كارثة ليبيا على وقع الانقسامات.. كيف تنعكس السياسة على جهود الإغاثة؟
دعا رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الليبيين إلى الوحدة والتكاتف لمواجهة الكارثة التي تسبب فيها الإعصار "دانيال" في الشرق الليبي، مطالبًا القيادات السياسية وقادة المؤسسات بالابتعاد عن الاستغلال السياسي للكارثة.
ويأتي ذلك في وقت بدأت تتكشف فيه آثار الانقسام السياسي في البلاد على جهود عمليات الإغاثة في خضم كارثة هي الأسوأ في تاريخ البلاد.
غياب التنسيق
فغياب التنسيق والتعاون بشأن استقبال المساعدات الدولية بدا واضحًا بين حكومتين تسيّران أمور البلاد: حكومة "الوحدة الوطنية" المعترف بها دوليًا في العاصمة طرابلس، وتلك المكلفة من البرلمان التي تسيطر على المناطق الشرقية الأكثر تأثرًا بتداعيات كارثة الفيضانات، وعلى رأسها درنة.
وتضارب الرؤى والتوجهات بين قطبي البلاد بشأن احتواء تداعيات الكارثة تجلى في أمورٍ عدة، أبرزها غياب غرفة العمليات المشتركة وإعلان كل حكومة بمفردها تخصيص مبالغ مالية لإعادة إعمار المناطق المنكوبة في الشرق.
يضاف إلى ذلك تضارب تصريحات رئيسي المجلسين، إذ أعلن عبد الحميد الدبيبة أن حكومته تقيّم المساعدات الدولية لتحديد الضروري منها وضمان التنسيق، بينما ناشد أسامة حماد المجتمع الدولي بتقديم المساعدات، وقال إن بلاده لا تملك الخبرة في التعامل مع الكارثة.
وخلافًا لكل ذلك، أظهر الشعب الليبي موجة تضامنٍ واسعة مع ضحايا الكارثة عبر تسيير قوافل المساعدات من مختلف المدن، والمطالبة بتنحية الخلافات السياسية جانبًا.
المشهد الوطني على أرض الكارثة
متابعةً لهذا الملف، يؤكد الباحث السياسي حمد الخراز أن الليبيين توحدوا أمام هذه الكارثة واستطاعوا تنحية كل الخلافات جانبًا من أجل تقديم المساعدة لأبناء شعبهم المنكوب.
والدليل على ذلك وفق الخراز، هو أن قوافل المساعدات لم تتوقف حتى هذه اللحظة، مشيرًا من بنغازي إلى أنه استقبل شخصيًا 15 قافلة قادمة من غرب وجنوب ليبيا.
ويردف في حديث مع "العربي": "هناك العديد من الاختصاصات المتنوعة التي لم تتأخر لحظة منذ وقوع الكارثة، وهذا يدل على عدم وجود خلاف بين المواطنين الليبيين وأنهم يسيرون قدمًا نحو المصالحة".
تأثير الخلافات السياسية
من جهته، يرى موسى تيهوساي الباحث في مركز نهضة ليبيا للدراسات العليا أن هناك بعض البوادر للتوظيف السياسي لهذه الأزمة الإنساني، حيث يريد الجميع أن يأخذ زمام المبادرة وأن يكون هو الأساس في قيادة جهود الإنقاذ، على حد تعبيره.
فالحكومتين بشرق البلاد وفي طرابلس تريدان أن تقودا كل المساعي بشكل منفرد، في تجاذب يلقي بظلاله الثقيلة جدًا على جهود الإنقاذ وفق تيهوساي.
وبالتالي، يعتقد الباحث في مركز نهضة ليبيا للدراسات العليا أن ذلك خلّف نوعًا من الفوضى في إدارة فرق الإنقاذ وصعّب حتى على أصحاب المبادرات الفردية الوصول إلى المناطق المنكوبة لتقديم المساعدات.
ويردف تيهوساي في مداخلته مع "العربي" أن ما يهم في هذه المرحلة هو أن تكون هناك إدارة مركزية موحدة لهذه الجهود كي تنعكس بنتائج حقيقية على الأرض.
ويكمل من طرابلس: "نحن ما زلنا ننتظر انتشال جثث وربما ناجين، في أحياء جرفتها السيول بشكل كامل وهناك آمال في أن يكون هناك أحياء في هذه المناطق التي سويت بالأرض".
كما يصف تيهوساي استمرار إقحام التجاذبات السياسية في هذه الأزمة الإنسانية بـ"وصمة العار" على كل طرف يريد زج الصراع السياسي على هذه الكارثة، في وقت يجب توحيد الصفوف وأن تكون درنة مثالًا للوحدة الوطنية كما هو حاصل على المستوى الشعبي.
فرص توحيد الجهود بين الحكومتين
أما رمضان معيتيق رئيس مفوضية المجتمع المدني في مصراتة، فيشير إلى أن السياسيين المتصارعين على السلطة في خضم الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في تاريخ ليبيا لم يتّعظوا مما حصل، إلا أنه لم يستبعد أن تكون فرصة توحيد الجهود ما زالت قائمة.
فيشدد معيتيق على أن البلاد بكل إمكانياتها لا تستطيع تجاوز هذه المحنة لوحدها إلا من خلال المساعدات الإنسانية، وذلك لضخامة هذه الكارثة التي يراها عالمية وليست وطنية فقط.
ويقول لـ"العربي" من مصراتة: "نحتاج اليوم إلى كل إنسان على كوكب الأرض كي يمد لنا يد المساعدة، فما بالكم بالليبي ابن البلد".
ويلقي رئيس مفوضية المجتمع المدني في مصراتة باللوم في الدرجة الأولى على المنفي، على اعتبار أنه "ابن المنطقة" على حد قوله، وقادر على التواصل مع جميع الأطراف.
ويقول معيتيق في هذا الإطار: "بالأمس كنا نشاهده وهو يشكل لجنة مالية عليا على مستوى الدولة الليبية، بوقت يجدر به بالأحرى تشكيل لجنة إنسانية تضم الحكومتين لتدير العمليات بشكل مركزي ودقيق بالتعاون مع الأطراف الدولية التي أبدت استعدادها لتقديم المساعدة".
فلا يكفي بحسب رئيس مفوضية المجتمع المدني في مصراتة الدعوة إلى التكاتف وإصدار البيانات والخطابات التلفزيونية، إذ يتطلب الوضع تحولًا سريعًا إلى الجانب التنفيذي عبر تشكيل لجنة طارئة موحدة تضم وزراء من الحكومتين.