يشهد لبنان حراكًا سياسيًا لا يهدأ، يترافق مع إعادة طرح المبادرة الفرنسية التي ركّزت خصوصًا على الإصلاحات مع وعدٍ بـ"جزرة" المساعدات أو "عصا" العقوبات في حال الفشل.
إلا أنّ النجاح لا يبدو "حليف" هذا الحِراك حتى الآن، على وقع اللقاءات العاصفة والمعارك الكلامية المستمرة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء المكلَّف سعد الحريري، على وقع الهوة التي يبدو أنها آخذة في التفاقم بينهما.
وفي حين وصل البلد إلى قاع الأزمة ولم يعد قادرًا على تحمّل المزيد، وأيّ عقوبات قد تؤدي إلى انهياره، تتواصل المبادرات الداخلية والتحركات الخارجية لحل عقدة الحكومة في لبنان حيث يعيش أربعة ملايين شخص رهنًا لصراعات الساسة، في ظل تردّ اقتصاديّ غير مسبوق.
وتُطرَح علامات استفهام حول مدى قدرة الضغوط على تحريك الجمود لتشكيل الحكومة وحلحلة الأوضاع، وقبل ذلك، حول مستقبل لبنان القابع بين مطرقة المساومات الداخلية وسندان التدخلات الخارجية.
شلل سياسي يعيق تشكيل الحكومة في لبنان
ولا يزال الشلل السياسيّ في لبنان يعيق تشكيل حكومة قد تحدّ من تدهور الوضع الماليّ وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين الذين تآكلت رواتبهم بعد انهيار سعر صرف الليرة؛ ما أدّى إلى احتجاجات تخللت بعضها أعمال عنف وقطع طرق ومحاولات لنهب المحلات التجارية.
ويبدو واضحًا أنّ الفرقاء اللبنانيين غير قادرين على تجاوز مواقفهم وصراعاتهم الداخلية وارتباطاتهم الخارجية، لا سيّما وأنّ عوائق تشكيل الحكومة قد تبدو للبعض شكليّة، كتحديد عدد الوزراء وهو أمر قد يترتّب عليه إيجاد الثلث المعطّل، ما يفسّر عدم قدرة الفرقاء على تجاوز هذه النقطة إلى ما يليها.
لكلّ هذه الأسباب، يبدو تحريك المبادرة الفرنسية وإعادة إدراجها بوصفها حلًا ممكنًا أمرًا منطقيًا ومفهومًا رغم تخوّف البعض من أنّ فرض حلّ دولي خارجي على لبنان قد يكون وفقًا لتوازنات قوى إقليمية قد تزيد من حدّة الصراعات الداخلية اللبنانية ولا تنهيها، خصوصًا أنّ الأزمة في لبنان هي أزمة نظام سياسي أكثر ممّا هي أزمة فرقاء سياسيّين، وأنّ ما يحتاجه لبنان في ظلّ تكرار أزماته هو حكومة إنقاذ وتنفيذ إصلاحات وليس حكومة تجميد الأزمات إلى حين.
ما هي المبادرة الفرنسية لحل الأزمة اللبنانية؟
طرحت فرنسا في 20 سبتمبر/ أيلول 2020 مبادرة لحلّ الأزمة اللبنانية، تنصّ على إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية، من أبرز نقاطها تنظيم انتخابات تشريعية وتشكيل حكومة تكنوقراط من متخصصين غير حزبيين، وتعديل القانون الانتخابي، وفتح حوار بين الحكومة والمجتمع المدني بخصوص الإصلاحات.
نصّت المبادرة أيضًا على استئناف فوري للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والموافقة على التدابير الوقائية التي طلبها، بما في ذلك التدقيق في حسابات مصرف لبنان.
