مرر حزب الله اللبناني رسائل سياسية وعسكرية بالجملة عبر نشره صور مسيّرة رصدت مساحات واسعة تتضمن مراكز إسرائيلية حيوية في الجبهة الشمالية.
وفي وقت سابق الثلاثاء، نشر الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني مشاهد بعنوان، "ما رجع به الهدهد" التقطتها طائرة مسيّرة وتظهر مواقع عسكرية وبنى تحتية في شمال إسرائيل.
والعملية التي نفذها الحزب ذات بعدٍ عسكري وأيضًا نفسي، وهي تعيد رسم الإستراتيجيات في الميدان، خاصة أن طائرة حزب الله عادت- وفق الإعلام الحربي للحزب- إلى قواعدها دون كشفها من قبل المنظومة الحديدية.
وبمنطق الاشتباك الميداني، أعلن الحزب أيضًا عن استهداف مواقع إسرائيلية على طول الحدود.
من جهتها، أعلنت تل أبيب التي استهدفت بالقصف بلدات وقرى لبنانية أيضًا، أنها اعترضت مسيّرات تابعة لحزب الله، فيما رددت وسائل إعلام إسرائيلية أن الحزب يحاول استخدام الإرهاب النفسي، وطالب رئيس بلدية حيفا بخطة دفاعية واسعة وإيجاد ما وُصف بالحل العسكري لإزالة التهديد.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن تل أبيب تقترب جدًا من لحظة اتخاذ القرار بشأن تغيير قواعد اللعبة ضد حزب الله ولبنان.
وليلًا، أعلن الجيش الإسرائيلي "الموافقة" على خطط عملياتية لهجوم في لبنان. وقال في بيان إن كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين"أجروا تقييمًا مشتركًا للوضع في القيادة الشمالية. وفي إطار تقييم الوضع تمت المصادقة وإقرار خطط عملياتية لهجوم في لبنان".
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي زار فيه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لبنان قادمًا من إسرائيل لبحث آفاق خفض التصعيد.
هوكشتاين الذي شدد على رغبة واشنطن في عدم التصعيد، دعا إلى سحب فتيل التوتر واللجوء إلى الدبلوماسية لإنجاز الحل، رابطًا، وفق الرؤية الأميركية، بين التهدئة في قطاع غزة وخفض التصعيد في الجبهة الشمالية.
ما هي رسائل حزب الله؟
وفي هذا الإطار، أوضح الخبير العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب، أن هذه ليست عملية التصوير الأولى التي يقوم بها حزب الله، مشيرًا إلى أنها تحمل رسالة مفادها أنه قادر على تجفيف صواريخ القبة الحديدية، وليس فقط استهدافها، علمًا أنه صوّر رادارات ومركز القبة، التي من المفترض أن تكون متخفية وليس ظاهرة للعيان.
وفي حديث لـ"العربي" من العاصمة اللبنانية بيروت، أضاف ملاعب أن ما قام به حزب الله اليوم يعتبر نوعًا من الحرب النفسية على إسرائيل وجنودها وسكان الشمال.
ملاعب الذي ذكر أن حزب الله كان قد أرسل مسيّرة مسبقًا إلى النقب، أشار إلى أن الحزب قد يرسل "هدهد 2"، لكي يثبت للعالم أن لديه قدرة على التصوير أبعد من حيفا.
وتابع أن لدى حزب الله القدرة على تدمير معظم أجهزة الرصد الإسرائيلية، مشيرًا إلى أنها ليست صدفة أنه قام بتدمير المنطاد الذي كانت تفتخر فيه إسرائيل بصناعته لمراقبة المنطقة بأكملها، وكما قصف قاعدة ميرون المسؤولة عن رصد التحركات على بعد 300 كيلومتر في الشمال.
وأوضح الخبير العسكري والإستراتيجي أن حزب الله ربما لديه القدرة على التشويش، أو أن معظم الدفاعات الجوية وأجهزة الرصد الإسرائيلية أصبحت خارج الخدمة.
ردة الفعل الإسرائيلية من فيديو حزب الله
من جهته، لفت الباحث في مركز "مدى الكرمل" مهند مصطفى، إلى أن المقطع المصور الذي بثه حزب الله أثار رعبًا وغضبًا في المجتمع الإسرائيلي، بعد أن أقنعت تل أبيب مجتمعها بأنها الوحيدة التي تملك المعلومات الاستخباراتية عن أعدائها.
وفي حديث إلى "العربي" من أم الفحم، أضاف مصطفى أن استطلاعات الرأي في المجتمع الإسرائيلي حول تأييدهم لفتح مواجهة شاملة مع حزب الله ارتفعت من 20% قبل نصف إلى عام إلى 62% خلال هذا الشهر، ما يعني أن أغلب المجتمع الإسرائيلي يؤيد مواجهة شاملة مع الحزب.
