يستعيد القيادي السابق في حركة طالبان الملا عبد السلام ضعيف فصولًا من تاريخ أفغانستان بحلوله ضيفًا على شاشة "العربي" ضمن برنامج "وفي رواية أخرى".
هي أفغانستان التي تعيش منذ نصف قرن حالة من الصراع المستمر؛ منذ انقلابات عقد السبعينيات مرورًا بالاحتلال السوفيتي، والحرب الأهلية التي تبعت ذلك بداية التسعينيات ثم الاحتلال الأميركي بعيد هجمات 11 سبتمبر الذي أطاح بإمارة أفغانستان الإسلامية، وصولًا إلى عودة طالبان إلى الحكم قبل عامين.
وخلال خمسين سنة عسيرة مرت على الشعب الأفغاني، أُريقت دماء مئات الآلاف من أبنائه وهجّر الملايين من عوائله وهمّشت البلاد في كل المناحي تقريبًا باستثناء عناوين الأخبار.
وحيث أن الملا عبد السلام ضعيف عايش معظم صفحات الفترة وشارك في الكثير منها بوصفه مقاتلًا في صفوف المجاهدين ضد الجيش الأحمر، ثم في صفوف حركة طالبان التي كان من أهم مؤسسيها، فهو يكشف للزميل بدر الدين الصائغ بعض ما في جعبته من خبايا وكواليس تلك الصفحات.
ضعيف تولّى عددًا من المناصب القيادية في الحركة آخرها سفير الإمارة الإسلامية إلى باكستان، ثم تحوّل إلى وجهها وممثلها الوحيد أمام العالم بعد انهيار نظامها واختفاء مسؤوليها جراء الاحتلال الأميركي، حتى انتهى به المطاف معتقلًا في سجن غوانتانامو بعدما سلمته إسلام آباد إلى واشنطن في عملية سماها بـ"الخيانة".
في الحلقة الأولى من سلسلة إطلالاته، يتحدث عن "الجهاد" في أفغانستان ضد السوفيت، فماذا يقول؟
أفغانستان والعلاقة مع الاتحاد السوفيتي
يصف الملا عبد السلام ضعيف، فترة بداية الانقلاب التي كان فيها يافعًا ولا يعرف ما المشكلة في البلاد بأنها "كانت تاريخية بالنسبة للشعب الأفغاني الذي ما زال يذكر محمد داود خان بوصفه رجلًا ذكيًا ومقتدرًا، ولا سيما أنه كان يعمل على إعادة بناء أفغانستان وجعلها بلدًا مستقلًا في الوقت نفسه".
ويلفت إلى أن محمد داود خان الذي أعلن نفسه رئيسًا لأفغانستان عندما سافر الملك ظاهر شاه إلى إيطاليا لتلقي العلاج، وضع خطة اقتصادية مدروسة للغاية لإعادة بناء البلاد، لا تزال قيد العمل إلى اليوم.
ويضيف أن الشعب كان راضيًا عنه وسعيدًا لأن البلاد كانت مستقلة.
ويتحدث عن زيارة داود خان إلى موسكو تلبية لدعوة من الحكومة السوفيتية للاجتماع مع ليونيد بريجنيف.
ويشير إلى أن خان ولدى عودته غيّر رأيه بالكامل بشأن الاتحاد السوفيتي، حيث أدرك أن هذا الأخير كان يسعى لجعل أفغانستان تحت سلطته ووقف تقدمها وإعاقة عملية إعادة بنائها.
ويقول إن السوفيت أدركوا أنه لم يكن يصغي إليهم، وأنه كان يسعى لدفع أفغانستان نحو التقدم، مما جعلهم يشكون في أنه يتلقى الدعم من الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية من أجل إعادة بناء البلاد.
وفيما يفيد بأن "هذا الأمر لم يكن مقبولًا لديهم"، يضيف أن السوفيت حاولوا مساعدة ودعم الشعب الأفغاني باسم الشيوعية لفعل شيء ضد داود خان. ومن هنا بدأت الثورة بدعم من الاتحاد السوفيتي، والتي انتهت باغتياله.
