منذ 25 يوليو/ تموز 2021، تشهد تونس أزمة سياسية حادة حين بدأ رئيسها قيس سعيّد إجراءات استثنائية منها حل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، ومؤخرًا تمرير الدستور الجديد الذي يمنحه صلاحيات واسعة. وقد انعكس صدى الأزمات السياسية على الاقتصاد التونسي الغارق في التضخم والديون. لكن السياسيين التونسيين يتفاءلون بقرض من صندوق النقد الدولي.
الاتفاق مع صندوق النقد الدولي
وتوصلت الحكومة التونسية إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بقيمة 1,9 مليار دولار عقب مفاوضات انطلقت منذ مايو/ أيار الماضي. وقال الصندوق على موقعه الرسمي إن تونس والبنك توصلا لاتفاق إقراض بقيمة 1,9 مليار دولار على مدى 48 شهرًا.
ويهدف القرض إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والمساواة الضريبية.
وقال الصندوق: "إن البرنامج المتفق عليه سيشمل تغييرات لتوسيع قاعدة الضرائب وتوسيع تغطية شبكة الأمان الاجتماعي لمساعدة الأشخاص الأكثر فقرًا على مواجهة ارتفاع الأسعار، وكذلك سن قانون يحكم إصلاح الشركات المملوكة للدولة".
وسبق أن اقترضت تونس عام 2012 من صندوق النقد الدولي مبلغًا بقيمة 1,74 مليار دولار على مدى سنتين.
وفي عام 2016، أعلن الصندوق عن التوصل لاتفاق مع تونس على برنامج قرض بقيمة 2,88 مليار دولار على مدار أربع سنوات.
تضخم وعجز
ووصلت معدلات التضخم في تونس في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى معدل قياسي تجاوز 9%، وهو أعلى معدل منذ ثلاثة عقود، بحسب المعهد الوطني للإحصاء. واتخذ البنك المركزي قرارًا برفع أسعار الفائدة بنسبة 0,25% لتصبح 7,25%. وقارب عجز الميزانية 10% وسط مواجهة البلاد إحدى أعلى فواتير أجور القطاع العام في العالم.
كما بلغ حجم ديون تونس أكثر من 40 مليار دولار، بحسب تقرير للبنك الدولي. وارتفع الفرق في عوائد السندات بأكثر من 2800 نقطة أساس.
تبعات محتملة لقرض صندوق النقد
ويشيد وزير المالية والاقتصاد التونسي الأسبق حكيم بن حمودة بالتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد، لكنه يحذّر من تبعات هذه الخطوة، مؤكدًا أن الحكومة التونسية ستواجه تحديين مهمين، الأول هو أن قيمة هذا القرض غير كافية لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة لعام 2022 والتي تقدر بـ19,9 مليار دولار.
ولم تتمكن الحكومة حتى الآن سوى من توفير حوالي 5 مليارات دينار فقط، وهو ما يتطلب ضرورة التوصل وبسرعة لاتفاقات مع جهات دولية مانحة أخرى، كالبنك الدولي أو البنك الأوروبي أو البنك الإسلامي أو البنك الإفريقي، للحصول على تمويلات إضافية لسد عجز الموازنة.
ويتمثل التحدي الثاني في مدى قدرة الحكومة على تطبيق اشتراطات صندوق النقد الدولي وكيفية تنفيذها على أرض الواقع، وهو ما قد يثير العديد من الإشكاليات خلال الفترة المقبلة، لاسيما وأن الأوضاع السياسية والمعيشية في البلاد غير مستقرة.
الطريق لتمويلات إضافية
في المقابل، يرى بعض خبراء الاقتصاد أن قرض صندوق النقد الدولي سيفتح المجال أمام الدولة التونسية للحصول على تمويلات إضافية من بعض الدول الأخرى على المستوى الثنائي، مما يعيد حالة الثقة من جديد في الاقتصاد التونسي، خاصة بعدما تراجع التصنيف الائتماني لتونس خلال السنوات القليلة الماضية، فوكالة بلومبرغ قالت: "إنه يوجد مجموعة من الدول النامية مهددة بالتخلف عن سداد ديونها الخارجية جراء الضائقة الاقتصادية والتجارية العالمية. وكانت تونس إحدى الدول المصنفة.
ويأتي ذلك وسط أزمات متتالية تعصف بمخزونات تونس الاحتياطية من المواد الأساسية، بعد أن لجأت السلطات في أكثر من مناسبة إلى استعمال مخزوناتها الإستراتيجية، وسط تحذيرات من تداعيات الأزمة المالية على قدرة السلطات على إعادة تكوين احتياطات جديدة من الغذاء والطاقة والدواء.
كثيرة هي الأسباب التي أدّت لهذه الأزمة غير تلك المتعلقة بالمناخ السياسي، ومنها تراجع الترقيم السيادي لتونس الذي تسبب في طلب المزودين للضمانات المالية الكافية مقابل تفريغ شحنات الحبوب والبترول والسكر.
وبالنظر إلى السياق العالمي، فجائحة كورونا والهجوم الروسي على أوكرانيا تسببا في حدوث صدمة تضخمية شديدة، حيث تسببا في ارتفاع الأسعار مع تعرّض إمدادات الطاقة للتهديد وتقلص دخول الأسر والشركات، حيث أصبحت السلع الأساسية أكثر تكلفة.
ويرى محللون اقتصاديون أن تكدّس الديون يؤدي إلى سياسات تقشفية يفرضها المقرضون وقد يؤدي بعضها إلى ارتفاع الغلاء المعيشي ومستويات البطالة مما يزيد من مخاطر الانهيار الاقتصادي.
من جهته، يرى مستشار وزير الطاقة السابق، علي الحفيان أن قيمة القرض الأخير كافية لإنعاش الاقتصاد. وقال في حديث إلى "العربي" من تونس: "إن فوائد هذا القرض على المدى القصير، إنه فتح باب الاقتراض الثنائي وخاصة دول الخليج واليابان".
ولفت إلى أن لجنة الخبراء في صندوق النقد الدولي اقتنعت بأن البرنامج الإصلاحي الذي قدّمته تونس يستحق 1,9 مليار دولار وليس 4 مليارات دولار أو أكثر.
وأشار الحفيان إلى أن أموال القرض ستمثل دعمًا لميزانية الدولة التونسية، لكنه اعتبر أن التحدى الأكبر يكمن في الإصلاحات وتأثيرها على المواطن التونسي وأهمها رفع الدعم.