تحيي مجموعة من الدول هذه الأيام الذكرى الثامنة والسبعين لانتصار الحلفاء على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، ومن بين هذه الدول روسيا التي تحتفل اليوم الثلاثاء بذكرى الانتصار على ألمانيا النازية.
وتنظّم روسيا في مناسبة ما تسمّيه "يوم النصر"، عرضًا في الميدان الأحمر وسط تدابير أمنية مشددة في أعقاب سلسلة هجمات بالطائرات المسيرة من بينها هجوم على الكرملين نفسه تلقي موسكو باللائمة فيه على أوكرانيا.
ومن المتوقع أن يشهد بوتين ووزير الدفاع الروسي ومسؤولون كبار آخرون العرض الذي عادةً ما يشمل الدبابات وقاذفات الصواريخ العابرة للقارات وجنود المشاة. لكن السلطات ألغت تحليق طائرات، فيما أشارت تقارير إلى مشاركة عدد أقل من الجنود والعتاد العسكري في العرض هذا العام.
وسيلقي بوتين كلمة في الميدان الأحمر حيث سينضم إليه زعماء عدد من الجمهوريات السوفيتية السابقة. ولم يتطرق بوتين في كلمته العام الماضي إلى أوكرانيا لكنه انتقد حلف شمال الأطلسي لتوسعه حتى الحدود الروسية وأثنى على بطولة السوفييت في مقاومة هتلر.
الحرب في أوكرانيا تؤجج نيران الصراع
وتأتي احتفالات النصر هذا العام كما العام الماضي وسط أجواء عالمية ملبدة بغيوم التوتر والخلافات والنزاعات مختلفة الأشكال، وعلى رأسها الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي خضم ذلك، تبرز تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التي قال فيها إن روسيا ستُهزَم كما هُزمت ألمانيا النازية على حدّ تعبيره.
وبالفعل، أجّجت الحرب في أوكرانيا نيران الصراع بين الدول الكبرى وأعادت الحديث عن إمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة رأس الحربة فيها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في الناتو من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، حذر مسؤولون في أكثر من دولة في العالم فعلًا من تطور الحرب الروسية في أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة وعلى رأس هؤلاء مسؤولون روس، من بينهم وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي قال في شهر أبريل/ نيسان من العام الماضي إنّ هناك خطرًا فعليًا لاندلاع هذه الحرب، ذلك أنّ إمداد الناتو لأوكرانيا بالأسلحة يعني في جوهره أنّ التحالف الغربي ضالع في حرب بالوكالة مع روسيا.
عوامل عدّة تعزّز نظرية الحرب العالمية الثالثة
ويشير سياسيون وباحثون في العلاقات الدولية يتبنّون نظرية الحرب العالمية الثالثة، إلى توافر عوامل عدّة لاندلاع مثل هذه الحرب وفي مقدّمة هذه العوامل، التحالفات والتخندقات العسكرية والسياسية وحتى الاقتصادية التي ينغمس فيها الغرب من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى بطبيعة الحال.
أما ثاني هذه العوامل وفق باحثين، فيكمن في تسارع وتيرة التسلح بين الدول الكبرى، والتسابق بين دول النادي النووي على امتلاك أحدث الأسلحة النووية وأكثرها فتكًا بل والتهديد باستخدامها كما فعل مسؤولون روس منذ بداية الحرب الحالية في أوكرانيا.
كما يعزّز فرضية الحرب العالمية الثالثة وفق باحثين، وجود أسلحة لم تكن موجودة في السابق، ومن بينها السلاح السيبراني.
بؤر توتر عديدة لانفجار الصراع
وبالإضافة إلى الحرب في أوكرانيا، يرشح باحثون بؤر توتر عديدة لانفجار شرارة الحرب، منها منطقة الشرق الأوسط حيث تداعيات البرنامج النووي الإيراني، وأيضًا بحر الصين الجنوبي، وملف تايوان حيث الصراع بين واشنطن وبكين، علاوة على شبه الجزيرة الكورية حيث تهديدات بيونغيانغ، وليس أخيرًا التوتر بين الهند وباكستان.
لكن في المقابل، يرى تيّار متفائل ألا حرب عالمية ثالثة تلوح في الأفق، وذلك عائد وفق قولهم إلى توازن القوة والردع من جهة، وحالة التعددية القطبية التي يشهدها العالم حاليًا من جهة أخرى، بما تفرضه من نظام عالمي مترابط ومتداخل اقتصاديًا وتجاريًا واستثماريًا يوجب التعاون لحماية المصالح وتعظيمها.
اختلاف الظروف بين 1945 و2023
وتعليقًا على هذه المشهديّة، يتحدّث أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف حسني عبيدي عن اختلاف في الظروف بين 2023 و1945، مذكّرًا بأنّ دولة واحدة كان لديها السلاح النووي آنذاك، وهو ما لم يعد واقع الحال اليوم.
ويشير في حديث إلى "العربي"، من جنيف، إلى أنّ روسيا الأمس كانت الاتحاد السوفيتي وكانت عضوًا ضمن مجموعة الحلفاء ضدّ دول المحور وضد ألمانيا، "لكن اليوم هناك طبيعة جديدة للنظام الدولي الذي لم يبقَ على نفس التشكيلة حتى إنّ هناك تباينًا في يوم الاحتفال بالنصر بين الدول".
ويلفت إلى أنّ نشوة الانتصار لم تدم بعد الحرب العالمية الثانية، لأنّه حصل استقطاب كبير بين القطبين الشرقي والغربي بعد انتهاء الحرب مباشرة.
كما يشير إلى وجود استعمال مزدوج لقضية النازية، حيث إنّ الرئيس الأوكراني يستخدم الحرب ضد النازية عندما يشير إلى الحلف الديمقراطي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين كذلك يشير منذ بداية الحرب إلى أن جزءًا كبيرًا من الجيش الأوكراني مقتنع بفكرة النازية.