ينصّ ميثاق الأمم المتحدة على أن الأعضاء، الذين تساوي متأخراتهم مبالغ مساهمات عن عامين سابقين أو تزيد عن ذلك، يفقدون حقهم في التصويت.
وقد انطبق الأمر أخيرًا على عدة دول نامية بينها لبنان (الذي عاد وأعلن عن دفع متأخراته) وجنوب السودان وفنزويلا، فعطلت الأمم المتحدة حقها في التصويت لتأخرها عن سداد اشتراكاتها السنوية عن عامين متتاليين.
استسهال عقاب الدول النامية
في غضون ذلك، تحظى الجمعية العامة بصلاحية إبقاء هذه الدول فاعلة في عملية التصويت، إذا كان سبب تخلفها عن الدفع يعود إلى ظروف خارجة عن إرادتها، وهذا ما لم يحصل في حالة الدول المذكورة التي تعاني من أزمات مركبة.
وقد برز تساؤل آخر بشأن سبب استسهال الأمم المتحدة عقاب الدول النامية لتخلّفها عن الدفع، في حين أعفت للمرة الثانية دولًا إفريقية كالصومال وجزر القمر وأبقت على حقها في التصويت.
فالدول التي فقدت حق التصويت حديثًا تعيش ظروفًا خاصة هي أيضًا، ما يستدعي تمكينها ومساعدتها لا معاقبتها وتهميشها.
إلى ذلك، يطرح الحال تساؤلات بشأن إجراء تعديلات على النظام الداخلي في الأمم المتحدة بخصوص المتأخرات، وإدخال بنود جديدة ربما إلى ميثاقها في هذا الشأن؛ بما يتضمن معيارًا ثابتًا وعادلًا في تمكين الدول النامية والفقيرة، والتي تعيش ظروفًا خاصة، وإعفائها حينما تتخلف عن الدفع لأسباب قاهرة.
ففي ظل مناخ عالمي حساس، تبدو المطالبات بعدالة المنظمة الأممية وتعزيز الثقة بها ملحة أكثر من أي وقت مضى.
"حالة من الفوضى الكاملة"
في هذا السياق، يلفت الكاتب السياسي سام منسى، إلى أن فنزويلا – الدولة النفطية بامتياز - ليست فقيرة، وبالتالي يصعب اعتبارها عاجزة عن دفع المبلغ.
ويعرب في حديثه إلى "العربي" من بيروت، عن اعتقاده بأنه في ما يخص لبنان هناك "رسالة رمزية من الأمم المتحدة".
إلى ذلك، يلفت منسى إلى أن المشكلة في لبنان باتت متفاقمة بسبب انهيار الدولة أي مؤسساتها، وكذلك التنسيق المعدوم بين الإدارات الحكومية.
ويؤكد أن البلاد تشهد حالة من الفوضى الكاملة على المستويات سواء الإدارية منها أو السياسية، مشيرًا إلى أنه من الصعب أن يعقل ألا يتمكن لبنان من تأمين مبلغ 1.8 مليون دولار.
وفيما يشدد على أن لبنان غير عاجز عن دفع هذا المبلغ للأمم المتحدة، يشير إلى معرفة المسؤولين أهمية مثل هذا الموضوع، مذكرًا بأن لبنان عضو مؤسّس في المنظمة الأممية وساهم في شرعة حقوق الإنسان وله أدوار أساسية في المنطقة.
"مشاكل سياسية عميقة"
من جانبه، يعتبر عضو مجلس إدارة جمعية الشؤون الدولية منذر الحوارات، أن الدول التي منعت من التصويت مصابة بمشاكل سياسية عميقة وجوهرية في بنيتها الداخلية.
ويذكر في حديثه إلى "العربي" من عمان، بأن لبنان يعاني من مشاكل كبيرة بسبب تداخلات محلية وإقليمية ودولية، أنتجت نخبًا سياسية يهمها تصفية الحسابات في ما بينها، لذلك أُهملت الملفات الدولية.
ويقول إن الأمر ينطبق على فنزويلا، التي تشهد أزمة سياسية عميقة وأدى التدهور فيها إلى تضخم هائل. وكذلك الأمر في دولة جنوب السودان التي تعاني من الاقتتال الداخلي بسبب الصراع السياسي وتداخلات إقليمية ودولية.
ويرى أن ما حصل يؤكد فشل النخب السياسية في هذه الدول في التعاطي مع الصراعات الداخلية بمنطق سياسي، وبمنطق يتيح لها التغلب على المعضلات الداخلية فتستطيع أن تفي بالتزاماتها الدولية.
ويضيف أن الأمر يشير أيضًا إلى قصور المؤسسات الدولية، والتي لم تر المشاكل التي تعاني منها هذه الدول وتحاول حلها، مذكرًا أن جزءًا كبيرًا من هذه المشاكل دولية وإقليمية.
ويشدد على أهمية أن يعاد النقاش في المؤسسات الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة حول دور أكثر فعالية لهذه المنظمة المهمة.
"حديث مبالغ فيه"
من جانبها، ترى الصحافية المتخصّصة في شؤون الأمم المتحدة نادين ساندرز، أن الحديث عن فشل الأمم المتحدة مبالغ فيه إلى حد ما، مذكرة بأنها المنظمة الدولية الوحيدة التي تقف إلى جانب الشعوب والدول التي تعاني.
وتلفت في حديثها إلى "العربي" من نيويورك، إلى المعونات التي تقدمها الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام التي ترسلها إلى البلاد، ومنها على سبيل المثال "اليونيفيل" الموجودة في لبنان.
وتذكر بأن المنظمة تستقي مواردها وقدرتها على التمويل لهذه الدول الفقيرة، التي تحتاج إلى المساعدة، من الإشتراكات أو المدفوعات التي يتوجب على كل دولة تقديمها حتى تستطيع أن تستمر في عملها كمنظمة دولية.
وبينما تؤكد أن الخلافات في مجلس الأمن، والتي تعيق تبني قرارًا معينًا قد يجلب السلام إلى بلد ما أو يمنع عنه كارث معينة موضوع آخر، تلفت إلى أن الأمم المتحدة لا تقتصر على هذا المجلس بل هي منظمة ضخمة جدًا، وتضم عدة أفرع وقطاعات وعدة دوائر يهتم كل منها بمجال معين.