لكنه أشار إلى أن ما بثه حزب الله يشير إلى أن هذه المواجهة ستكون خطيرة جدًا على المجتمع الإسرائيلي، لافتًا إلى أن الفيديو سيكبح جماح هذا التأييد، لأنه يكشف لهذا المجتمع أنه أمام خصم يعرف عنه كل شيء.
وتابع مصطفى أن أغلبية الجنرالات الإسرائيليين المهمين في التاريخ الإسرائيلي والتيار المعارض كانوا يعارضون الذهاب إلى مواجهة شاملة مع حزب الله، لأن تداعيات مثل هذه الحرب في ظل هذه الظروف تشير إلى أن تل أبيب ستخسرها عسكريًا ودوليًا وإستراتيجيًا، لأنها لن تستطيع أن تحسم هذه المعركة.
معضلة نتنياهو
وأردف مصطفى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام معضلة كبيرة جدًا، والأميركيون يفهمون هذه المعضلة، ويعتقدون مثل ما يعتقد حزب الله في هذه المسألة أن وقف التصعيد على الجبهة الشمالية مرتبط بوقف الحرب على قطاع غزة.
ولفت إلى أن نتنياهو لا يريد أن يوقف الحرب على قطاع غزة لأسباب مختلفة منها سياسية، وشخصية، وإذا لم يوقف الحرب على غزة فإن التصعيد سوف يستمر على الجبهة الشمالية.
مصطفى الذي أشار إلى أن المعضلة التي يعيشها نتنياهو ستؤدي إلى تآكل الردع الإسرائيلي، وإلى عدم قدرة تل أبيب على حسم المعركة، أوضح أن عدم حسمها سوف يزيد الطين بلة بالنسبة لإسرائيل على المستوى الإستراتيجي.
وقال مصطفى: إن "الولايات المتحدة الأميركية جاءت إلى المنطقة لتقول لإسرائيل وتطرح لها فكرة الذهاب إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لأن هذا هو الحل الوحيد من أجل منع التصعيد على الجبهة الشمالية".
وفيما أشار إلى أن نتنياهو لا يريد أن يوقف الحرب على الجبهة الجنوبية من جهة، ويخاف من الذهاب إلى حرب شاملة على الجبهة الشمالية بدون موافقة ودعم أميركي من جهة أخرى، لفت مصطفى إلى أن تل أبيب لن تذهب إلى هذه الحرب بدون دعم أميركي سواء كان دوليًا أو سياسيًا أو عسكريًا، لأن ليس لديها شرعية دولية للذهاب إلى هذه الحرب.
ماذا في زيارة هوكشتاين إلى بيروت؟
مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق توماس واريك، أوضح من جهته، أن القدرات المرتبطة بالتقاط مثل الصور التي بثها حزب الله معروفة، وهو لديه هذه القدرات، لكنه تساءل ما إذا كانت إسرائيل على علم بقدرة مسيرات الحزب.
وفي حديث إلى "العربي"، من واشطن، أضاف واريك، أن حزب الله بهذه العملية، يوفر فرصة لإسرائيل لتعزيز دفاعتها، لا سيما الرادارات، مشيرًا إلى أن الحزب على علم بذلك وبما يمكن أن يحصل، لكنه أراد أن يظهر بأن لديه قدرات مثل تل أبيب.
وبشأن زيارة المبعوث الأميركي إلى بيروت، لفت واريك إلى أن هوكشتاين أراد أن يظهر أن حزب الله لديه قوة صاروخية يمكن أن تستهدف إسرائيل، كما إمكانية الأخيرة التي يمكن أن تستهدف الحزب، كما أنه أراد أن يشجع الطرفين لا سيما حزب الله لاحترام القوانين الدولية، وسحب قواته بعيدًا عن الحدود وفقًا للقرارات الأممية.
وأشار إلى أن ما نحتاجه الآن هو أن يحجم الطرفان عن أي خطوات تصعيدية ومحاولة العودة إلى ضبط النفس، لا سيما فيما يخص المواجهة العسكرية.
ولفت إلى أن هوكشتاين يعتقد أن هناك مساحة للديبلوماسية، ولكن المساحة تضيق شيئًا فشيئًا، مضيفًا أن المهم أن يحجم حزب الله عن اتخاذ أي خطوات عسكرية.
وأردف واريك أن هوكشتاين حاول أن يقول لإسرائيل، بأن إيران يمكن أن تنهمك في نزاع، فيما إذا كانت هناك حرب مع حزب الله.
وتابع أن هوكشتاين لم يرد أن يهدد لبنان، لكن الولايات المتحدة الأميركية تريد هدوءًا ولا تريد تصعيدًا، مشيرًا إلى أن إسرائيل فهمت الرسالة ويجب أن تتوخى الحذر بسبب المخاطر التي تحيط بحرب شعواء، مشددًا على وجوب أن يتخذ حزب الله الخطوة الأولى بالانسحاب بعيدًا عن خطوط التماس، وفقاً لقرار مجلس الأمن.