في ختام المؤتمر الدولي لدعم الاستجابة الإنسانية لأفغانستان الذي نظّمته الأمم المتحدة الخميس، تعهّد المانحون بتقديم 2,44 مليار دولار لأفغانستان التي تواجه انهيارًا اقتصاديًا وأزمة إنسانية خطيرة.
وعلى الرغم من أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ناشد الدول المانحة تقديم التمويل العاجل والمرن وغير المشروط لأفغانستان بسبب الحالة الإنسانية المتردية فيها، إلا أن المبلغ المذكور يزيد قليلًا فقط عن نصف الأموال التي كانت المنظمة الدولية تأمل جمعها.
إذ كانت الأمم المتحدة تأمل جمع 4,4 مليارات دولار خلال هذا الحدث الذي نظّمته عبر الفضاء الافتراضي برعاية حكومات قطر وبريطانيا وألمانيا وإيرلندا، ما كان سيعني الحصول على ثلاثة أضعاف المبلغ الذي طلبته العام الفائت بهدف "إنهاء دوامة الموت" في البلد المنكوب.
غوتيريش ينقل الواقع المرير للمانحين
وكشف غوتيريش في كلمته خلال المؤتمر أنّ "مليون طفل يعانون سوء التغذية الحادّ هم على وشك الموت"، في محاولة لإقناع الجهات المانحة بزيادة تعهّداتها لتلبية أكبر نداء لجمع الأموال تطلقه الأمم المتّحدة في تاريخها من أجل دولة واحدة.
وحذر من أنّه "دون اتخاذ إجراءات فورية، سنواجه أزمة جوع وسوء تغذية في أفغانستان"، موضحًا أنّ البعض "يبيعون أطفالهم وأعضاء من أجسامهم لإطعام عائلاتهم".
ولفت إلى أنّ "الدول الغنية والنافذة لا يمكنها تجاهل عواقب قراراتها على الأكثر ضعفًا".
وجاء تصريح الأمين العام في أعقاب دعوات متكررة من الأمم المتحدة منذ أشهر إلى تخفيف العقوبات الغربية المفروضة على كابل منذ عودة طالبان إلى السلطة.
حيث جمّدت واشنطن حوالي 9,5 مليارات دولار من البنك المركزي الأفغاني منذ أغسطس/ آب، وفي فبراير/شباط الماضي وقع الرئيس الأميركي جو بايدن أمرًا تنفيذيًا يسمح لبلاده بالتصرف في 7 مليارات دولار من أموال البنك المركزي الأفغاني مودعة لدى مؤسسات مالية أميركية، وتخصيص نصفها لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
كما حذّر غوتيريش من أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية أيضًا جراء الحرب الحالية في أوكرانيا، ينذر بكارثة لكل من الأفغان وعمليات المساعدة التي تقوم بها المنظمة.
وتابع أن "95% من السكان ليس لديهم ما يكفي من الطعام، و9 ملايين شخص معرضون لخطر المجاعة".
The humanitarian situation in Afghanistan has deteriorated alarmingly in past months. 9 million people are at risk of famine. The economy has effectively collapsed. I call on donors to fund our appeal urgently so that the UN & partners can continue to deliver lifesaving aid.
— António Guterres (@antonioguterres) March 31, 2022
"خيبة أمل" ودعوة للتلاقي
من جهة ثانية، عقد مؤتمر المانحين هذا بعد أسبوع من إغلاق طالبان ثانويات الفتيات في خطوة أثارت استياءً دوليًا، رغم تعهد طالبان أن يكون نظامها أكثر ليونة من حكمها السابق بين 1996 و2001.
وأعرب غوتيريش، عن "الأسف الشديد" إزاء قرار حركة طالبان الذي اتخذته الأربعاء الماضي، مؤكّدًا أن "إدراج النساء والفتيات في جميع قطاعات المجتمع والاقتصاد أمر ضروري للتغلب على الأزمات الاقتصادية والإنسانية وأزمات حقوق الإنسان المتداخلة في أفغانستان".
