لدى أميركا الآن رئيسها الكاثوليكي الثاني بعد 60 عامًا، وخلال عصريْن مختلفيْن كثيرًا بالنسبة للكاثوليك الأميركيين زمنيًا، ومتقاربيْن فكريًا بين الفاتيكان والبيت الأبيض.
وكشف تقرير خاص لموقع "فورين بوليسي" وجه الشبه بين العصرين، الذي يكمن في تولي الرئيس بايدن منصبه في وضع فريد قد يسمح له بالعمل بشكل منتج مع حليفٍ قوي في الفاتيكان، حول قضية وصفها للشعب الأميركي بعد أسبوع من تنصيبه بأنها "تهديد وجودي"، وهي طبعًا أزمة تغير المناخ.
خطر مشترك
منذ 60 عامًا، شكل خطر الإبادة النووية أكبر تهديد للبشرية. حينها ساعد البابا يوحنا الثالث والعشرون، كينيدي على توسيع الدعم الشعبي المحلي لتغيير موقف واشنطن في الحرب الباردة، وإعداد الرأي الكاثوليكي على وجه الخصوص للتحوّل في الخطاب تجاه موسكو.
قد يصلح هذا المثل ليكون درسًا لإدارة بايدن-هاريس القادمة لتشكيل تحالف مع البابا فرنسيس، لا سيّمّا أنّها تصارع حقيقة وجود 74 مليون أميركي صوتوا لصالح من ينكر تغير المناخ.
خطوة سياسية بواجهة روحية
استغرق كينيدي عاميْن ليخاطر بالمجاهرة بتحالفه مع البابا يوحنا الثالث والعشرين. ففي البداية، شعر كينيدي بضرورة إبقاء الفاتيكان بعيدًا عن الضوء، اذ لم يمنع التعصب المعادي للكاثوليكية وصوله إلى السلطة، لكنه قمع في المقابل تصويت الديمقراطيين لصالحه في بعض أجزاء البلاد.
من جهته، كان الفاتيكان حساسًا بالقدر عينه، لكن سرعان ما اتّخذ الكرسي الرسولي خطوة غير عادية بالتوضيح في بيان عام أنه "لن يُتوقع من الرئيس الأميركي أن يركع في أي لقاء مستقبلي مع البابا" خلافًا للعادة التي تعود إلى قرون.
لم يفقد كينيدي حذره أبدًا بشأن الظهور قريبًا جدًا من روما، إلا أنه لم يكن ساذجًا بشأن الفوائد المحتملة للدعم البابوي في عالم يحدق في وجهه خطر الإبادة النووية.
فكان للبيت الأبيض بعهد كينيدي اليد الطولى بتشكيل بيان دعوة البابا للسلام خلال أزمة الصواريخ الكوبية. وبعدها، أراد كل من كينيدي ويوحنا الثالث والعشرون تغيير دفّة المحادثات العالمية حول السلام و تحقيق الانفراج السياسي تجاه المقاومة السوفيتية.
وعندما كان الحبر الأعظم يصارع السرطان عام 1963، بدأ الفاتيكان جهدًا عبر قناة خلفية بقيادة الصحفي اليهودي الأميركي وناشط السلام نورمان كوزينز -بمباركة من كينيدي- لتقريب واشنطن والكرملين من تحقيق أول اتفاق للسيطرة على الأسلحة النووية.
وكانت أهم مساهمة في الاتفاق الرسالة البابوية Pacem in Terris التي تدعو إلى نهج جديد لصنع السلام، نهج لا يعتمد على الأسلحة ولكن على الكلمات وقوة التفاوض.
وعبّد الفاتيكان الطريق أمام كينيدي، وسهل سياسيًا عليه إصدار بيانه الموسع حول السعي لتحقيق السلام في الحرب الباردة في خطابه بالجامعة الأميركية في يونيو/حزيران 1963، والذي أسفر عن معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية مع موسكو في وقت لاحق من ذلك الصيف.
التاريخ يعيد نفسه
الآن وبعد خمسة عقود، هناك فرصة أمام البابا فرنسيس والرئيس جو بايدن لإعادة التاريخ والعمل معًا في قضية مختلفة تهدد مستقبل البشرية.
ففي عام 2015، وجّه البابا فرانسيس في منشور بابوي يحمل اسم "Laudato si" نداءً عاجلاً لإجراء حوار جديد حول "كيف نشكل مستقبل كوكبنا" تم توقيته استراتيجيًا للتأثير على اتفاقية باريس للمناخ، والتي انسحب منها ترمب لاحقًا.
وفي كتابه "دعونا نحلم: الطريق إلى مستقبل أفضل"، يستذكر فرنسيس كيف أنه بعد انتخابه، جمع أفضل العلماء في العالم وطلب منهم تقديم ملخّص عن "حالة كوكبنا". ثم طلب من علماء اللاهوت والعلماء العمل معًا على تشكيل وثيقة تكون بمثابة مخطط لتحفيز الناس على الانخراط في قضايا المناخ.
وعندما سافر البابا إلى ستراسبورغ عام 2014 لإلقاء كلمة أمام المجلس الأوروبي، حث وزير البيئة آنذاك في عهد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، رأس الكنيسة الكاثوليكية على إكمال الوثيقة وإصدارها قبل أن يجتمع ممثلو العالم في باريس، للمساعدة في تعزيز الدعم لما سيصبح اتفاقية المناخ.
اليوم، مع قرار إدارة بايدن بالانضمام مرة أخرى إلى اتفاق باريس المناخي، فإن التحدي نفسه كما كان عام 1963، ألا وهو إقناع المزيد من الجمهور الأميركي بالعودة إلى احتضان الواقع المعقد للتهديد الوجودي للكوكب.
و يمكن للبابا، الذي حاول مناشدة كل أصحاب النوايا الحسنة وليس فقط الكاثوليك لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها البيئة؛ أن يقدم مساعدة كبيرة لبايدن في إقناع المؤمنين بأنه لا توجد حواجز طقسية ولاهوتية لمكافحة الاحتباس الحراري، تمامًا كما كان الفاتيكان يسعى لتلطيف الأجواء لإبعاد خطر الحرب النووية مع دولة شيوعية ملحدة.
مجاهرة بالتحالف
نتيجة التعصب الأعمى المعادي للكاثوليكية في عصره، كان على كينيدي تلقي المساعدة بشكل غير مباشر من الفاتيكان.
لكن بايدن يمكن أن يحتضن تقرّبه من الكرسي علانية. في الواقع، لقد فعل ذلك بالفعل. عندما اتصل البابا ببايدن لتهنئته على فوزه في الانتخابات كان العمل البيئي من بين القضايا الرئيسية التي تعهدا بالعمل عليها معًا.
إن اختيار بايدن لمبعوث خاص للمناخ، وهو وزير الخارجية السابق الكاثوليكي جون كيري، يشير إلى الفرصة الرائعة التي قدمتها الفاتيكان لتخفيف الانقسام السياسي حول حماية البيئة.
وأخيرًا، خلال توقيع بايدن هذا الأسبوع على أوامر تنفيذية تتعلق بخطر تغير المناخ، أعلن الرئيس الـ46 للولايات المتحدة أنه أصدر تعليماته لوزارة العدل لإنشاء مكتب للعدالة المناخية تتضمن فريقًا خاصًا للتوعية الدينية. ما قد يثبت الشراكة المحورية لتحقيق العدالة البيئية التي يلتزم بها، يقول كل من الرئيس والبابا.