طالب مجلس الأمن الدولي، اليوم الخميس، العسكريين في السودان بـ"إعادة الحكومة الانتقالية ذات القيادة المدنية"، مبديًا "قلقه البالغ حيال الاستيلاء العسكري على السلطة".
وبعد مباحثات شاقة استمرت أيامًا، طالب البيان الصادر عن المجلس، الذي أعدته بريطانيا وعمدت روسيا إلى التخفيف من وطأة مضمونه، باستئناف الحوار السياسي "من دون شروط مسبقة" و"الإفراج فورًا" عن المعتقلين واحترام "حق التجمع السلمي".
كذلك، ندد بيان مجلس الأمن الذي عقد اجتماعًا طارئًا الثلاثاء بناء على طلب الدول الغربية بتعليق عمل بعض المؤسسات الانتقالية وبحالة الطوارئ واعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وأعضاء مدنيين آخرين في الحكومة".
وأورد دبلوماسي أنه بناء على إلحاح الصين، أخذ بيان المجلس في الاعتبار عودة رئيس الوزراء إلى منزله، مساء الثلاثاء، رغم أنه لا يزال محرومًا من حرية التحرك، وفق الأمم المتحدة.
وفي الصيغة التي أقرت، طالب المجلس بالإفراج فورًا عمّن اعتقلتهم السلطات العسكرية"، داعيًا "أيضا الأطراف جميعًا إلى التزام أكبر قدر من ضبط النفس والامتناع عن توسل العنف".
زيارة أممية ومواقف دولية
في غضون ذلك، أعلن مكتب الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان، اليوم الخميس، أنه التقى الفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة أمس، وحثه على تهدئة الموقف في البلاد، كما دعا إلى الإفراج عن المعتقلين والتواصل معهم.
وذكرت بعثة الأمم المتحدة لدعم المساعدة الانتقالية في السودان أن فولكر بيرتيس "أعرب عن قلقه البالغ بشأن المحتجزين منذ 25 أكتوبر".
ودعا إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين السياسيين جميعًا وفي الوقت نفسه طلب التواصل الفوري مع المحتجزين.
وأضافت أن فولكر عرض "مساعيه الحميدة لتسهيل الوصول إلى تسوية سياسية من أجل استعادة الشراكة الانتقالية".
وفي بادرة على استمرار الدعم الغربي للحكومة المدنية المعزولة، نشر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الليلة الماضية تغريدة قال فيها إنه تحدث هاتفيًا مع وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي.
وأدان بلينكن القبض على القيادات المدنية في السودان، وكشف أنه بحث مع وزيرة الخارجية "أفضل السبل التي يمكن للولايات المتحدة أن تدعم بها مطالبة الشعب السوداني بالعودة إلى الانتقال للديمقراطية بقيادة مدنية".
مواقف داخلية
وقال مصدر مقرب من رئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك إنه لا يزال ملتزمًا بالانتقال الديمقراطي المدني وأهداف الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير قبل عامين.
ونقلت وزارة الثقافة والإعلام التابعة للحكومة المطاح بها والرافضة للانقلاب، بيانًا لوزارة الخارجية نشرته على صفحتها على "فيسبوك" أكدت فيه أن "السفراء الرافضين للانقلاب العسكري وتقويض الفترة الانتقالية، هم الممثلون الشرعيون لحكومة السودان".
واعتبرت أن "كل القرارات الصادرة من قائد الجيش (البرهان) غير شرعية ولا يسندها الدستور".
ونقلت الصفحة عن مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية المقالة قولها إنها تفتخر بسفراء السودان "الذين أتوا من رحم ثورة الشعب المجيدة وصمودها الباسل، وكل سفير حر رفض الانقلاب ونصر الثورة".
ودفع الانقلاب بنحو 30 سفيرًا سودانيًا في دول عدة إلى الانشقاق ودعم المتظاهرين.
وأقال البرهان عددًا منهم بينهم السفراء في الولايات المتحدة والصين فرنسا وسويسرا وقطر.
"أفظع الانتهاكات"
وكانت قوات الأمن السودانية قد أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين مناهضين للانقلاب في السودان في حي بوري شرقي الخرطوم.
وأعاد المتظاهرون الخميس نشر الحواجز في الطرق لقطعها، بينما صرحت مصادر طبية بمقتل 7 متظاهرين وجندي واحد.
ونشرت وزارة الإعلام، مساء الأربعاء، بيانًا أشارت فيه إلى أن "الانقلابيين يمارسون أفظع الانتهاكات بحق الثوار السودانيين ويرتكبون انتهاكات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية".
وأضافت: "تتم محاصرة الأحياء والشوارع بالسيارات المدرعة، والجنود المدججين بالبنادق، وتُسحل النساء، ويعتقل الأطفال ويُرمى الثوار السلميون بالرصاص الحي، ما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء وعشرات الجرحى".
ومن بين الموقوفين مساعد رئيس حزب الأمة المعارض صديق المهدي، والمحامي إسماعيل التاج عضو تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود النقابات، ولعب دورًا أساسيًا في الاحتجاجات ضد البشير.
ويوزع معارضو الانقلاب منشورات تدعو إلى "مسيرة مليونية" يوم السبت احتجاجًا على الحكم العسكري بالاعتماد على وسائل قديمة للحشد الشعبي بعد أن قلصت السلطات استخدام الإنترنت والهواتف.
وتجري الدعوة للمسيرة تحت شعار "ارحل"، وهو الشعار الذي استخدم في الاحتجاجات التي أطاحت بالبشير.
تهديد بوقف المساعدات
ويشهد السودان أزمة اقتصادية عميقة بلغ فيها التضخم مستويات قياسية وشهدت نقصًا في السلع الأساسية.
وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت بعض علامات التحسن التي ساهمت فيها مساعدات قال كبار المانحين الغربيين إنها ستتوقف ما لم يتم العدول عن الانقلاب.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من نصف السكان يعيشون في فقر وبلغ معدل سوء التغذية بين الأطفال 38 في المئة، لافتة إلى أن نظام الرعاية الصحية في البلاد في حالة انهيار.
وقد وضع الانقلاب العسكري حدًا لفترة انتقالية هشة كان الهدف منها أن تنتقل بالسودان إلى انتخابات في 2023 من خلال اقتسام السلطة بين المدنيين والعسكريين في أعقاب سقوط البشير.
وجمدت الولايات المتحدة مساعدات قدرها 700 مليون دولار للسودان منذ الانقلاب، وقال البنك الدولي إنه سيوقف صرف دفعات لعمليات في السودان، كما هدّد الاتحاد الأوروبي أيضًا بتعليق مساعداته.
ونددت الدول الصديقة التي ساندت الانتقال الديمقراطي بالانقلاب في بيان صدر مساء أمس الأربعاء.
وفي حين أن بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا كانت بين الدول الموقعة على البيان، لم تكن من بينها السعودية والإمارات اللتان أقام البرهان علاقات معهما.