الغزو السوفيتي لأفغانستان
وعن اجتياح الاتحاد السوفيتي أفغانستان في العام 1979، يقول إن الشيوعية لم تكن قوية في أفغانستان، وإن الشيوعيين لم يلقوا دعمًا من الشعب الأفغاني فكان عددهم محدودًا ولم يتجاوز أكثر من 15 ألف شخص في البلاد.
ويشير إلى أنهم راحوا عند تولي السلطة في أفغانستان يقومون بأنشطة سلبية مثل الدعاية ضد المتدينين وتقسيم أراضي الشعب وممتلكاته.
ويردف بأنهم أعلنوا أمورًا سلبية للغاية ضد المجتمع المسلم، الأمر الذي جعل الناس يفهمون أن الشيوعيين لم يكونوا لصالح أفغانستان ويريدون تدميرها.
ويشرح: "كنا نحن الشعب الأفغاني ندرك ما هو برنامج السوفيت للبلاد مما فعلوه مع طاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان وبلدان أخرى، الأمر الذي دفع الناس إلى رفع صوتهم وقيام الأنشطة ضد الشيوعية.
ويضيف: في أحد الأعوام ضعفت قوة الشيوعيين ولم يعودوا قادرين على حكم البلاد.
وبينما يرى أن غزو أفغانستان كان لخوف السوفيت من انهيار النظام الشيوعي الذي جاء إليها فحضروا لدعمه ومناصرته، يلفت إلى أن النظام الشيوعي الحاكم أخفى في ذلك الحين أكثر من 60 ألف شخص من علماء وأطفال وكبار سن دون معرفة مصيرهم إلى اليوم.
ويتحدث عن أكثر من 3 ملايين أفغاني لجأوا إلى باكستان في تلك الفترة، وعن نحو مليون شخص أو أكثر ذهبوا إلى إيران وإلى بلدان أخرى مثل الدول الأوروبية والعربية.
بدء "الجهاد" ضد السوفيت
إلى ذلك، يشير الملا عبد السلام ضعيف إلى أن الشعب الأفغاني بدأ "الجهاد" ضد الاتحاد السوفيتي والشيوعية وكانوا بمعظمهم داخل أفغانستان، لكنهم أرسلوا عائلاتهم وكبار السن للحماية في مكان آخر مثل باكستان وإيران.
ويستطرد بالإشارة إلى أن الشبان ظلوا في أفغانستان للقتال لقرابة العام، وعندما كانوا يذهبون إلى باكستان كانت مجموعات أخرى تحل محلهم للقتال، ومن هنا بدأوا جبهات القتال في مركز المجاهدين في أفغانستان.
ويضيف أنهم نجحوا بعد عامين في السيطرة على بعض المناطق، ولا سيما ضواحي المدن التي أصبحت تحت سيطرة وحكم المجاهدين.
عن تجربته، يقول إنه "كان في السادسة عشرة في ذلك الوقت، ولم يكن يقاتل مع المجاهدين على خط المواجهة، بل كان وغيره من الشبان يقدمون المساعدة".
ويتطرق إلى انضمامه إلى بعض الحركات من دون أن يعرف أي الحركات الجهادية أفضل، ومن هي تلك التي تحاول استغلال اسم الجهاد، معرّجًا على تجربته في باشمول التي قصدها للانضمام إلى المجاهدين، لكنه أدرك أنهم لم يكونوا يتبعون الجهاد في الغالب رغم أنهم كانوا يقاتلون.
أما انضمامه إلى طالبان التي "كانت حينها باسم الملا محمد صادق واتبع أفرادها الجهاد وعرفوا ما الهدف منه وكانوا يعملون على تثقيف المنتسبين"، فيوضح أن سببه هو "معرفة معنى الجهاد والهدف منه؛ وهو القضاء على الفساد وتأسيس منظومة إسلامية ونشر الإسلام وجعل كلمة الله هي العليا".
ويرى أن "الهدف الأساسي للمجاهدين في أفغانستان كان أداء مسؤوليتهم أمام الله لقدوم أشخاص غير مسلمين إلى أفغانستان لاحتلالها، حيث كانوا يعادون الإسلام والمسلمين ويسعون إلى تدمير الإسلام والمعالم الإسلامية".
