأولي يُرجّح أن الحكومة الإسرائيلية حريصة على مساعدة الشركة، خاصّة عندما يتعلّق الأمر بإبقاء النقاش بعيدًا عن أي تدقيق عام".
وأضاف: "يجب أن تتحمّل الشركات المسؤولية عن التكنولوجيا الخطرة التي تبيعها، ولكن الطريقة الأكثر فاعلية هي الوقاية، وللأسف، وحدها وزارة الدفاع الإسرائيلية يمكنها فعل ذلك".
الشركة تُقرّ بعلاقتها مع الحكومة
وفي تناقض مع نفي الرئيس التنفيذي للشركة، لم تُخفِ "إن إس أو" علاقاتها مع الحكومة الإسرائيلية. ففي عام 2019، جادل محاموها في قضية قضائية بأن الكشف عن قائمة عملائها "سيُضرّ بشكل كبير بالعلاقات الخارجية للدولة".
وفي ملف منفصل، قالت الشركة أيضًا: إن الحكومة الإسرائيلية نفسها تستخدم برنامج "بيغاسوس"، وأن العديد من موظفيها ينتمون إلى وحدات النخبة في المخابرات العسكرية.
ووظّفت الشركة مستشارين غربيين ذائعي الصيت، بمن فيهم توم ريدج، وزير الأمن الداخلي الأميركي السابق، ولفترة وجيزة جولييت كاييم، مساعدة في وزارة الأمن الداخلي. ويرأس قسم العلاقات العامة في الشركة مراقب سابق في الجيش الإسرائيلي.
وذكر شخصان مطلعان على الملف للصحيفة، أن الحكومة الإسرائيلية "تتدخّل أحيانًا لتوجيه مبيعات الشركة، خاصّة بعد فضائح بارزة".
من جهته، شدّد شاي أسبريل، المؤلف والصحفي الاستقصائي الذي كشف لأول مرة عن التكنولوجيا السرية للشركة عام 2012، على أن "لإسرائيل أهدافًا دبلوماسية معينة، ويمكن أن تتداخل مصالحها ومصالح هذه الشركات التجارية في بعض الأحيان".