"طريق الموت".. واقع مرير للمهاجرين الأفارقة في اليمن
شهد اليمن في سنواته الأخيرة حروبًا كثيرة، لكنه لا يزال يشكل ممرًا لنسبة كبيرة من المهاجرين الأفارقة الذين يعتبرون اليمن بوابة عبور إلى دول الخليج الغنية. يطاردون أحلامهم للوصول إلى فرص أفضل للعيش، ويطاردهم الطريق بمخاطره؛ إذ إن التعرّض للاختطاف أو الاستغلال أو الاحتجاز التعسّفي، بات السمة الرئيسة للطريق في حين يترقبهم الموت منتظرًا دوره.
وتعتبر الهجرة الدولية قضية مقلقة للمجتمع الدولي، تتداخل فيها عناصر وجوانب متعددة منها ما هو اقتصادي للباحثين عن العمل، ومنها ما هو سياسي هربًا من الصراع أو الاضطهاد أو الإرهاب أو انتهاكات حقوق الانسان.
وقدّر تقرير الهجرة الدولية لعام 2020 عدد المهاجرين الدوليين بنحو 270 مليونًا على مستوى العالم، بزيادة أكثر من 50 مليونًا عن عام 2010.
وقال المهاجر الإثيوبي رمضان عبدالله، في حديث إلى "العربي" من أحد مخيمات اللاجئين في عدن، إنه غادر بلاده هربًا من الدولة، بعد أن تعرّض للتعذيب والسجن.
وأضاف أنه غادر إلى جيبوتي، حيث جرى نقله عبر البحر في قارب صيد صغير يضمّ حوالي 100 شخص مهاجر.
بدوره، تحدث المهاجر الإثيوبي بشير زينجلو أنه انتقل من بلاده، بعد أن حاصرت القوات الإثيوبية الحكومية منزل عائلته، بحثًا عنه.
وقال زينجلو، الذي كان يعمل مدرسًا، في حديث إلى "العربي"، إنه غادر إلى ديدوا، لأنها المكان الذي يمرّ عبره المهاجرون للوصول إلى جيبوتي. ثمّ انتقل إلى اليمن بحرًا عبر باب المندب.
وأوضح أنه عاطل عن العمل الآن، وأنه عندما يشعر بالجوع، يقوم بغسل السيارات ويشتري الطعام من مردوده.
أكثر طرق الهجرة ازدحامًا
في الوقت نفسه، يظل طريق الهجرة غير النظامية من القرن الإفريقي إلى الخليج عبر اليمن، أكثر طرق الهجرة ازدحامًا في العالم. وتصل نسبة المهاجرين إلى اليمن من الجنسية الإثيوبية إلى حوالي 90%، ومن الجنسية الصومالية 11%.
وشرح المحامي وحيد سلام، في حديث إلى "العربي"، أن التقارير الأممية تقدّر أن اليمن كان أكثر طرق الهجرة ازدحامًا في العالم بين عامي 2019 و2020.
بدوره، قال وجدي بن محمد، المسؤول في منظمة الهجرة الدولية في اليمن، في حديث إلى "العربي"، إن أغلبية المهاجرين القادمين إلى اليمن يهدفون إلى العبور إلى بلدان أخرى من أجل تجسين سبل عيشهم.
وأشارت المنظمة الدولية للهجرة إلى أنه في الفترة الممتدة من يناير/ كانون الثاني إلى سبتمبر/ أيلول 2021، إلى وصل حوالي 16 ألف مهاجر جديد إلى اليمن، مقارنة بـ 32 ألف مهاجر وصلوا البلاد خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وقال سلام إنه نتيجة الوضع في اليمن، تحوّل المهاجرون الاقتصاديون إلى لاجئين اضطراريين في اليمن، ولم يستطيعوا أن يكملوا رحلة انتقالهم عبر اليمن إلى دول المقصد.
بدوره، تحدث عماد سنان، مدير في وزارة حقوق الانسان في عدن، في حديث إلى "العربي"، عن أن بعض هؤلاء انطبق عليهم قانون اللجوء، أما الآخرون فما زالوا مهاجرين غير نظاميين.
وأضاف أنه رغم الحرب، لا تزال أعداد كبيرة من الاثيوبيين تتدفق إلى اليمن بهدف الوصول إلى دول الخليج.
وتحدث زينجلو عن أن الكثير من اللاجئين يقتاتون على بقايا الطعام من المطاعم.
انتهاكات انسانية
وتعرّض العديد من اللاجئين لانتهاكات إنسانية.
وفي هذا الإطار، قال عبدالله: " عندما وصلنا إلى اليمن، قام المهربون بضربنا، وأخذوا أموالنا. وعند الحدود البحرية، احتجزنا المهربون، وطلبوا منا تحويل الأموال لهم، ومن لا يقوم بذلك، كان يتعرّض للضرب بعنف. كما تعرّضت الفتيات للاغتصاب حتى الموت، ثم قاموا بدفنهن".
