ضرس العقل وصحة الأسنان.. لماذا يتأخر ظهوره وهل يجب اقتلاعه؟
يرتبط إيقاع النموّ في حياتنا ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات الهرمونية، والنمو، وتكوّن الأسنان. فمَن منّا ينسى على سبيل المثال، الآلام التي ترافق بروز ضرس العقل في مرحلة متقدّمة من العمر؟
وبالفعل، تصف مجلة "بوب ساينس" الأميركية مرحلة ظهور ضرس العقل بـ"الحدث المميز في مراحل تطوّر الأسنان"، بل تعدّه "واحدًا من ثلاثة معالم رئيسة ضمن مراحل ظهور الأسنان".
لكن رغم ذلك، ثمّة أسئلة كثيرة تُطرَح ربطًا بذلك، فلماذا يتأخر نمو أضراس العقل بصفة عامة؟ وما هي وظيفة أضراس العقل، ولا سيما أنّ العديد من المقولات تزعم ألا فائدة منها؟
لماذا يتأخر نمو ضرس العقل؟
كشفت دراسة لجامعة أريزونا الأميركية أن السبب وراء تأخر ظهور أضراس العقل ببساطة هو أن فكّنا البشري يتأخر في النضوج.
وأوضح عالم أنثروبولوجيا الإنسان القديم في معهد الأصول البشرية بجامعة أريزونا غاري شوارتز، وهو المؤلف المشارك في الدراسة: "تبيّن أن فك الإنسان ينمو ببطء شديد، ويرجع ذلك على الأرجح إلى تاريخ حياتنا البطيء بشكل عام؛ وباقتران ذلك مع وجوهنا القصيرة، يتأخر نمو الفكّين عند توفر مساحة آمنة ميكانيكيًا؛ الأمر الذي يؤدي إلى الظهور المتأخر للأضراس".
وأضاف: "قد ننسى أن أسناننا تتعرّض لضغط ميكانيكي أثناء تناول الطعام، وقضمه، وكذلك هيكل الفكّ بأكمله. وهذا يعني أن الفكّ يجب أن يكون جاهزًا من الناحية التطوّرية لاحتواء الأسنان بأكملها حتى الجزء الخلفيّ من الفم الأقرب للمفصل؛ وبالتالي إذا ظهرت أضراس العقل في وقتٍ أبكر قد تتسبّب الأضراس فعليًا في إتلاف الفكّ الذي تنمو منه".
خصائص تتعلّق بنمو البشر
ويعزو التقرير كلّ ذلك لأمرين أساسيين عن البشر: حيواتنا طويلة الأمد، ووجوهنا القصيرة، حيث يشير إلى أن الحياة ممتدّة إلى حدّ كبير بالنسبة للبشر مقارنةً بالمخلوقات الأخرى، وحتى بالرئيسيات الأخرى؛ فنحن البشر نتطوّر ببطء، ونقضي فترة طويلة جدًا إلى أن نصبح بالغين.
ويوضح أنه خلافًا لأبناء عمومتنا من الرئيسيات، تُعتبر وجوهنا مسطحة تمامًا ومسحوبة، على عكس الشمبانزي أو الغوريللا، التي تبرز فكيها للخارج بحيث تبدو أفواهها في الغالب أمام أدمغتها، فيما تبدو وجوهنا مسحوبة، ومتموضعة أسفل القحف.
وانطلاقًا من ذلك، فإنّ الجمع بين هذه العوامل يكشف أن فكينا لا يستطيعان استيعاب تلك المجموعة النهائية من الأضراس حتى وقت متأخر من الحياة، وفقًا للتقرير نفسه.
هل يجب إزالتها؟
يعمد الكثير من الناس إلى اقتلاع أضراس العقل، وهو ما يعزّز الاعتقاد الشائع بأنها بقايا تطورية بشكلٍ ما، أو "قطع أثرية" تعود للحياة البدائية القديمة، ولم تعد ذات أهمية الآن. لكن في الحقيقة لسنا في حاجة إلى اقتلاعها بالضرورة.
وللدلالة على ذلك، يستشهد التقرير بما يحصل في بريطانيا، حيث لا تتم إزالة ضرس العقل إلا إذا أصبح مشكلة، كما تشير خدمة الصحة الوطنية إلى أنه لا توجد فائدة مثبتة بخلاف ذلك (ولكن هناك مضاعفات إضافية لإجراء جراحة بسيطة).
ويخلص التقرير إلى أنه في كلتا الحالتين، فان أضراس العقل ليست بقايا بقدر ما هي علامة على تقدمنا التطوري، فوجوهنا المسحوبة ونمونا البطيء جزء مما يجعلنا بشرًا، وكذلك حال التطور المميز للأسنان لدينا وخلاف ذلك من علامات أخرى.