الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

تفاصيل الاجتماعات الأخيرة قبل انقلاب السودان.. ماذا دار بين البرهان وفيلتمان؟

تفاصيل الاجتماعات الأخيرة قبل انقلاب السودان.. ماذا دار بين البرهان وفيلتمان؟

شارك القصة

بلغت الأمور ذروتها في السودان بعد 21 سبتمبر
بلغت الأمور ذروتها في السودان بعد 21 سبتمبر (غيتي)
على مدى أيام، كان فيلتمان يتنقل بين البرهان وحمدوك في محاولة لتفادي انهيار التحول الديمقراطي الهش في البلاد.

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تفاصيل الاجتماع الأخير الذي تمّ بين المبعوث الأميركي لمنطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في محاولة لتفادي انهيار التحول الديمقراطي الهشّ في السودان.

وذكرت الصحيفة أن فيلتمان أجرى سلسلة من الاجتماعات المحتدمة في الخرطوم نهاية الأسبوع الماضي، سعيًا لتضييق الخلافات بين البرهان وحمدوك.

وفي اجتماع أخير في وقت متأخر من بعد ظهر يوم الأحد، جادل البرهان بضرورة إقالة الحكومة السودانية واستبدالها بحكومة تكنوقراط، لكنه لم يُشر إلى أنه يستعد للاستيلاء على السلطة.

يومها، اختتم فيلتمان زيارته إلى الخرطوم مطمئنًا، استقلّ طائرته إلى قطر. وبمجرد هبوطه في مطار الدوحة، علم بالانقلاب.

وقال نور الدين ساتي السفير السوداني لدى الولايات المتحدة "لقد كذبوا عليه"، في إشارة إلى القيادة العسكرية للسودان، مضيفًا: "هذا أمر خطير للغاية، لأنه عندما تكذب على الولايات المتحدة ، عليك أن تدفع العواقب".

ووفقًا للصحيفة، لم يكن هناك أي سبب يدعو البرهان لوقف مسيرة التحوّل الدمقراطي في السودان، مشكّكة في نجاحه بالاستيلاء على الحكم في ضوء المظاهرات الجماهيرية المقررة اليوم السبت.

ضغوط على البرهان

وكانت وكالة رويترز نقلت عن دبلوماسي على اطلاع حول ما دار في اجتماع فيلتمان الأخير مع البرهان، قوله إن فيلتمان مارس "ضغطًا كبيرًا على البرهان حتى لا ينفذ أي تحرك يستهدف مجلس الوزراء والعمل على التهدئة".

غير أن الدبلوماسي قال إن البرهان تعرّض أيضًا لضغوط للتشدّد مع المدنيين من فصائل في الجيش ومن نائبه في المجلس السيادي الذي يتولى توجيه الانتقال السياسي ومن قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان، المعروف أيضًا باسم حميدتي، والذي يتمتع بنفوذ كبير.

وقال الدبلوماسي: "خلال الاجتماع قرروا تنفيذ الخطة البديلة. وكانت هذه الفرصة الأخيرة لإقناع حمدوك بالمشاركة".

وفي تقرير منفصل لرويترز، قال دبلوماسيون واثنان من مساعدي حمدوك إن الجيش كان يأمل حتى اللحظة الأخيرة في إقناع حمدوك بعزل أعضاء مجلس الوزراء، حتى يمكنه تشديد قبضته على عملية الانتقال، دون استخدام القوة، وفي الوقت نفسه الإبقاء عليه في منصبه. ورفض حمدوك التعاون مع الجيش.

إحباط بين مكوّني السلطة الانتقالية

وخلصت سلسلة من المقابلات مع محلّلين ومسؤولين أميركيين وسودانيين وأوروبيين إلى أن الجيش السوداني أصبح محبطًا من شركائه المدنيين، وكان عازمًا على الحفاظ على موقعه المتميّز، وتجنّب أي تحقيقات في شؤونه التجارية أو انتهاكات حقوق الإنسان خلال ثلاثة عقود من حكم البشير.

وفي نفس الوقت، انتقد البعض المعارضة المدنية لفشلها في تهدئة مخاوف الجنرالات من الملاحقة القضائية أثناء الانتقال إلى الديمقراطية، بينما قال مسؤول أميركي إن روسيا شجّعت الانقلاب، على أمل الحصول على مزايا تجارية وميناء على البحر الأحمر.

وأشارت الصحيفة إلى أن القيادة المدنية في السودان كانت تخشى، على مدار 18 شهرًا على الأقل، من انقلاب عسكري.

وفي نهاية الأسبوع الماضي، بينما كان المتظاهرون المؤيدون للجيش يخيمون خارج القصر الرئاسي، وعندما أغلقت جماعة قبلية موالية للجيش المرفأ البحري الرئيسي في البلاد، بدا الأمر وشيكًا.

وحوالي ظهر الاثنين الماضي، أعلن البرهان حالة الطوارئ، وحلّ الهيئات الحاكمة واللجان التي تدير النقابات العمالية في البلاد، واعتقل رئيس الوزراء، وحظر الإنترنت. بينما اعتقلت قوات الأمن كبار القادة المدنيين، وتعرض أحدهم على الأقل للضرب المبرح، وفقًا لمسؤولين غربيين تحدثوا للصحيفة.