وأوضح سلام أن اللاجئين الاضطراريين في اليمن يعانون كثيرًا، ويتعرضون للاستغلال الجنسي، والابتزاز المالي، وعدم تسهيل خروجهم من اليمن.
وقال عبدالله: "اشتكينا كثيرًا عبر الإعلام، لكن من دون حل".
في المقابل، قال بن محمد إن منظمة الهجرة تقوم بعدد من البرامج لتقديم المساعدة، وخدمات الحماية، والصحة للمهاجرين.
أما وزارة حقوق الانسان اليمنية، فتنفي تلقيها أي بلاغ أو شكوى عن تعرّض اللاجئين للاعتداء أو الاغتصاب، أو احتجازهم بعد وصولهم إلى الأراضي اليمنية.
لكن سلام يؤكد حصول مثل هذه الانتهاكات على الأراضي اليمنية، إلا أن عدم الوعي، وعدم وجود قنوات تواصل بين المهاجرين والمنظمات الإنسانية أفقدت اللاجئ حقّ اللجوء إلى القانون والقضاء.
وأفادت تقارير منظمة الهجرة الدولية بارتفاع عدد الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بأهاليهم من 6 إلى 9% بين عامي 2019 و2020. وبشكل عام، شكّل الأطفال المهاجرون غير المصحوبين حوالي 71% من جميع الأطفال المهاجرين عبر "الطريق الشرقي" في عام 2020 مقارنة بـ 46% عام 2019.
وتحدثت بيزيت إبيرا، مهاجرة إثيوبية، إلى "العربي"، عن معاناتها في ظل انعدام فرص العمل.
وفي هذا الإطار، شرح سلام أن 80% من الشعب اليمني يعيش تحت خط الفقر الآن، في ظل معاناة اقتصادية واجتماعية وأمنية، وبالتالي يكون هناك صعوبة في التواصل مع المهاجرين ومعاناتهم.
"محاولة للتخلص من المهاجرين"
وبالإضافة إلى المعاناة في مخيمات اللجوء، تعرّض مركز احتجاز اللاجئين في صنعاء إلى قصف مجهول، ما أدى إلى حريق كبير ومقتل عشرات المهاجرين الإثيوبيين.
لكن سنان قال إن الحادث هو "محاولة للتخلص من هؤلاء المهاجرين".
بدوره، قال عبدالله إن "هذه المحرقة وقعت داخل مصلحة الجوازات حيث قام المهاجرون المحتجزون بالاعتصام مطالبين باعادتهم إلى بلادهم أو أنهم سيدخلون في اعتصام عن الطعام. وبالفعل دخل هؤلاء في اعتصام عن الطعام لمدة ثلاثة أيام".
وأضاف أنه بعد الحريق، خرج اللاجئون في مظاهرات مطالبين بجثث المتوفين.
وقالت منظمة الهجرة الدولية، في تقريرها لعام 2021، إن الترحيل القسري للمهاجرين من المحافظات الشمالية إلى المحافظات الجنوبية استمرّ في الازدياد خلال الربع الثاني في الفترة بين ديسمبر/ كانون الأول 2019، ومارس/ آذار 2021.
ووثقت المنظمة على الأقل 23 ألف مهاجر تمّ دفعهم عبر الخطوط الأمامية النشطة في ظل حملة منهجية لترحيل المهاجرين إلى خارج مناطق معينة.
وشرح زينجلو أنه تمّ ترحيلهم من صنعاء إلى مدينة صغيرة اسمها الحبيلين استغرقت منهم ثلاثة أيام مشيًا على الأقدام.
من جهتها، قالت سنتيايو لما، مهاجرة إثيوبية، في حديث إلى "العربي"، إنه جرى نقلها إلى عدن من دون أن يستفيدوا بشيء.
وأضافت: "بقينا شهورًا من دون مساعدة. لا نحصل على مساعدة من أي طرف، لا من صنعاء ولا من عدن. نحن نشعر بالذل. نقيم في العراء بجوار القمامة. لقد تخلّى الجميع عنا. لم نحصل على حق اللجوء، ولا حقوق الانسان. لم يرحمنا أحد".
وبينما دعت وزارة حقوق الانسان المجتمع الدولي إلى دعم إحلال السلام في اليمن، من أجل أن تتمكن الدولة من حل مشاكلها، وبالتالي حل مشكلة اللاجئين، تحدثت منظمة الهجرة الدولية عن صعوبات في تمويل برامج المساعدة للاجئين.
وفي الانتظار، يعرب اللاجئون عن فقدانهم الأمل في حل مشكلتهم في المستقبل.