Skip to main content

في ظل حرب غزة.. ما جدوى صدور رأي استشاري بشأن واقع الاحتلال؟

الإثنين 19 فبراير 2024
استبقت حكومة الاحتلال ما سيخرج من مقررات بإعلان عدم الاعتراف بشرعية النقاش في المحكمة الدولية في لاهاي- رويترز

تمثل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية من جديد، فقد بدأت المحكمة جلسات الاستماع بشأن العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بعد طلب تقدمت به الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي.  

وقد حمل الطلب الأممي شـقّين، الأول للنظر في شرعية الاحتلال الإسرائيلي الطويل الأمد للأرض الفلسطينية، واستيطانها وضمها، والشق الثاني للنظر في تبعات ما وصفته اعتماد إسرائيل تشريعات وتدابير تمييزية في احتلالها. 

وستستمر الجلسات أسبوعًا، بمشاركة 52 دولة، ستُدلي كل منها بإحاطة شفهية عن وجهة نظرها بشأن المسائل الإجرائية والجوهرية الناشئة. ومن المقرر أن تُصدر المحكمة في وقت لاحق رأيًا استشاريًا بشأن العواقب القانونية لهذا الاحتلال.

وفي هذا السياق، قدّم الفريق القانوني الفلسطيني مرافعته التي ركزت على خرق إسرائيل للالتزامات والقرارات الدولية بما يخص فلسطين، واصفًا ما تفعله إسرائيل بالتمييز والفصل العنصري، مع إصرارها المسبق على نية الاحتلال، علاوة على رفضها أصلًا الالتزام بالمفاوضات.

ستستمر جلسات المحكمة أسبوعًـا، بمشاركة 52 دولة، ستُـدلي كل منها بإحاطة شفهية عن وجهة نظرها - رويترز

إسرائيل لا تعترف بشرعية النقاش في المحكمة

ومن خارج القاعة، طالب وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بإنهاء الاحتلال، متهمًا القانون الدولي بعجزه عن توفير الحماية للفلسطينيين وعائلاتهم من جرائم الاحتلال الذي استوطن أجزاء أخرى من الضفة الغربية، رغم القرارات الدولية، بحسب المالكي.

في المقابل، استبقت حكومة الاحتلال ما سيخرج من مقررات بإعلان عدم الاعتراف بشرعية النقاش في المحكمة الدولية في لاهاي. وقال مكتب نتنياهو: "إن هذا التحرك هدفه ضرب حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في وجه التهديدات الوجودية"، وفق زعم بيان صادر عنه.

ورغم معرفة حكومة الاحتلال بأن القرار هو رأي استشاري أو غير ملزم، تدرك جيدًا أن تجاهلها مثل هذه الآراء في الماضي، لم يعد سهلًا، في ظل حرب عدوانية تشنها على قطاع غزة.

ومن المفترض، بحسب خبراء في القانون الدولي، أن تزيد من الضغوط السياسية وقراراتها مستقبلًا، وأن تعمل على إحراج حلفائها. وسيمثّل ثقلًا قانونيًا وسلطةً أخلاقيةً كبيرة، وفْقًا لمحكمة العدل الدولية نفسها.

الاحتلال مخالف للقانون الدولي

وتشير شهد الحموري، أستاذة القانون الدولي في جامعة كينت، إلى أن المجتمع المدني الفلسطيني قد عمل لفترة طويلة للوصول إلى هذه المرحلة.

وتقول في حديث إلى "العربي" من لندن: "إن فكرة طلب الرأي الاستشاري من المحكمة قد بدأت منذ السبعينيات من القرن الماضي حول مدى قانونية الاحتلال الإسرائيلي".

وتلفت الحموري إلى أنها كانت ضمن الفريق الذي عمل على الوثائق التي تم تقديمها للمحكمة في الأشهر السابقة. وقالت: "إن الاحتلال الإسرائيلي مخالف لأحد أهم الحقوق والأسس في القانون الدولي وأهمها منع ضم الأراضي بالقوة وحق تقرير المصير وحظر أنظمة الفصل العنصري"، مؤكدة أن إسرائيل تنتهك بشكل مباشر هذه القواعد الثلاث التي تعد في صلب القانون الدولي.

