شجع النجاح المبكر الذي حقّقته الصين في احتواء جائحة كوفيد 19 من خلال "السياسات الاستبدادية"، القبضة الحديدية للمسؤولين الصينيين للتطبيق الحازم لسياسة "صفر كوفيد" بصرف النظر عن التكاليف البشرية، على اعتبار أن هذه إرادة الزعيم شي جينبيغ.
وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بأن الأولوية بالنسبة إلى المسؤولين الصينيين هي مكافحة الفيروس أولًا، على حساب حياة الناس ورفاههم وكرامتهم.
وذكرت أن سياسة "صفر كوفيد" في الصين أظهرت أن السلطات المحلية بمدينة شيان الشمالية الغربية غير مستعدة لتوفير الغذاء والرعاية الطبية الضرورية لسكان المدينة البالغ عددهم 13 مليون نسمة، مما تسبّب في فوضى وأزمات لم تشهدها البلاد منذ أن أغلقت البلاد مدينة ووهان لأول مرة في يناير/ كانون الثاني 2020.
ورفض موظفو مستشفى في المدينة استقبال رجل يُعاني من آلام في الصدر، لأنه يعيش في منطقة متوسطة الخطورة في ما يتعلّق بوباء كوفيد-19. قبل أن يتوفى بنوبة قلبية.
كما أبلغت سلطات المدينة حاملًا في شهرها الثامن، وتعاني من نزيف، أن اختبار كوفيد الخاص بها غير صالح، إلى أن فقدت جنينها بسبب غياب الرعاية الطبية الضرورية في الوقت المناسب.
كما ضرب اثنان من حرّاس الأمن شابًا خرج بحثًا عن الطعام، لأنه لم يعد لديه ما يأكله في المنزل.
عدم رحمة
ورغم أنّ ظهور فيروس كورونا للمرة الأولى في الصين كشف نقاط ضعف "النظام الاستبدادي"، إلا أن حوادث شيان أظهرت كيف يُدير النظام السياسي البلاد بحالة من عدم الرحمة في سبيل الوصول لصفر حالات كوفيد.
وسجّلت شيان آخر وفاة جراء الجائحة في مارس/ آذار 2020، كما أنّ 95% من البالغين تلقوّا اللقاح بحلول يوليو/ تموز الماضي. وخلال الموجة الأخيرة من تفشّي الفيروس، أبلغت عن 2017 حالة إصابة مؤكدة حتى يوم الإثنين، من دون تسجيل وفيات.
ومع ذلك، فرضت السلطات حالة إغلاق قاسية للغاية. حيث لم يُسمح للسكان بمغادرة مجمعاتهم، وأُغلقت بعض المباني، وتمّ نقل أكثر من 45 ألف شخص إلى مرافق الحجر الصحي.
وانهار نظام الكود الصحي للمدينة، والذي يُستخدم لتتبّع الأشخاص وفرض الحجر الصحي، نتيجة الاستخدام المكثّف. واختفت عمليات التسليم إلى حد كبير، كما لجأ بعض السكان إلى الإنترنت للشكوى من عدم وجود ما يكفي من الطعام.
إغلاق "غير إنساني"
وصوّر بعض المتطوّعين لمراقبة تنفيذ سياسة الإغلاق، شابًا غامر بالخروج لشراء طعام، وهو يقرأ رسالة نقد ذاتي، وتمّ نشرها على نطاق واسع.
كما فقد مسؤول برتبة نائب مدير في وكالة حكومية بالعاصمة بكين منصبه الأسبوع الماضي، بعد أن أفاد بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بأنه كتب مقالًا عن الإغلاق في مدينة شيان يحتوي على معلومات غير صحيحة.
ووصف المسؤول في المقال إجراءات الإغلاق بمدينة شيان بأنها "غير إنسانية" و"قاسية".
وأبدى مثقفون صينيون ذهولهم من استعداد المسؤولين والمدنيين- مدفوعين غالبًا بالطموح المهني أو الطاعة- ليكونوا عناصر تمكين للسياسات الاستبدادية.
كما دفعت تلك الحوادث في شيان بعض الصينيين إلى التساؤل في مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم عن الكيفية التي يمكن أن يتصرّف بها أولئك الذين يفرضون قواعد الحجر الصحي على هذا النحو، ويسألون عن من يتحمل المسؤولية النهائية للخسائر البشرية.
لا تسامح مع الانتقاد
ومنذ إغلاق ووهان، تحوّل الإنترنت الصيني إلى منصّات يستغلها القوميون للإشادة بالصين والحكومة والحزب الشيوعي، في وقت لا يتمّ فيه التسامح مع أي معارضة أو انتقاد.
والمقال الوحيد المتعمّق والمتداول على نطاق واسع حول إغلاق شيان، كتبته الصحفية السابقة زانغ وينمين، التي تمّ حذف مقالتها، وحذّرها ضباط أمن الدولة من التحدّث أكثر عن هذا الأمر، وفقًا لما ذكره شخص مقرب منها. بينما وصفها بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالقمامة التي يجب إخراجها من المدينة.