وأدت قرارات البرهان إلى موجة من الاحتجاجات، وأثارت إدانة من القادة الإقليميين والعالميين الذين أصروا على ضرورة العودة إلى القيادة المدنية. لكن وفقًا للصحيفة "لا يبدو أن أيًا من ذلك قد خفّف من عزيمة البرهان وحلفائه".

وقال جهاد مشامون، الباحث والمحلل السوداني للصحيفة: "لقد عدنا إلى المربع الأول. البرهان وضع مرة أخرى الختم على هيمنة الجيش على الشؤون السودانية، وسيخرج الشعب لمواجهته".

خوف من المحاسبة

وتصاعدت التوترات بين المكوّنين العسكري والمدني في المجلس الانتقالي في الأشهر الأخيرة، بعدما صعّدت الجماعات المؤيدة للديمقراطية دعواتها للجيش للتخلّي عن السلطة للمدنيين وللحكومة الانتقالية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد في عهد السيد البشير. وقال محللون ومسؤولون إن الجيش رفض ذلك، خوفًا من أن أي إجراءات للمحاسبة ستفضح مصالحهم الشخصية والمالية والفئوية.

وإذ أكد أن الجيش هو أهم مؤسسة في البلاد، مثل الدولة نفسها، أشار كاميرون هدسون، زميل في مركز إفريقيا التابع للمجلس الأطلسي، أن الجنرالات وقّعوا اتفاقية تقاسم السلطة في عام 2019 من أجل "تخفيف الضغط عن الجيش، وليس لأنهم يؤمنون به حقًا. الهدف الوحيد لكل هذا هو استمرارية الجيش في الحكم".

ومن بين القضايا الخلافية الأخرى بين المكوّنين قضية تسليم الرئيس السابق عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولم توجّه المحكمة اي اتهامات للبرهان ولا حميدتي. ويقول المحللون إنهما حريصان على الحفاظ على الوضع الراهن.

وقال مشامون: "كان للجنرالين علاقات وثيقة للغاية منذ أحداث دارفور، ولديهما أسباب كثيرة تدفعهما إلى القلق إذا تمّ نسليم البشير لمحكمة العدل الدولية. إنهم يرغبون بالحصول على نوع من الحصانة".

ضوء أخضر من موسكو

وفي هذا السياق، قال مصدران سودانيان رسميان لرويترز إن العسكريين سعوا قبل خطوتهم الأخيرة إلى الحصول على ضوء أخضر من موسكو. وحصلوا عليه، وذلك في محاولة لحماية أنفسهم من أي عقوبات قد يفرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وردّ الكرملين على خطوتهم بمطالبة جميع الأطراف بإبداء ضبط النفس، ودعوة السودانيين لحل الموقف بأنفسهم بأسرع ما يمكن ودون فقدان أي أرواح. لكنه لم يندد بالانقلاب.

بدورها، قاومت القوات المسلحة وأجهزة المخابرات الجهود المبذولة لكبح سلطتها المالية الواسعة. فالطرفان يسيطران معًا على مئات الشركات المملوكة للدولة التي تتعامل في إنتاج وبيع المعادن بما في ذلك الذهب وواردات وصادرات الماشية ومواد البناء والأدوية. 

وقال سليمان بالدو، كبير المستشارين في "ذا سنتري" (The Sentry)، وهي مجموعة مقرها واشنطن تسعى لفضح الفساد في إفريقيا، إن الشركات المليئة بالفساد نادرًا ما تساهم بأرباحها في الميزانية الوطنية.

من جهته، يرأس البرهان مجلس أمناء الأنظمة الصناعية الدفاعية، إحدى أكبر الشركات العسكرية. وقال بالدو: "لقد عزّز البرهان دوره في الشركات، بينما هو أيضًا القائد العام للجيش والآن الرئيس الفعلي للدولة".

مواجهة محتملة

بدوره، اعتبر السفير ساتي، الذي قال الجيش السوداني يوم الخميس إنه طرده مع سفراء آخرين أدانوا الانقلاب علنًا، أن القادة المدنيين في الحكومة الانتقالية يتحمّلون بعض اللوم عن انهيار العلاقات.

وقال: "هناك شد وجذب واستفزاز متبادل بين الجانبين. بعض المدنيين لم يفهموا أهمية تهدئة مخاوف العسكريين".

وأضاف أنه مع ارتفاع التضخم ونقص السلع الأساسية، واجه حمدوك الكثير من الضغوط أيضًا. ووصفه ساتي بأنه "تكنوقراط من حيث التدريب والمزاج، ويفتقر إلى المهارات السياسية لإدارة التوترات. لقد ضغط بشدة وبسرعة كبيرة".

ودافع البرهان عن الانقلاب بأنه ضروري لتجنّب "حرب أهلية" ووعد بنقل السلطة بعد انتخابات عام 2023. لكن الصحيفة اعتبرت أنه "جدول زمني يقول العديد من الشباب السودانيين إنهم لا يتفقون معه، وهي نقطة يخططون لإثباتها في احتجاجات اليوم السبت".

تابع القراءة
المصادر:
ترجمات
تغطية خاصة