تمامًا كما استلم رئاسة لبنان على وقع فراغ رئاسي دام لأكثر من عامين، سلّم ميشال عون البلاد على فراغ آخر، بعد عجز البرلمان عن انتخاب خلف له ضمن المهل الدستورية.
لكنّ فراغ اليوم يبدو أكثر "خطورة" بأشواط من فراغ 2014، فالحكومة التي ينبغي أن تستلم صلاحيات رئيس الجمهورية، بموجب الدستور، مستقيلة منذ انتخابات مايو/ أيار الماضي.
ولعلّ الأنكى أنّ "فوضى دستورية" تُثار حول أهليّة هذه الحكومة لمواصلة عملها، بعدما وقّع عون الأحد، مرسوم اعتبارها "مستقيلة"، ولو اعتبر كثيرون أنه بلا مفاعيل دستورية.
ويرى كثيرون أنّ هذا الفراغ يأتي في توقيت حسّاس، إذ يغرق لبنان منذ أشهر بأزمات لا تنتهي في ظلّ انهيار اقتصادي مزمن، يبدو حتى الآن بلا أفق.
كما أنّه يأتي أيضًا في وقت تحتاج فيه البلاد إلى سلطة قادرة على اتخاذ قرارات ضرورية وتنفيذ إصلاحات لضمان الحصول على مساعدات دولية لا تزال مجمّدة.
وسط هذه الصورة "السوداوية"، إن جاز التعبير، تُطرَح الكثير من الأسئلة، فماذا يعني الشغور الرئاسي للبنان؟ ومن سيدير شؤون البلاد؟ هل من حل في الأفق؟
الشغور الرئاسي سيد الموقف مجددا في #لبنان 👇 pic.twitter.com/szWsl7Uzmc
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) November 1, 2022
كيف وصل لبنان إلى الفراغ الرئاسي؟
في لبنان، عادة ما يؤخر نظام التسويات والمحاصصة القائم بين القوى السياسية والطائفية، القرارات المهمة، فيتأخر تشكيل الحكومة او انتخاب رئيس للبلاد لأشهر عدة.
تبدو هذه القاعدة، التي خلص إليها تقرير لـ"فرانس برس"، من "الثوابت" في لبنان، فقد تطلّب الاستحقاق الرئاسي عامين ليُنجَز في 2016 مثلًا، بعد 46 جلسة انتخاب لم تفضِ لشيء.
ويبدو أنّ التاريخ يعيد نفسه من جديد، إذ فشل البرلمان منذ نهاية سبتمبر/ أيلول أربع مرات في انتخاب رئيس جديد للبلاد، وسط توقعات بديمومة هذه الحالة.
وما يعمّق من الأزمة، أنّ جلسات الانتخابات تحوّلت في مكان ما إلى ما يشبه "الاستعراض"، كأن يضع النواب "شعارات" بدل الأسماء في الصناديق، أو يطيّروا النصاب ببساطة.
وفي جلسة الانتخاب، يحتاج المرشّح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين أي 86 صوتًا للفوز. وفي حال جرت دورة ثانية، تصبح الغالبية المطلوبة 65 صوتًا.
لكنّ المشكلة، أو المعضلة، أنّ "الاجتهاد" في لبنان قائم على أنّ النصاب يبقى 86 نائبًا في الدورة الثانية، فيما تجاهر قوى سياسية باعتبار إفقاد النصاب "حقًا ديمقراطيًا".
وينقسم المجلس النيابي إلى أكثر من معسكرين أساسيين، لا يملك أيّ منهما 86 نائبًا، فيما تعصف الخلافات أساسًا بكل منهما، حيث لم يتّحد أي منهما على مرشح "موحّد" حتى الآن.
من سيدير البلاد الآن؟
لا يعترف الدستور بالفراغ، فبموجبه تنتقل صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء مباشرةً، وهو ما حصل في لبنان أكثر من مرّة، وفي أكثر من مناسبة.
