زادت العلاقات الاقتصادية بشكل كبير في العقد الأخير بين دول الخليج العربي وروسيا، إلا أن الهجوم الروسي على أوكرانيا دفع دولة قطر إلى مراجعة استثماراتها في روسيا ودول أوروبية.
وبحسب وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني فإن قرار الدوحة يقضي بالتفكير في عدم ضخ المزيد من الاستثمارات في القارة الأوروبية ولا سيما في الدول التي تعيش توترات أو تلك المعرضة لمخاطر سياسية.
ويبدو أن الدوحة تضع في إستراتيجيتها العامل السياسي المستقر في مخططات الاستثمارات خارج حدودها بشكل يؤسس لعلاقات اقتصادية ترتكز على السلم واحترام القوانين الدولية.
في المقابل، لم تصدر دول الخليج الأخرى أي مواقف حول مستقبل استثماراتها وخصوصًا المملكة العربية السعودية والإمارات اللتين تتزايد مصالحهما الاقتصادية مع روسيا بشكل ملحوظ.
فالسعودية استثمرت في بناء علاقات مع موسكو تحكمها المصالح المشتركة في منظمة أوبك بما فيها معدلات إنتاج النفط ومؤشرات أسعاره، بينما تعد الإمارات أكبر شريك تجاري لروسيا في الخليج وتستحوذ على نسبة كبيرة من الاستثمارات الروسية في المنطقة، إلى جانب أن روسيا كانت ثاني أكبر سوق مصدّر للسياح في دبي خلال عام 2021.
حسابات الرياض وأبو ظبي تتعدى الجانب الاقتصادي لتشمل ملفات سياسية إقليمية تتقاطع فيها المصالح مع موسكو، أبرزها الأزمة في اليمن وسوريا، في وقت بدت فيه واشنطن في عهد الرئيس جو بايدن حليفًا غير موثوق به ما يدفع بالبلدين إلى التفكير في بناء تحالفات وعلاقات مع قوى أخرى ولا سيما روسيا والصين.
إعادة ترتيب المحفظة
الخبير الاقتصادي عبد الله الخاطر يشدد على أن الأوضاع السياسية والاقتصادية في روسيا تغيرت بشكل كامل، لافتًا إلى أن الحرب في أوكرانيا لها نتائج شديدة السلبية على الاقتصاد الروسي وخصوصًا لناحية العلاقات الدولية والطاقة والمجال المالي، والنمو في الفترة المقبلة.
ويلفت في حديث إلى "العربي" من الدوحة إلى أن المستثمرين في حالات مماثلة يعيدون حساباتهم لمعرفة ما إذا كانت الفرضيات التي بنوا عليها توقعاتهم واستثماراتم لا تزال موجودة.
ويقول إن المسؤولية الأولى لأي مستثمر أكان فردًا أو دولة هي تحسين المردود وخفض المخاطر، واليوم تمت الاستثمارات داخل روسيا ولذلك ستجري إعادة تقييم لكل استثمار لمعرفة الآثار أكانت سلبية أم إيجابية".
ويضيف: "من حق المستثمر أن يعيد حساباته لتقييم المخاطر أكانت الاستثمارات في روسيا أو الولايات المتحدة أو غيرها، وليس المطلوب من المستثمر أن يعاني بل زيادة المردود".
ويتابع: "روسيا جزء من المحفظة العامة لدولة قطر وهذه أموال تعود للأجيال القادمة ولذلك هناك مسؤولية أساسية على من يدير هذه الاستثمارات".
ويرى أن هناك غموضًا حاليًا حول تداعيات الأزمة، إلا أن الانعكاسات لا تبدو إيجابية على الاستثمارات داخل روسيا في المرحلة المقبلة، ولذلك من الطبيعي إعادة ترتيب المحفظة.
علاقات معقدة
المستشار والباحث في العلاقات الدولية سالم اليامي يرى أن "بوابة الاستثمار" تعكس في مراحل معينة طبيعة العلاقات الاعتمادية في العلاقات بين أي دولتين.
ويلفت لـ "العربي" من الرياض إلى أن الحديث اليوم عن العلاقات الروسية الخليجية فيه كثير من التعقيد، بسبب طبيعة الأزمة التي يمر بها العالم.
ويشير إلى أن قرار الدوحة بمراجعة استثماراتها لا يعني أنه يمكن لقطر أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من هذه الاستثمارات في روسيا. ويعتبر أن بعض القرارات يمكن أن تُفسر بغير مكانها على الصعيد السياسي، وخصوصًا وأن روسيا تعاني اليوم من حصار ومن مواجهة من الدول الأوروبية على الصعد كافة على حد تعبيره.
ويقول: "الحرب لن تستمر إلى وقت غير محدد وهي ستتوقف يومًا ما، وبعدها سيكون للروس قائمة بالأصدقاء وبمن تحالفوا ضدهم في يوم من الأيام".
ويرى أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تصل إلى مرحلة توحيد الرؤية واتخاذ موقف موحد لناحية الاستثمار أو تبديل خيارات الاستثمارات بشكل جماعي في مكان معين.