رغم معرفة حكومة الاحتلال بأن قرار المحكمة هو رأي استشاري أو غير ملزم، تدرك جيدًا أن تجاهلها مثل هذه الآراء في الماضي، لم يعد سهلًا، في ظل حرب عدوانية تشنها على قطاع غزة

وتوضح أن الهدف من هذه المحاكمة هو تأكيد أن الاحتلال الإسرائيلي هو شكل من أشكال الانتهاك الجسيم للقانون الدولي، مشيرة إلى أنه سيترتب على ذلك مسؤولية الدول على كافة الأصعدة، مما يعني واجب التعاون لإنهاء هذا الوضع غير القانوني، وعدم الاعتراف بآثار هذا الاحتلال غير القانونية، إضافة إلى ضمان حق العودة والتعويضات، فضلًا عن الاعتراف بحق المقاومة. 

وتؤكد أن المحكمة تسلمت آلاف الوثائق التي تتعلق بالممارسات غير القانونية للاحتلال، معتبرة أن هذه المحاكمة قد تفتح المجال أمام إعادة إحياء لغة الستينيات والسبعينيات حين نُظر للاحتلال على أنه حالة من الهيمنة العامة والاستعمار. 

طالب وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بإنهاء الاحتلال، متهمًا القانون الدولي بعجزه عن توفير الحماية للفلسطينيين وعائلاتهم من جرائم الاحتلال - رويترز

تطهير عرقي وفصل عنصري

من جهته، يرى مدير مركز مسارات للأبحاث هاني المصري، أن إسرائيل باتت اليوم محاصرة، حيث إن التدابير الابتدائية التي أصدرتها محكمة العدل الدولية تطالب إسرائيل بوقف أعمال الإبادة في غزة. ولفت إلى أن الأصل في أي احتلال أن يكون مؤقتًا، فيما يستمر منذ عام 1967. 

ويقول في حديث إلى "العربي" من رام الله: "لم يعد هذا احتلالًا بل أصبح نوعًا من التطهير العرقي أو الفصل العنصري أو محاولة لتغيير الواقع القائم"، وذلك بناء على "البرامج الحكومية التي تدعو إلى التهويد والتهجير وضم الأراضي التي تزعم إسرائيل أنها حُررت وأنها جزء من أرض إسرائيل الموعودة".

ويلفت إلى أن هذا النقاش يستند إلى الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي التي صدرت عام 2004 والتي هي بمثابة كنز سياسي وقانوني، لكن القيادة الفلسطينية لم تستفد منها، مشيرًا إلى أن كون تلك الفتوى استشارية لا يعني أنها ليس لها أي قوة عملية.

ويضيف: "كان يمكن الذهاب إلى الأمم المتحدة وإنشاء قائمة بالأضرار الناجمة عن الاحتلال، لكن هذا لم يحدث".

نظرة "ازدراء"

وحول موقف إسرائيل مما يمكن أن يصدر عن المحكمة، يشير الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت إلى أن إسرائيل تخشى التداعيات الرمزية لهذا القرار.

ويقول في حديث إلى "العربي" من عكا: "أعتقد أن أهمية هذا التداول في محكمة العدل الدولية بشأن قانونية الاحتلال في أراضي 1967 يرتبط بالتوقيت، حيث تبحث المحكمة هذا الأمر الذي أحيل إليها قبل أكثر من عام من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت تشن فيه إسرائيل حرب إبادة جماعية على قطاع غزة أوصلتها إلى أروقة محكمة العدل الدولية بناء على دعوى جنوب إفريقيا". 

لكن شلحت يعتبر أن ما يختلف بالنسبة لهذه المحكمة هو أن محكمة العدل الدولية ستصدر رأيًا استشاريًا، فيما ترفض إسرائيل شرعية هذه المحكمة في بحث قانونية الاحتلال، إذ تعتبر أن الاحتلال لا يجب أن يخضع للجدل القانوني.

ويقول شلحت: "ستنظر إسرائيل إلى الرأي الاستشاري الذي سيصدر عن المحكمة بنظرة ازدراء".


تبحث الحلقة المرفقة من "للخبر بقية" مضامين الطلب الأممي الذي تناقشه جلسات المحكمة الذي يتضمن النظر في شرعية احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية وتبعات اعتماد إسرائيل تشريعات وتدابير تمييزية. كما تسأل عن تأثير مرافعة الفريق الفلسطيني وما حملته من دلائل وصور تستعرض جرائم الاحتلال بموازاة رد فعلِ الاحتلال على المناقشات وإعلانِه عدمَ الاعتراف بشرعيتها. وتناقش الحلقة أيضًا الجدوى من صدور رأي استشاري عن المحكمة على واقع الاحتلال، في ظلّ شنه عدوانا على غزة، وتصاعد موجة رفض عالمية لممارساته.
المصادر:
العربي
شارك القصة