فازت ليز تراس على منافسها ريشي سوناك بزعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء البريطانية خلفًا لبوريس جونسون بعد إعلان حزب المحافظين نتائج انتخاباته الداخلية.
وأصبحت تراس ثالث امرأة تتسلم منصب رئاسة الوزراء بعد أن كانت وزيرة للخارجية. ولعلها ليست الفترة الذهبية التي تتسلم فيها تراس سدة الحكم فالعقبات تواجهها ولعل أبرزها الأزمة الاقتصادية التي تواجه البلاد.
كما يشهد قطاع الطاقة في بريطانيا ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار النفط والغاز وسط توقعات بالإقبال على خيارات صعبة للغاية مع حلول الشتاء المقبل.
معدلات تضخم قياسية
ويتزامن هذا مع بلوغ معدلات التضخم في البلاد أكثر من 10% وهو ما لم تشهده بريطانيا منذ 40 عامًا. وكان بنك إنكلترا قد حذّر في وقت سابق من هذا الشهر من أن التضخم سيرتفع إلى ما يزيد قليلًا عن 13% هذا العام، وهو أعلى مستوى له منذ عام 1980.
وكان الخبز والحبوب أكبر مساهمين في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، يليهما الحليب والجبن والبيض. وأعلنت السلطة المنظمة للطاقة في بريطانيا أن سقف الفاتورة السنوية للعائلة المتوسطة سيكون حوالي 3800 جنيه إسترليني سنويًا بدءًا من مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، أي بارتفاع قدره 80% عن السابق.
ويأتي هذا مع تراجع ترتيب بريطانيا على قائمة أكبر اقتصادات في العالم إلى المركز السادس بعد الهند. كما تراجع سعر الجنيه الإسترليني أمام الدولار الأميركي إلى 1,15 وهو أقل سعر للعملة البريطانية منذ عام 1985. وبحسب إحصاءات البنك الدولي، يبلغ حجم الاقتصاد البريطاني 3,19 تريليون دولار لعام 2021.
وفي آخر اجتماع بشأن سياسته النقدية، رفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيس لنصف نقطة مئوية ليبلغ 1,75% وهو أكبر زيادة منذ 1995. وتوقع أن تدخل المملكة المتحدة في أطول ركود لها منذ الأزمة المالية العالمية في الربع الرابع من السنة.
مواجهة الركود
ونشرت "فايننشال تايمز" البريطانية مقالًا تؤكد فيه أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس التحدي الأهم الذي يواجه صانعي السياسة البريطانيين والأهم من ذلك هو الركود طويل الأجل في الإنتاجية والدخول الحقيقية.
ولاحظت مؤسسة "ريزوليوشن فاوندايشن" في أحدث تقدير لمعايير المعيشة لها أن السنوات الـ15 بين عامي 2004 و2019 ما قبل كوفيد وما قبل بريكسيت كانت الأضعف في نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد منذ السنوات بين 1919 و1934.
وقد فرضت الأوضاع الاقتصادية الصعبة واقعًا صعبًا على المدنيين والشركات ما اضطر النقابات العمالية للقيام بسلسلة من الاضطرابات الضخمة في قطاعات النقل والبريد والموانئ في أكبر حركة احتجاجية منذ عقود لمواجهة التضخم.
خطة تراس
ولمواجهة هذه المخاوف، كتبت تراس مقالًا في صحيفة "صنداي تلغراف" قالت فيه: "إن نهجها سيكون من شقين إجراء فوري لمعالجة أزمة غلاء المعيشة وخطة لتحقيق النمو الاقتصادي وأنها ستعين مجلسًا من المستشارين الاقتصاديين للحصول على أفضل الأفكار حول كيفية تعزيز الاقتصاد". ففيما تخطط تراس لميزانية طارئة لخفض الضرائب ومراجعة تفويض بنك إنكلترا المستقل لمكافحة التضخم، تلقة خطتها انتقاد الكثيرين.
ويتمتع بنك إنكلترا بالاستقلال منذ عام 1997 ويتعلق تفويضه بأن يظل التضخم عند 2% مع هامش نقطة مئوية واحدة أعلى أو أقل من ذلك. ويتهم حزب العمال المعارض المحافظين بالعجز عن إيجاد الحلول الناجعة لأزمة الطاقة التي تعصف بالمجتمع البريطاني.
ووصفت وزيرة المال في حكومة الظل ريتشل ريفيس ارتفاع الأسعار بأنه فلكي. وقالت: "إنه سيدفع كثيرين إلى اللجوء إلى حلول لا يمكن تخيلها"، مطالبة الحكومة بتجميد أسعار الطاقة أثناء فصل الشتاء.
ويطرح حزب العمال مقترحًا أوسع لحل الأزمة يتلخص في فرض ضرائب عالية على أرباح شركات الطاقة التي ارتفعت بشكل قياسي خلال الأشهر الستة الماضية.
اقتطاع الضرائب
من جهته، اعتبر المحاضر في العلاقات الدولية في جامعة آستون جوزف داوننينغ أن المشكلة التي تواجهها تراس عندما يتعلق الأمر بخفض الضرائب هي أنها تفيد من هم من الطبقة الوسطى أو من ذوي الرواتب العالية، لكن بالنسبة لهؤلاء الذين لديهم رواتب منخفضة فهم لا يدفعون أي ضرائب.
وقال في حديث إلى "العربي" من مرسيليا: "هي تعتمد على نموذج اقتصادي سيقدمه هذا الاقتصاد من خلال الاستثمارات لكن هذا سيستغرق وقتًا".
ورأى داوننينغ أن خطة الاقتطاعات الضريبية قد تزيد من الديون الوطنية التي وصلت إلى مستوى قياسي.
وحول سبب رفض تراس فرض ضرائب على شركات الطاقة، أوضح داوننينغ أن هناك سببًا إيديولوجيًا وهو أن حزب المحافظين هو مع الرأسمالية، ولكن هناك أسباب أكبر هنا وهو أننا مرتبطون بشبكة الطاقة الكهربائية الأوروبية ويتم صرف الأرباح في فصول الشتاء لشراء الطاقة من شركاء أوروبيين مذل النرويج وفنلندا من أجل إعادة الطاقة مجددًا إلى المملكة المتحدة من شبكات أوروبية أخرى.