لا يستثني الاحتلال طواقم الإسعاف في عدوانه على قطاع غزة، ويقتل متعمدًا من يهبّون لنجدة المصابين ونقل الشهداء والجرحى إلى المستشفيات.
لكن المسعفين الذين يسابقون الزمن في مهام الإنقاذ التي تزداد صعوبة مع تواصل العدوان واشتداد القصف، ماضون في أداء الواجب مهما كلفهم الأمر.
في وثائقي "مسعفو غزة" يسلط "العربي" الضوء على ما يواجه المسعف الفلسطيني خلال الحرب على غزة من عقبات، وما تختزنه ذاكرته من مشاهد العدوان ومآسي الغزيين.
كما يرصد إصرارهم على الإقدام رغم الضغوط وتحييد المشاعر خلال العمليات لمواصلة أداء الخدمة الإنسانية، متوقفًا في الآن عينه عند حالتهم النفسية ولا سيما أن منهم من استشهد ومنهم من أُصيب أو فقد عائلته وأحباءه وهو على رأس عمله الإنساني.
الوثائقي أُنتج بين منتصف أكتوبر ونهاية نوفمبر الماضي. وفي غضون ذلك، استشهد زميل صحافي تواصل معه "العربي" لهذه الغاية. كما استشهدت عائلة زميل آخر خلال عمله على الفيلم.
ففي بداية التخطيط لإنتاج فيلم "مسعفو غزة" تواصل "العربي" مع الزميل الصحفي رشدي السراج، الذي استشهد باستهداف منزله في اليوم نفسه الذي كان من المخطط أن يبدأ فيه التصوير.
وتم التواصل مع الزميل الصحفي محمد الصواف الذي شرع بالفعل بتصوير الفيلم، وفي مراحل الإنتاج الأخيرة، استهدف الاحتلال منزل عائلته فاستشهد والده الصحفي المعروف مصطفى الصواف ووالدته. ولاحقًا استشهد شقيقاه منتصر ومروان، الذي كان بدوره من ضمن فريق عمل الفيلم.
"مسعفو غزة"
ينطلق ضابط الإسعاف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني يونس عبد القادر، إلى مهماته الإنقاذية خلال العدوان على غزة.
يقول إنه كان يعتقد أن العدوان الذي شنّه الاحتلال في العام 2014 على القطاع الفلسطيني المحاصر كان الأعنف على الإطلاق، لكن القصف الذي تشهده غزة حاليًا خالف توقعاته، فيؤكد أن "حرب العام 2014 توازي يومًا واحدًا من الحرب الحالية".
يفضل يونس مغادرة منزله أثناء نوم عائلته، لأنه يكره لحظات الوداع وما تشهده من عناق فهي تشعره بالخوف، على ما يوضح.
وطواقم الإسعاف تعمل أساسًا تحت ضغط نفسي وسط القصف والخوف والقلق، ولا سيما أن الناس كلهم يحتاجون إلى المسعفين الذين يكونون بالنسبة لهم بمثابة الملاك المنقذ"، وفق تعبيره.
لذا يشير إلى أهمية الخبرة التي كان راكمها المسعف فهي تساعده على الصمود، وإلا سينهار منذ اليوم الأول.
وبينما يعرّج على المآسي التي شهدها من جراء القصف، يتحدث عن انتشال جثث 14 شهيدًا من بينهم 11 طفلًا لعائلة نازحة من شمال غزة.
ويقول إن الاحتلال استهدف سيارتهم التي حملوا فيها أفرشتهم، بعدما وصلوا إلى جسر وادي غزة قبالة البحر، قبل أن يردف بأن أي شخص عادي كان سينهار أمام هول المشهد.
"هدف للاحتلال"
بدوره، يلفت الضابط ومدرب الإسعاف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني سالم أبو الخير، إلى أن أغلب المسعفين ينطلقون إلى مهامهم وهم يتساءلون إن كانوا سيعودون إلى منازلهم أحياء.
ويذكر بأن المسعفين أصبحوا هدفًا للاحتلال، بالإشارة إلى استهداف سيارات الإسعاف وإصابة واستشهاد عدد من المسعفين. ما يدل برأيه على أن الاحتلال يمارس تمييزًا عنصريًا ويضرب عرض الحائط جميع القوانين.
وأبو الخير يتحدث عن تعرضه وزملائه للقصف في ثاني أيام الحرب، مستذكرًا آخرين استشهدوا من بينهم حاتم عوض خلال العدوان.
إلا أنه يشدد على أن "كل تلك الأحداث لن تدفعنا للتخلي عن مهمتنا مهما فعل الاحتلال الإسرائيلي، حيث سنستمر بتقديم الخدمة الإنسانية للجميع حتى ولو على أجسادنا وأرواحنا".
ويمضي بدوره محمود صالح، الضابط وسائق سيارة الإسعاف، في الحديث عن ظروف عمل المسعفين وسط العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويشير إلى المخاوف من "الضربة الثانية" خلال تجمّع الناس في المكان عقب استهدافه بالضربة الأولى.
ويلفت إلى ما يواجهه المسعف حينها على الأرض من ضرورة التعامل مع الشهداء والجرحى، والضغوط التي يسبّبها الخوف من قصف قد يستدعي إسعاف المسعفين أنفسهم ومن حولهم.
إلى ذلك، ينقل فيلم "مسعفو غزة" أجواء خلية النحل التي تعمل باللحم الحي وعلى مدار الساعة لتقديم الخدمة الإنسانية؛ سيارات إسعاف ومسعفون على الأرض بين الركام ويشقون طريقهم وسط الزحام لنقل المصابين.
وفي هذا الصدد، يتحدث مسؤول العمليات جبر زيدان عن أزمة قطع الاحتلال الاتصالات عن قطاع غزة ما يؤثر على الجوالات والهواتف الأرضية.
لكنه يوضح أن الأزمة متوقعة وأنه يتم تدريب المستجيب الأولي على احتمال قيام الاحتلال بذلك، مبينًا كيفية الالتفاف عليها، بما في ذلك عبر أجهزة اللا سلكي التي يحمد الله أنها لازالت تعمل.
وزيدان الذي يعمل أيضًا ضابط إسعاف في مركز إسعاف خانيونس، استعرض سيارة إسعاف استهدفها الاحتلال بصاروخ خلال وجوده فيها، وعلّق على آثاره بالقول: "ربنا سلّم".