يعيش لبنان منذ ثلاثة أعوام أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى ارتفاع نسبة الفقر، ما انعكس سلبًا على الحياة الإجتماعية للسكان، وخاصّة الأطفال منهم، ما أثّر سلبًا على صحتهم ورفاههم وتعليمهم، وأدى إلى تدمير أحلامهم وزعزعة العلاقات الأسرية.
وكشفت منظمة "اليونيسيف"، في تقريرها نصف السنوي حول حالة الأطفال في لبنان، أن هؤلاء يدركون تمامًا تأثير الأزمة على حياتهم وتطلّعاتهم وعلى مسار الدولة، ما أدى إلى تلاشي أحلامهم بمستقبل أفضل في لبنان، حيث باتوا يعتقدون أن الهجرة هي الأمل الوحيد.
وأضاف التقرير أن غلاء الأسعار وانتشار البطالة أديا إلى إغراق كثير من العائلات في فقر "متعدّد الأبعاد"، وهذا المصطلح هو تعبير عن مفهوم جديد للفقر قائم على أبعاد عدة، لا تتوقّف عند مستوى الدخل وحسب، بل تأخذ في الحسبان قلة الفرص الضرورية المتاحة من أجل حياة كريمة، وتدني قدرة العائلات على توفير الإحتياجات الأساسية لأطفالهم.
وأكدت الدراسة أن نتائج التقدّم الكبير الذي أحرزه لبنان نحو توفير الحقوق الأساسيّة للأطفال، بما في ذلك حقّهم في الصحّة والتعليم والحماية واللعب والترفيه، تآكلت بسبب الأزمة الاقتصادية وتزامنها مع جائحة كوفيد-19.
نتائج صادمة
وأظهر تقييم للمنظمة جرى في شهر يونيو/ حزيران الماضي، وشمل 1500 أسرة لديها طفل واحد على الأقل، تتوزّع بين 700 لبناني و300 لاجئ سوري و400 لاجئ فلسطيني، نتائج صادمة لناحية مصاريف الأسر وتكاليف المعيشة.
ووجد أن 84% من الأسر لا تملك ما يكفي من المال لتغطية ضروريات الحياة؛ وأن 38% من العائلات خفّضت نفقات التعليم مقارنة بنسبة 26% في أبريل/نيسان 2021؛ وأن 23% من الأطفال خلدوا إلى النوم جائعين؛ وأن 60% من العائلات خفضت الإنفاق على العلاج الصحي، مقارنة بنسبة 42% في أبريل 2022؛ وأن 70% من العائلات تسدّد حاليًا كلفة شراء الطعام من خلال مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو عبر الاقتراض المباشر.
انهيار العلاقات الأسرية
وذكر التقرير أن هذه العوامل أثرت بقوّة على صحّة الأطفال النفسية الذين أصبحوا يعجزون، في معظم الحالات، عن الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها. وفي موازاة ذلك، يشعرون بالإحباط، بعدما فقدوا الثقة في الوالدين لعدم قدرتهما على تلبية احتياجاتهم الأساسيّة، ما يؤدي بدوره إلى زيادة التوترات داخل العائلات.
وفي موازاة مشاعر الأطفال السلبية، أشار التقرير إلى أن الآباء بدورهم، يشعرون بالذنب لعدم قدرتهم على إعالة أطفالهم بشكل صحيح. ويرى الآباء أن أطفالهم ما عادوا يحترمونهم بسبب عجزهم عن القيام بأدوارهم على أتم وجه كمقدمي رعاية. ونتيجة لذلك، تنهار العلاقة بين الطفل ووالديه.
وأضاف أن الحرمان الذي يعاني منه الأطفال، وانهيار العلاقات الأسرية، وتزايد خيبات الأمل يسهم في ارتفاع التوتر داخل الأسر.
ارتفاع نسب العنف
كما أدّت التوترات المتصاعدة، التي عزّزها الانقسام الحاد في الآراء والتوجهات داخل المجتمع نفسه وبينه وبين المجتمعات الأخرى، إلى ارتفاع نسبة العنف في المنازل والمدارس، وهذا ما جعل الأحياء والشوارع غير آمنة، ومنع الطفل من ممارسة حقّه في اللعب.
وأظهر التقرير أن الفتيات هنّ الأكثر تضررًا من كل ما حدث وما يحدث- لأنه يصار الى تقييد حريتهنّ بشكل متزايد تحت حجة الخوف من تعرّضهن للمضايقات.
وحذّرت الأستاذة الجامعية والباحثة الاجتماعية، وديعة الأميوني، في حديث سابق إلى "العربي"، من أن الوضع الأمني في لبنان سيزداد سوءًا في الفترات المقبلة إذا ما لم تقدم السلطات على وضع حلول عاجلة للأزمة، مشيرة إلى أن أرقام جرائم العنف والقتل والسرقة في لبنان تتصاعد بشكل دراماتيكي نتيجة الفقر وغياب السلطة وعدم تطبيق القوانين.
بدوره، قال ممثل اليونيسف في لبنان إدوارد بيجبيدر إن الأزمة تؤثر على حياة الأطفال من مختلف جوانبها، حيث "يكبر هؤلاء من دون طعام كاف، ولا رعاية صحية مناسبة، ويضطرون، في حالات عديدة، إلى العمل لإعالة أسرهم".
وأضاف: "لا يقتصر عواقب ذلك على رفاه الأطفال مباشرة، بل يتعدى ذلك إلى تأثيرات تلازمهم مدى الحياة، وتؤثر على قدرتهم في تحقيق إمكاناتهم الكاملة، وتعزّز مكوثهم في دائرة الفقر والحرمان".
وكشف التقرير أيضًا عن خيبة أمل كبيرة من مسار برامج المساعدات التي تقدّمها كل من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية التي بدت، برأي المشاركين في الاستطلاع، منحازة، ومرحلية وقصيرة المدى، بحيث يتم توزيع مساعداتها بشكل متقطع وبكميات محدودة.
وفي هذا الشأن قال بيجبيدر إن "مواجهة تأثيرات الأزمة المتعدّدة الأبعاد على حياة الطفل، تتطلّب استجابة متعدّدة الأبعاد ترتكز على تعزيز نظام الحماية الاجتماعية في لبنان، ومن شأن ذلك ضمان حماية الحقوق الأساسية للأطفال الضعفاء. وهذا معناه زيادة الوصول الى الخدمات الاجتماعيّة وتوسيع نطاق المساعدة الاجتماعية وتقديم المنح الاجتماعيّة للعائلات الأكثر ضعفًا".