تعيش ليبيا حالة انسداد سياسي، مع تمسّك مجلس نواب طبرق بتمكين الحكومة التي كلفها من ممارسة مهامها، ورفض حكومة الوحدة الوطنية تسليم السلطة إلى حين إجراء انتخابات لا يبدو أنّ الطريق إليها سيكون سهلًا.
ويدفع هذا الخلاف السياسي باتجاه توتر عسكري بين الجانبين. فقد انتقدت حكومة الوحدة الوطنية دعوة رئيس مجلس النواب إلى دخول العاصمة طرابلس بالقتال.
من جهته، قال رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا من مدينة سرت إنه لن يسمح للعصبة الغاصبة أن تستغل وصول الحكومة إلى طرابلس لإشعال القتال.
ووسط الشد والجذب بين الحكومتين، دعا المجلس الرئاسي الليبي مجلسي النواب والأعلى للدولة إلى تكريس جهودهما لتوحيد المناصب السيادية، وفق ما تم إقراره في الاتفاق، من أجل توحيد الصف للوصول إلى الانتخابات والاستقرار والسلام.
وبدوره، يفضّل المجلس الأعلى للدولة بقاء حكومة الوحدة الوطنية الحالية إلى حين التفاهم مع مجلس النواب على سيناريو إجراء الانتخابات.
"صالح يريد جعل سرت عاصمة البلاد"
تعليقًا على المشهد الليبي، يشير الكاتب والباحث السياسي فوزي الحداد إلى أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح لم يقم سوى بتوصيف الحال الراهنة.
ويلفت في حديثه إلى "العربي" من طبرق، إلى أن صالح قال "إنه يبدو أن دخول العاصمة طرابلس لن يتم إلا من خلال القتال وإخضاع المجموعات والتكتلات المسلحة فيها، أو من خلال الاتفاق مع هذه المجموعات المسلحة".
وفيما يوضح أن صالح اعتبر أن هذين الطريقين هما الوحيدان لدخول العاصمة طرابلس، ينقل عنه قوله إنه يرفضهما كليهما؛ القتال وأي حرب أخرى، وكذلك دخول الحكومة بالاتفاق مع المجموعات المسلحة على اعتبار أنها ستظل رهينة لتجاذبات السلاح الموجود في العاصمة طرابلس.
ويشرح أن صالح قدم بهذا الكلام إلى ما أراد الوصول إليه، "وهو أن يجعل من مدينة سرت العاصمة الجديدة التي تنطلق منها الحكومة القادمة، باعتبارها على حد قوله، تتوسط ليبيا ويتوفر فيها الكثير من الأمن ويمكن للحكومة العمل منها".
ويؤكد أن هذا الطرح يحتاج إلى النظر فيه، لأنه يحتاج بدوره إلى توافق وطني، ولا سيما في ظل وجود حكومتين تتنازعان السلطة.
"المشكلة بليبيا في المسار الدستوري"
من ناحيته، يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية إلياس الباروني أن المشكلة في ليبيا ليست الحكومة أو المسار السياسي، بل المسار الدستوري.
ويلفت في حديثه إلى "العربي" من طرابلس، إلى أن البرلمان لم يعمل على صناعة دستور منبثق من قبل هيئة صياغة الدستور، الذي تم التصويت عليه في 29 يوليو/ تموز 2017.
ويشير إلى أن البرلمان قام بدس هذا المشروع تحت الأروقة ولم يحوله إلى الاستفتاء الشعبي.
ويقول إن الحوار الدولي لجأ بعد دخول حفتر وهزيمته في العاصمة إلى ما يعرف بلجنة الـ 75، وانبثق بعد ذلك حول هذا الاجتماع حكومة الوحدة الوطنية.
ويردف بأن البرلمان عندما لم يجد توافقًا بين حكومة الوحدة الوطنية وأجندته عمل على إعاقة عملها بعدم اعتماد الميزانية، ثم ذهب بعيدًا إلى سحب الثقة، وقام بصناعة حكومة جديدة.
ويؤكد أن الخطوات التي قام بها البرلمان هي إعاقة للمسار السياسي برمته، ووصل الأمر بنا إلى الانسداد السياسي، معتبرًا أنه ينبغي الآن على البرلمان والمجلس الأعلى للدولة التركيز على إيجاد دستور توافقي بين كامل مكونات المجتمع الليبي.
"ليس الأمر صراعًا بين الحكومات"
بدوره، يرى رئيس مفوضية المجتمع المدني رمضان معيتيق، أن عقيلة صالح وكذلك المجلس الأعلى للدولة لم يكونا في يوم من الأيام جادّين في العمل نحو الخروج من المراحل الانتقالية المتعاقبة.
ويتوقف في حديثه إلى "العربي" من مصراتة، عند ما يصفه بـ"التصريحات المستفزة" لعقيلة صالح.
ويشدد على أن الليبيين يتوقون الآن إلى انتخابات يغيّرون فيها الجسم التشريعي، لأن سبب الانقسام الحقيقي الذي أرادت رئاسة المجلس الأعلى للدولة ورئاسة مجلس النواب تشتيت الانتباه نحوه، هو انقسام تشريعي وذلك منذ بداية الأزمة الليبية عام 2014 وحتى الساعة.
ويؤكد أن الأمر ليس صراعًا بين الحكومات كما يحاول البعض الآن إثارة المسألة، معربًا عن اعتقاده بأن المرور إلى انتخابات برلمانية سيكون هو الحل.
ويذكر أن عقيلة صالح "تشبّث طيلة الفترة الماضية بكل ما يعيق العملية الدستورية، وبعدم عرض مخرجات لجنة هيئة صياغة الدستور على مجلس النواب والمرور إلى الاستفتاء عليها".
ويتحدث عما يصفه بـ"القوانين المعيبة، وبعض التصرفات الأخرى التي توضح تفرد عقيلة صالح بمجلس النواب، فلا يريهم إلا ما يرى ويحاول دائمًا أن يعيق كل مرحلة للتوافق".
غير أنه يؤكد أنه لا يبرّئ أي طرف موجود الآن على الساحة الليبية، من حالة الجمود التي وصلت إليها البلاد.