بدت المرحلة الانتقالية بين رحيل الرئيس دونالد ترمب ووصول الرئيس المُنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، استثنائيّة بكلّ تفاصيلها وحيثيّاتها، من الانتخابات، إلى ما تلاها من معارك قانونيّة وسياسيّة لا يبدو أنّها فصولها ستنتهي في وقتٍ قريب.
لكنّ الطابع الاستثنائي انسحب أيضًا على الأيام الثلاثة الأولى للرئيس المُنتخب في البيت الأبيض، التي أمضاها فريقه في مكاتب شبه خالية يبحثون عن لوازم مكتبية ويطلبون مساعدةً تكنولوجية، ويحاولون كذلك إنقاذ البلاد من أزمات متعددة.
وعلى طريقة من ينتقل إلى شقة جديدة، تصدّى هذا الفريق الذي تولّى الأربعاء المسؤولية في البلد الأكثر قوة وثراءً وابتكارًا في العالم، لتغييراتٍ بالجملة في المكتب البيضاوي الذي أعيد تجديده بالكامل.
وخضعت المساحة بأسرها لعملية تنظيف دقيقة كلّفت بحسب سي.إن.إن 500 ألف دولار، في وقتٍ واجه فريق بايدن بعض المشاكل اللوجستية، على غرار تعطل حاسوب المسؤولة عن التخطيط في الاتصالات ميغان هايز، التي اضطرت إلى الكتابة على هاتفها الخلوي.
منزل جو بايدن الجديد، الذي لا يريد ترمب مغادرته! ماذا تعرفون عن البيت الأبيض؟ pic.twitter.com/1eMhXkw2Fg
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) November 7, 2020
أول فرق واضح
ولعلّ أول فرق واضح في الشكل، بين فريقي ترمب وبايدن، كان أنّ جميع العاملين في البيت الأبيض، تحت إدارة بايدن، يضعون الكمامة للوقاية من كوفيد-19.
ووفق تقرير لوكالة "فرانس برس"، فإنّ صورة لبايدن موضوعة على مكتبه في اليوم الأول واضعًا كمامة، تكاد تكون كافيةً لرسم ملامح الحقبة الجديدة،
وفي المقابل، كان ترمب بالكاد يضع الكمامة علنًا، خشية أن توحي بالضعف. وبالتأكيد لم يستخدمها أبدًا علنًا في المكتب البيضاوي، خشية ما يمكن أن يفكّره "الرؤساء ورؤساء الحكومات والدكتاتوريين والملوك والملكات" حيال هذا الأمر.
في غضون ذلك، تم التشديد على إجراء فحوص كوفيد-19؛ في تحول دراماتيكي آخر في مبنى أصبح بؤرة للإصابات خلال عهد ترمب.
وخُفض عدد الصحافيين الذين يسمح لهم بالدخول إلى 80 فقط يوميًا، وعليهم وضع الكمامة، والخضوع لفحص سريع للكشف عن إي إصابة بالفيروس.
عودة العلوم
ويعكس تشديد التدابير أهم أولويات بايدن، وهي القضاء على وباء أودى بأكثر من 400 ألف أميركي وضرب قطاعات كاملة من الاقتصاد؛ ولمساعدته في تحقيق ذلك، أعاد خبير الأمراض المعدية الشهير الطبيب أنطوني فاوتشي، الذي مُنع خلال فترة ترمب من التحدث بصراحة.
وبموجب ذلك، ولّت الأيام التي كان يأتي فيها الرئيس إلى منصة المؤتمرات ليقترح على الناس أن يحقنوا أنفسهم بالكلور لمنع الفيروس، كما فعل ترمب خلال مؤتمر صحافي خارج عن المألوف في أبريل/ نيسان الماضي، كما ولّت تلك الأيام التي كان الرئيس يقاطع الخبراء باستمرار، أو يمنعهم من قول ما يريدون.
ومستذكرًا تلك اللحظات الخميس، قال فاوتشي: "لم تكن تبعث على الارتياح؛ لأنها لم تكن قائمة على حقائق علمية"، مشيرًا إلى أنّ العودة إلى قاعة الإيجازات الصحافية، "والسماح للعلم بأن يتكلم، له نوع من الشعور بالتحرر"، بحسب الخبير المخضرم.
أقلام رئاسية وقّع بها بايدن قراراته، تحمل حكاية غير تقليدية.. إليكم قصتها ?? pic.twitter.com/VLF7OjLMXE
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) January 22, 2021
هدوء وسكون
وبعكس "الصخب" الذي أحاط بفترة ترمب الرئاسيّة، تدعو إدارة بايدن الأميركيين إلى توقع أجواء أكثر هدوءًا وسكونًا، مشيرةً إلى أنّه سيوضع "حد للتغريدات العاصفة، وإهانة الصحافيين على التلفزيون الوطني، بل ستتوقف الإهانات برمتها".
وقال بايدن لموظفيه في اليوم الأول: "إذا كنتم تعملون معي، وسمعت بأنكم تعاملون زميلًا آخر بعدم احترام، أعدكم بأني سأطردكم على الفور".
وتؤكد بساكي هذه الرسالة بعودة للإيجازات الصحافية اليومية؛ فعلى مدى سنوات كانت هذه المؤتمرات جزءًا من منظومة البيت الأبيض الإعلامية، بوصفها من التقاليد "المقدّسة" تقريبًا.
لكن خلال عهد ترمب، توقفت نهائيًا تقريبًا، وحلّت مكانها تغريدات لا متناهية للرئيس، وساعات من المقابلات على محطات صديقة مثل فوكس نيوز والإذاعة اليمينية.
أهداف أكثر عمقًا
ويرى الأستاذ في كلية ريتشموند للقانون كارل توباياس أنّ تغيّر النبرة خلال عهد بايدن يشير إلى أهداف أكثر عمقًا.
ويقول إن الأمر "يتجاوز الأسلوب، لكن الأسلوب أيضًا مهم"، مشيرًا إلى أنهم "كانوا واضحين بأنهم يريدون تغيير طريقة عمل الحكومة الفدرالية بشكل كبير".
ويوضح أنه "خروج جذري عن ترمب الذي كان يستمتع بخرق كل الأعراف والقواعد والقوانين والتقاليد، حتى اللحظة الأخيرة".