لكنّ الإشكال غير المنظور هذه المرّة، يكمن في أنّ الحكومة القائمة مستقيلة بفعل الانتخابات النيابية في مايو/ أيار، وهي تتولى تصريف الأعمال، من دون أن تنجح القوى السياسية طيلة الفترة الماضية على تشكيل أخرى تخلفها.
واستبق عون انتهاء ولايته بتوقيعه الأحد مرسوم اعتبار حكومة تصريف الأعمال مستقيلة، في خطوة هدفها منع حكومة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من استلام صلاحيات الرئيس، ولو أنّ العديد من الدستوريين اعتبروا المرسوم "إعلانيًا" لا مفاعيل دستورية له.
ومنذ أسابيع، يتبادل عون وميقاتي الاتهامات بتعطيل تأليف حكومة نتيجة شروط وشروط مضادة، خصوصًا من جانب صهر عون، الوزير السابق جبران باسيل.
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر حكومي تأكيده أنّ "ميقاتي سيتابع إدارته للبلاد كما هو الحال منذ أن أصبحت حكومته حكومة تصريف أعمال" بعد الانتخابات البرلمانية.
ويشير المصدر إلى أن "ذلك يؤثر بشكل كبير على عمل الحكومة من ناحية عدم قدرتها على إصدار مراسيم أو حتى اتخاذ أي قرارات تتطلب موافقتها مجتمعة"، وبينها قرارات متعلقة ببدء التحضير للتنقيب واستخراج الغاز من المياه الإقليمية إثر التوقيع الأسبوع الماضي إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
أحداث كثيرة شهدها #لبنان في عهد الرئيس #ميشال_عون .. إليكم أبرزها 👇 pic.twitter.com/TvAWbTL1jE
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) October 30, 2022
هل من أفق للحل؟
لا تلوح في الأفق حلول قريبة لأزمة الفراغ الرئاسي، إذ لا بشائر توحي بإمكان "التوافق" على مرشح في المدى المنظور.
ونقلت وكالة "فرانس برس" في هذا الإطار عن نائب في البرلمان عن كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قوله: إنّ الأخير يبحث في الدعوة إلى حوار تتيح "التوافق" بين الكتل النيابية على اسم مرشح يحظى بغالبية أصوات النواب.
لكنّ المفاجأة في هذا الصدد، أنّ مثل هذا الحوار يصطدم بدوره ببعض المواقف الرافضة له، إذ اعتبر الرئيس السابق ميشال عون أن "لا حق" لرئيس البرلمان بالدعوة إلى حوار، وأنّ هذا الأمر هو "حصرًا" من صلاحيات رئيس البلاد.
وتعتبر قوى أخرى أن "لا جدوى" من الحوار في هذا الوقت، وهو ما يتقاطع مع موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي قال في عظة الأحد الماضي: إنّ الوقت "ليس وقت حوار، وإنما وقت انتخاب رئيس للجمهورية".
أين حزب الله من المعادلة؟
ويرى محللون ومعارضون أنّ شغور الرئاسة مرتبط بشكل رئيسي بسعي حزب الله وحلفائه إلى التوصل إلى تسوية، على غرار ما حصل عند انتخاب عون، حليف حزب الله الأبرز.
لكنّ بنود مثل هذه التسوية لا تبدو متاحة بعد، فإذا كان يُنظر على نطاق واسع الى الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية، على أنه المرشح الأمثل بالنسبة لحزب الله، إلا أنّه لم يعلن دعمه له بعد، كما أنّ الوزير السابق جبران باسيل رفض تأييد ترشيحه.
ويحظى النائب ميشال معوّض بتأييد كل من كتلة القوات اللبنانية، أبرز الأحزاب المسيحية، والكتائب اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. لكن حظوظه تبقى ضئيلة، ويصفه حزب الله بأنه "مرشح التحدي".
كما تتداول الدوائر السياسية اسم قائد الجيش جوزف عون، الذي لا يتيح له منصبه الإدلاء بمواقف سياسية، عدا عن أن انتخابه يتطلب تعديلًا دستوريًا، يعتبر البعض أنّه يمكن "تجاوزه" بعد وقوع الفراغ.