ويقول: "كان علينا أن نجاهد وأن نردعهم ولم يكن يهمنا إن نجحنا أو أخفقنا، فما كان يهمنا هو نيل الشهادة في سبيل الله".
ويردف: "لم يكن أحد يتصوّر أننا سنكون قادرين على هزيمة السوفيت في أفغانستان. وأنا شخصيًا لم أفكر في ذلك، لكننا كنا نسعى إلى نيل الشهادة"، مردفًا بأن "تقبل المرء للكفر والكافرين في أفغانستان أمر أكثر خطورة من القتل".
ويضيف: "بدأ الجهاد بهذه النية كما فعلنا في القتال ضد الأميركيين، فلم يكن أحد ليتصوّر أن القوة العظمى جاءت إلى أفغانستان بأكثر التقنيات تقدمًا وأن الشعب الأفغاني سيتصدى لهذا النوع من القوة".
وفي هذا الصدد، يتوقف عند ما قيل له أثناء اعتقاله في سجن غوانتانامو، وفيه: "إذا كنت تعتقد أن أفغانستان ستتصدى لأميركا فأنت تحلم، هذا مستحيل إياك أن تفكر في ذلك، عليكم التعاون معنا والتخلي عن أفكاركم بالتصدي لنا".
ويفيد بأنه كان يقول لهم إنه واثق تمام الثقة بأن الشعب الأفغاني سوف ينتصر عليهم.
الجهاد والتدريب وحمل السلاح
بالعودة إلى "بدايات الجهاد ضد الشيوعيين والسوفيت"، يقول الملا عبد السلام ضعيف: "لم نكن قد تلقينا أي تدريبات ولم نكن نمتلك أي أسلحة، فبدأنا بالزجاجات الحارقة التي كنا نلقي بها على الدبابات".
ويضيف أن من نزحوا إلى باكستان بدأوا التدرب على استخدام أسلحة مختلفة، وأن ذلك كان بعد عامين أو ثلاثة أعوام من بدء الجهاد بأدوات بسيطة.
ويردف: "عندما أدركت الدول الأوروبية وأخرى أن الشعب الأفغاني قادر على قتال الروس والتصدي للشيوعية بدأت تدعمه".
إلى ذلك، يوضح القيادي السابق في حركة طالبان أن صفوف المجاهدين كانت من عامة الشعب، "مثلي أنا"، لافتًا إلى أن الأشخاص الذين انشقوا عن الحكم الشيوعي راحوا يعلمون المجاهدين أنواع الأسلحة وكيفية استخدامها.
ويتوقف عند حصول المجاهدين على صواريخ ستينغر من الأميركيين، التي يقول إنها غيّرت الوضع في أفغانستان، لافتًا إلى أن وصولها سهّل عمل المجاهدين ومنع طائرات السوفيت من التحليق على علو منخفض.
وردًا على سؤال عن معركة أرغنداب في العام 1987، يوضح أنها كانت في البداية في مقاطعة مايواند، التي جاء إليها السوفيت بنية تفتيش إحدى القرى لوجود مركز المجاهدين فيها.
ويقول: "استمر القتال لعدة أيام وتمت محاصرتنا في المنطقة، وأُصيب في اليوم الأخير من القتال الملا محمد عمر وفقد إحدى عينيه".
ويعود بالذاكرة إلى تلك الأيام فيشير إلى أن القصف كان شديدًا، وأن السوفيت استخدموا أسلحة مثل المدفعية ضد المجاهدين، فغادرنا في نهاية الأمر سنجيسار إلى زنغي آباد.
ويمرّ على "القتال الذي اندلع في باشمول أيضًا واستمر لعشرين يومًا"، ليردف بأن "المجاهدين غادروا المنطقة بعد ذلك، في حين فتشها السوفيت وانتقلوا إلى آرغنداب حيث انتهت المعركة بعد أكثر من 20 يومًا".
ويوجز الأمر بالقول: "تلك كانت عملية كبرى للجيش السوفيتي، وقد خسروها".