ونصّت كذلك على إطلاق استدراجات عروض فيما يتعلق بمعامل توليد الكهرباء والغاز، والتخلي عن مشروع معمل سلعاتا، كما نصّت أيضًا على مكافحة الفساد عبر اعتماد مشروع قانون الكابيتال كونترول لمراقبة تحويل الرساميل.
كما تنصّ المبادرة أيضًا على اقتراح قانون حول استقلالية القضاء، وتعيين أعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وإطلاق مسار للانضمام إلى معاهدة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول مكافحة الفساد، وأيضًا على التطبيق الفوري للإصلاحات الجمركية.
اتفاق الطائف "لم ينهِ الحروب" في لبنان
ويرى أستاذ العلاقات السياسية والدولية في جامعة باريس خطار أبو دياب أنّ السعي للعودة إلى اتفاق الطائف يعني أن لبنان لم يتجاوز أزماته وأنّه يغلق أزمة لتُفتح أزمة، وأن الطائف لم ينهِ الحروب.
ويشير أبو دياب، في حديث إلى "العربي"، إلى أنّ إدخال لبنان في المحاور الإقليمية وضع البلد في عين العاصفة.
ويلفت إلى أنّ الحل قد يكمن في تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة بصلاحيات كبيرة من القوى السياسية من أجل إيقاف الانهيار، وإبعاد لبنان عن سياسة المحاور بين الولايات المتحدة وإيران.
الشعب اللبناني "مختطَف" من مجموعة من السياسيين
من جهته، يعتبر الخبير المالي ورئيس تجمّع استعادة الدولة حسن خليل أنّ لبنان يحتاج إلى إنقاذ سياسي قبل الإنقاذ الاقتصادي، مشيرًا إلى أن النظام السياسي اللبناني الطائفي المعتمد منذ سنة 1943 هو سبب المشكلة.
ويرى خليل، في حديث إلى "العربي"، أنّ الشعب اللبناني "مختطَف" من قبل مجموعة من السياسيين، معربًا عن اعتقاده أن انتفاضة الشعب اللبناني قد تؤدي هذه المرة إلى بداية حلّ.
ويشدّد على أنّ لبنان ضحية التاريخ والجغرافيا وليس بالإمكان في الوضع الحالي إصلاح الواقع السياسي لأن الطبقة الحاكمة تعتمد منطق "إما أن نحكم البلد وإما أن نحرقه".
ويخلص إلى أنّ المجتمع الدولي غير جاد في إصلاح الوضع اللبناني وينظر إلى لبنان من خلال مصالحه وليس من خلال مصالح اللبنانيين، لافتًا إلى أنّ "بعض الدول الإقليمية تطلب من لبنان أكثر من طاقة الشعب".
حكومة "التكنوقراط" لن تنقذ لبنان
أما الباحث المقيم في مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط مهنّد الحاج علي فيرى أنّ انتفاضة شعب لبنان خلطت الأوراق السياسية وأبرزت الخلافات بين الرئيسين الحريري وعون.
ويشير الحاج علي، في حديث إلى "العربي"، إلى أنّ التركيز على حكومة اختصاصيين لن ينقذ لبنان؛ لأن لبنان محكوم بالقوى السياسية المختلفة والمتصارعة التي لا تريد إصلاحًا.
وإذ يرى أن المبادرة الفرنسية لن تنهي الأزمة بل هي لتأجيلها، يشدّد على أنّ الحلول المطروحة هي حلول "إبر البنج"، على حدّ وصفه، شارحًا ذلك بالقول: "إنها إبر التخدير لتأجيل الأزمة وليس لإنهائها جذريًا".
ويلفت إلى أنّ سياسة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه لبنان ما زالت تتشكل، "ولكن خطوطها العريضة وطويلة الأمد تعتمد على محاصرة حزب الله ورعاية مصالح إسرائيل".
ويشير الحاج علي إلى أنّ "القوى السياسية البديلة الموجودة على الساحة تحتاج إلى كثير من العمل من أجل المستقبل وتغيير الأوضاع".