وشدد على "حاجة الشعب الأفغاني إلى حكومة شاملة تحترم القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، كما يحتاج الأفغان أيضًا، وشعوب المنطقة إلى بلد آمن ومأمون تتخذ فيه إجراءات لمنع وإنهاء الإرهاب والاتجار بالمخدرات".
كذلك ندّدت وزيرتا الخارجية البريطانية ليز تراس والألمانية أنالينا بربوك بإغلاق مدارس الفتيات الثانوية في أفغانستان.
لكن شدّدت الأمم المتحدة وبريطانيا وألمانيا وقطر التي تشارك في استضافة هذا المؤتمر الافتراضي، رغم إدانتها عمليات إغلاق المدارس، على أن المجتمع الدولي يجب ألا يتخلى عن الشعب الأفغاني إذ يحتاج 60% من السكان إلى المساعدة للصمود.
بعد ساعات من فتحها.. #طالبان تغلق المدارس الثانوية للفتيات #أفغانستان pic.twitter.com/eeM95wyQqU
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 23, 2022
من جهته، قال الناطق باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، إنه من المهم بالنسبة إلى حركة طالبان أن تسمع من العالم الإسلامي أن "تعاليم الإسلام لا تعزل المرأة".
وأضاف: "يجب أن نكون حازمين في الإدانة ويجب أن نكون واضحين جدًا في الحديث مع طالبان حول أي انتهاك لحقوق الإنسان، لكن يجب أيضًا ألا نتخلى عن أفغانستان. لقد تخلينا عن أفغانستان مرة واحدة، ورأينا ما كانت نتيجة ذلك".
وبحسب أنصاري فإنّ الهدف من المؤتمر هو إعطاء الأفغان "أملًا في المستقبل" عبر التلاقي والحفاظ على الحياة وحقوق الإنسان في البلاد.
وختم: "أفغانستان قد تكون قضية خاسرة أو منارة للأمل".
أفغانستان على "شفا الانهيار"
كذلك، أشارت الأمم المتحدة إلى أن أفغانستان على شفير الانهيار الاقتصادي، مع حاجة أكثر من 24 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية من أجل البقاء.
فقد أوضح منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث أن الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم أصبحت الآن "على شفا الانهيار"، فيما يعجز الملايين عن الحصول على عمل والأفغان يقترضون للبقاء على قيد الحياة مع تخصيص 80% من نفقات الأسرة على الغذاء.
إلى جانب كل هذا، تعاني أفغانستان أيضًا في الوقت الحالي، من أسوأ موجة جفاف منذ عقود.
المساعدات "الخجولة"
وخلال المؤتمر الأممي، تعهّدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك بأنّ بلادها ستقدّم 200 مليون يورو من المساعدات.
فيما تعهّدت المملكة المتحدة بتقديم 380 مليون دولار من المساعدات خلال السنة المالية المقبلة، مؤكّدة أنّ 50% على الأقلّ من هذه المساعدات ستخصّص للنساء والفتيات.
أمّا الولايات المتحدة فتعهّدت من جانبها تقديم نحو 204 ملايين دولار من المساعدات الإنسانية.
يذكر أنه في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، أطلقت الأمم المتحدة خطتها للاستجابة الإنسانية لتقديم مساعدات حيوية إلى الملايين في أفغانستان ودعم 5.7 ملايين نازح أفغاني في خمس دول مجاورة.
لكن لا تزال دول العالم مترددة في الاعتراف بحكم طالبان، وتربط ذلك بسلوكيات الحركة، لاسيما احترام حقوق الإنسان، وعدم السماح باستخدام أفغانستان "ملاذًا للإرهابيين".
وعادت طالبان إلى السلطة في أفغانستان يوم 15 أغسطس/ آب وسط انسحاب فوضوي للقوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة، فيما تتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد بسرعة منذ ذلك الحين.