الأربعاء 20 نوفمبر / November 2024

علي بومنجل.. المناضل الجزائري الذي "انتصر" بعد 64 عامًا على مقتله

علي بومنجل.. المناضل الجزائري الذي "انتصر" بعد 64 عامًا على مقتله

شارك القصة

علي بومنجل
المناضل الجزائري علي بومنجل (غيتي)
اعتقل علي بومنجل في فبراير 1957، وقتل في مارس من العام نفسه، وقدمت الإدارة الاستعمارية، آنذاك، رواية تزعم انتحاره، لإخفاء حقيقة تعذيبه الوحشي وقتله.

"لم ينتحر ولكنه تعرّض للتعذيب والقتل". بهذا الاعتراف غير المسبوق، أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تسليط الضوء على قضية المحامي والمناضل الجزائري علي بومنجل الذي عُذّب ثم قتل على يد الجيش الفرنسي في العام 1957.

وإذا كان ماكرون أدلى بهذا الاعتراف "باسم فرنسا"، أمام أحفاد بومنجل الذين استقبلهم الثلاثاء، فإنّ إعلانه يعيد التذكير بحقبة الاستعمار والحرب في الجزائر، التي وضعت أوزارها عام 1962، لكنها لا تزال تمثل حلقة مؤلمة للغاية في ذاكرة عائلات ملايين الجزائريين.

وطوت تلك الفترة تاريخًا من النضال كلّف بعض الجزائريين دماء زكية. واستمر الاستعمار الفرنسي للجزائر بين عامي 1830 و1962؛ حيث تقول السلطات الجزائرية ومؤرخون إن هذه الفترة شهدت جرائم تعذيب وقتل بحق ملايين الأشخاص، إلى جانب حملات التهجير ونهب الثروات‎.

من هو علي بومنجل؟

ولد علي بومنجل في 24 مايو/ أيار 1919، في غليزان، في أسرة مثقفة، حيث كان والده مدرسًا وأخوه محاميًا. نال شهادة في الحقوق من جامعة الجزائر في العام 1943، ومارس مهنة المحاماة.

كان بومنجل آنذك ناشطًا سياسيًا وعضوًا في حزب "الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري"، الذي أسّسه في العام 1946 فرحات عباس، أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

لعب بومنجل دورًا في التعريف بالقضية الجزائرية على المستويين الداخلي والخارجي. وتتناقل وسائل الإعلام الجزائرية حادثة تظهر بعض جوانب هذا الدور، حيث اغتنم بومنجل فرصة انعقاد مؤتمر "المجلس العالمي للسلم"، في باريس، في 25 أبريل/ نيسان عام 1949، ليشرع أمام الحضور في تحليل الوضع العام للجزائر تحت سيطرة النظام الكولونيالي المستبد، وقد تركت مداخلته وقعًا كبيرًا على الحضور".

ومع اندلاع ثورة التحرير في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1954، صار بومنجل أحد أبرز المحامين المدافعين عن المناضلين الجزائريين، الذين كانوا هدفًا للإدارة الاستعمارية.

والتحق المناضل الشاب مبكرًا بصفوف "جبهة التحرير الوطني". ووصفه المؤرخ بنجامين ستورا بأنه "رجل ذو شجاعة استثنائية".

الاعتقال والتعذيب.. والقتل

اعتقل علي بومنجل خلال "معركة الجزائر" العاصمة بين يناير/ كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول 1957 بعد تدخّل القوات الخاصة للجيش الاستعماري لوقف هجمات جبهة التحرير الوطنية.

ويقول مؤرخون من الجزائر وفرنسا: إن فرقة من المظليين، وهي قوة استعمارية أرسلتها باريس آنذاك للقضاء على الثورة الجزائرية، ألقت القبض على بومنجل في 9 فبراير/ شباط 1957، في أحد أحياء العاصمة الجزائر، ثم احتجز في ثكنة عسكرية ووضع في الحبس الانفرادي.

الاستعمار الفرنسي للجزائر
مع قرب موعد الذكرى الستين لاستقلال الجزائر، اتّخذ الرئيس الفرنسي سلسلة "خطوات رمزية" في إطار "مصالحة الذاكرة" بين البلدين (غيتي)

 

وتعرض بومنجل للتعذيب طيلة فترة اعتقاله، قبل أن يقتل في 23 مارس/ آذار من العام نفسه.

وقدمت الإدارة الاستعمارية، آنذاك، رواية تزعم انتحار علي بومنجل، لإخفاء حقيقة تعذيبه الوحشي وقتله. لكن قيادة الثورة الجزائرية ومؤرخين قالوا إنه أُلقي من الطابق السادس لعمارة في حي الأبيار، وسط العاصمة.

وعلى مدى عقود، تكررت دعوات من عائلة بومنجل ومنظمات جزائرية للكشف عن الرواية الحقيقية لوفاته، لكن باريس ظلت تتجاهل ذلك.

في العام 2001، اعترف الجنرال الفرنسي السابق بول أوساريس في مذكراته بالإشراف على قتل بومنجل وإخفاء الجريمة على أنّها انتحار. وقال إنه أمر بنفسه أحد مرؤوسيه بقتل بو منجل.

والجنرال أوساريس معروف بأساليبه الوحشية في تعذيب السجناء السياسيين. وعلى الرغم من اعترافه، لم يبدِ الجنرال الملقب بـ"بطل التعذيب في حرب التحرير الجزائرية" أي أسف أو ندم على ما اقترفته يداه.

وتوفي بول أوساريس في ديسمبر/ كانون الأول 2013، عن عمر  ناهز الخامسة والتسعين.

وبعد 20 سنة من اعتراف المسؤول المباشر عن القتل، والتي ظلّت خلالها فرنسا متمسكة برواية انتحار المناضل الجزائري؛ اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء الماضي، في 2 مارس/ آذار 2021، بأنّ المحامي والزعيم الوطني الجزائري علي بومنجل "تعرّض للتعذيب والقتل" على أيدي الجيش الفرنسي خلال الحرب الجزائرية عام 1957.

وأدلى ماكرون بنفسه بهذا الاعتراف، "باسم فرنسا"، أمام أحفاد بومنجل، بعد 64 عامًا على مقتل المناضل الجزائري.

وكانت ابنة أخ بومنجل، فضيلة بومنجل شيتور، أستاذة الطب والناشطة في مجال حقوق الإنسان، ندّدت الشهر الماضي بمحاولة باريس التغطية على جريمة قتل عمّها، واصفة ما جرى بـ"كذب الدولة (الفرنسية) الهدّام".

طي صفحة الماضي الاستعماري؟

وجاءت خطوة الرئيس الفرنسي بعد أسابيع من تسلمه تقريرًا حول الحقبة الاستعمارية من المؤرخ بنيامين ستورا، تضمن توصية بضرورة كشف حقيقة هذه الحادثة.

وفي 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، سلّم ستورا للرئيس الفرنسي تقريره حول استعمار الجزائر، تضمن مقترحات لإخراج العلاقة بين البلدين من حالة الشلل التي تسببت فيها قضايا الاستعمار العالقة بينهما.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close